من خيرسون إلى بولندا.. هل ترسم طريق المحادثات؟
السبت - 19 نوفمبر 2022
Sat - 19 Nov 2022
كالعادة التي اتخذتها الحرب الروسية الأوكرانية بمباغتة كافة قراراتها للمراقبين، ثم اشتغال هؤلاء المراقبين في تأطير أي قرار جديد تحت لافتات الانتصار أو الهزيمة، واشتغال وسائل الإعلام الدولية هي الأخرى على تضخيم تلك الأطر وتطويعها للذهاب بها بعيدا إلى حيث مستنقع الدعاية المحضة، مثل ادعاء قيام الحرب العالمية الثالثة -هكذا ببساطة- إزاء الصاروخ الساقط في بولندا؛ جاء قرار انسحاب روسيا فجأة من مدينة خيرسون المحاذية لشبه جزيرة القرم في جنوب أوكرانيا.
وقد كانت طريقة الإعلان الروسية للانسحاب مثيرة، وتدلل على جدية المأساة جراء هذا القرار القسري، إذ أوصى القائد العام للقوات المسلحة الروسية الجنرال سيرغي سوروفيكين ـ بكل أسى ـ بتنظيم خطوط الدفاع على طول الخط الفاصل لنهر دنيبر، ليرد وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو بموافقته على هذا الاستنتاج والعمل بتوصية الجنرال على مضض، لتطرح بعد ذلك كثير من الأسئلة المحببة للجماهير من قبيل: هل هذا الانسحاب يعكس هزيمة روسية؟ أم هو فخ لإعادة التموضع والهجوم مجددا؟.إن انشغال الجماهير بمعرفة الطرف المنتصر والطرف المهزوم منذ اليوم الأول للحرب الروسية الأوكرانية، إلى جانب أنه عامل لا يساعد على الدقة في تحليل معطيات الحرب والمتغيرات المصاحبة لها، فإنه كذلك يدفع وسائل الإعلام وبعض المحللين أحيانا إلى تبني روايات دعائية تكون أقرب إلى السخرية. فمثلا، شاع في معظم وسائل الإعلام أن القوات الأوكرانية وجدت مقرا أنشأته القوات الروسية المهزومة في مدينة خيرسون كان يستخدم للتعذيب وانتهاكات حقوق الإنسان، هذا على اعتبار أن القوات المسلحة عندما تكون في حالة حرب فإنها عادة ما تعمر مقرات للاسترخاء والتدليك، وهذا بالضبط ما تحاول الدعاية -بطرفيها- إيصاله للجماهير، ومن الأجدر أن تطرح أسئلة حول أهمية مدينة خيرسون في الحرب ونوايا أطراف الحرب المحتملة بعد هذا القرار.
لقد خسرت روسيا أول مدينة سيطرت عليها منذ بدء الحرب، وأهم قطعة برية تربط موسكو بشبه جزيرة القرم الحيوية للجيش الروسي؛ كونها تحاذيها شمالا وتعتمد عليها في إمدادات المياه العذبة عبر قنوات متفرعة عن نهر دنيبرو، وهو النهر الذي تمركزت على يسار خطه الفاصل القوات الروسية المنسحبة، وقد كانت روسيا تعتمد على عدد من الجسور في الإمداد اللوجستي لكنها لم تترك جسرا واحدا يخدم عمليات الإمداد بعد انسحابها، مما يقلل من احتمالية أن تعاود قواتها التمركز في المدينة نفسها، لكنها ظلت متمسكة باعتبار المدينة كيانا تابعا لروسيا الاتحادية بعد عمليات ضم المناطق الأربع في سبتمبر الفائت، ما يعني أن حجم «الخسارة الجزئية» واضح للقيادات الروسية، لكن في الوقت نفسه ما زالت اليد الروسية تهيمن بكل ثقل على المناطق الثلاث الأخرى إضافة إلى القرم، وقد تكون هذه الورقة التفاوضية هي المعادلة التي ترجوها روسيا الآن.
لذلك، فإن قرار الانسحاب يرتبط بكثير من المستجدات التي قد تفتح الطريق إلى طاولة المحادثات مرة أخرى بعد أن توقفت في أبريل الماضي،. فالشتاء حوّل الأوروبيين إلى جرس إنذار يدق في كل شبابيك البيت الأبيض، وصل صداه إلى الصين وتركيا، والوضع الميداني الراهن يعطي روسيا أفضلية في طرح شروطها على أوكرانيا، على الرغم من خسارتها خيرسون، واستعادة الأوكران لخيرسون ستحفزهم على الجلوس أيضا إلى الطاولة بذهنية الحفاظ على المكاسب الراهنة وروح الانتصار، بعيدا عن الشروط الطوباوية التي كان قد طرحها رئيسهم فولوديمير زيلينسكي، والتي يبدو أنه قد تراجع عنها أخيرا، مثل اشتراطه التفاوض مع من سيخلف الرئيس الروسي بوتين فقط، ولعل ما أصاب بولندا سيكون مثمرا في توجه حلفاء أوكرانيا إلى الضغط عليها أكثر للتفاوض مع روسيا.
9oba_91@
وقد كانت طريقة الإعلان الروسية للانسحاب مثيرة، وتدلل على جدية المأساة جراء هذا القرار القسري، إذ أوصى القائد العام للقوات المسلحة الروسية الجنرال سيرغي سوروفيكين ـ بكل أسى ـ بتنظيم خطوط الدفاع على طول الخط الفاصل لنهر دنيبر، ليرد وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو بموافقته على هذا الاستنتاج والعمل بتوصية الجنرال على مضض، لتطرح بعد ذلك كثير من الأسئلة المحببة للجماهير من قبيل: هل هذا الانسحاب يعكس هزيمة روسية؟ أم هو فخ لإعادة التموضع والهجوم مجددا؟.إن انشغال الجماهير بمعرفة الطرف المنتصر والطرف المهزوم منذ اليوم الأول للحرب الروسية الأوكرانية، إلى جانب أنه عامل لا يساعد على الدقة في تحليل معطيات الحرب والمتغيرات المصاحبة لها، فإنه كذلك يدفع وسائل الإعلام وبعض المحللين أحيانا إلى تبني روايات دعائية تكون أقرب إلى السخرية. فمثلا، شاع في معظم وسائل الإعلام أن القوات الأوكرانية وجدت مقرا أنشأته القوات الروسية المهزومة في مدينة خيرسون كان يستخدم للتعذيب وانتهاكات حقوق الإنسان، هذا على اعتبار أن القوات المسلحة عندما تكون في حالة حرب فإنها عادة ما تعمر مقرات للاسترخاء والتدليك، وهذا بالضبط ما تحاول الدعاية -بطرفيها- إيصاله للجماهير، ومن الأجدر أن تطرح أسئلة حول أهمية مدينة خيرسون في الحرب ونوايا أطراف الحرب المحتملة بعد هذا القرار.
لقد خسرت روسيا أول مدينة سيطرت عليها منذ بدء الحرب، وأهم قطعة برية تربط موسكو بشبه جزيرة القرم الحيوية للجيش الروسي؛ كونها تحاذيها شمالا وتعتمد عليها في إمدادات المياه العذبة عبر قنوات متفرعة عن نهر دنيبرو، وهو النهر الذي تمركزت على يسار خطه الفاصل القوات الروسية المنسحبة، وقد كانت روسيا تعتمد على عدد من الجسور في الإمداد اللوجستي لكنها لم تترك جسرا واحدا يخدم عمليات الإمداد بعد انسحابها، مما يقلل من احتمالية أن تعاود قواتها التمركز في المدينة نفسها، لكنها ظلت متمسكة باعتبار المدينة كيانا تابعا لروسيا الاتحادية بعد عمليات ضم المناطق الأربع في سبتمبر الفائت، ما يعني أن حجم «الخسارة الجزئية» واضح للقيادات الروسية، لكن في الوقت نفسه ما زالت اليد الروسية تهيمن بكل ثقل على المناطق الثلاث الأخرى إضافة إلى القرم، وقد تكون هذه الورقة التفاوضية هي المعادلة التي ترجوها روسيا الآن.
لذلك، فإن قرار الانسحاب يرتبط بكثير من المستجدات التي قد تفتح الطريق إلى طاولة المحادثات مرة أخرى بعد أن توقفت في أبريل الماضي،. فالشتاء حوّل الأوروبيين إلى جرس إنذار يدق في كل شبابيك البيت الأبيض، وصل صداه إلى الصين وتركيا، والوضع الميداني الراهن يعطي روسيا أفضلية في طرح شروطها على أوكرانيا، على الرغم من خسارتها خيرسون، واستعادة الأوكران لخيرسون ستحفزهم على الجلوس أيضا إلى الطاولة بذهنية الحفاظ على المكاسب الراهنة وروح الانتصار، بعيدا عن الشروط الطوباوية التي كان قد طرحها رئيسهم فولوديمير زيلينسكي، والتي يبدو أنه قد تراجع عنها أخيرا، مثل اشتراطه التفاوض مع من سيخلف الرئيس الروسي بوتين فقط، ولعل ما أصاب بولندا سيكون مثمرا في توجه حلفاء أوكرانيا إلى الضغط عليها أكثر للتفاوض مع روسيا.
9oba_91@