عبدالله العولقي

المزاوجة بين السياسة والاقتصاد

الأربعاء - 16 نوفمبر 2022

Wed - 16 Nov 2022

دائما ما يحضر التساؤل حول السياسة والاقتصاد ومن منهما يقود الآخر؟ فلطالما تبجح الغرب خلال الثلاثين عاما الأخيرة بأن تميزه الحضاري ينبع بأن اقتصاده يقود سياسته على عكس بقية العالم، ولكن هذه الصورة لم تعد حاضرة هذه الأيام، فالقرار العشوائي والمتذبذب بين السياسة أو الاقتصاد هو سمة الحالة الآنية في الغرب، قبل مدة يسيرة عقد الحزب الصيني الحاكم مؤتمره السنوي وأعلن الرئيس الصيني بأن بلاده ستنتهج نمطية المزاوجة بين السياسة والاقتصاد، وأن النموذج الصيني لا يقتصر على الصين وحدها وإنما هي تجرية إنسانية عالمية ومثالا حيا على التنمية والازدهار خارج سياق الرأسمالية الغربية.

السياسة في الغرب متلازمة مع آليتها الديمقراطية، ولطالما ظلت بريطانيا هي الأنموذج الأمثل للحالة الديمقراطية في العالم، وهذه الصورة ليست وليدة اليوم فحسب وإنما هي حالة قديمة، ففي القرن الثامن عشر عندما زار الفيلسوف الفرنسي فولتير بريطانيا أعجب بهذه الصورة المثالية وتمنى أن ينتقل هذا الأنموذج إلى بلده فرنسا وقد سطر ذلك في كتابه «أوراق إنجليزية»، ولكن الحالة مختلفة اليوم، فالشعبوية تغزو الفكر السياسي الأوروبي بما فيها بريطانيا نفسها، هذه الشعبوية أفرزت نخبة سياسية صوتت لصالح قانون البريكست وخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وقد صوروا للمجتمع الإنجليزي بأنهم سيعيشون في رغد العيش بعد تحقيق القانون، ولكن العكس هو واقع اليوم، هذا التخبط السياسي جعل الاقتصاد البريطاني في أزمة، وهاهم ساسة الإنجليز اليوم يستدعون رجال المال والاقتصاد ولو كانوا من أصول هندية لإنقاذ اقتصادهم المتراجع.

فهل أصبحت الرأسمالية المترهلة هي سيدة المشهد في الغرب عموما؟ ففي 2008م وقعت الأزمة الاقتصادية في بريطانيا، واشترت الحكومة البنوك المتعثرة، وبعدما عادت إلى حيويتها الطبيعية رجعت وباعتها لرجال الأعمال، هذه الصورة فسرها البعض بانتصار قوة النيوليبرالية على روح الديمقراطية، ولكن الصورة قد تأتي متناقضة في أمريكا اليوم، فقد أصدر الرئيس بايدن قرارا يمنع شركة إنتل من بيع التكنولوجيا المتقدمة إلى الصين، وهذه الصورة تتناقض مع طبيعة حرية الأسواق الرأسمالية أو النيوليبرالية، كون السياسة أهم من الاقتصاد هنا، ولكن الصورة الأخرى عندما تبرز شركات التقنية كواجهة للحالة الاقتصادية، مما يخشى أن يتزايد طموح تلك الشركات فتهيمن على الحالة السياسية في أمريكا فتتقوض الديمقراطية إلى أدنى حالاتها، فشركتا قوقل وتويتر وحدهما تسيطران على 82% من الاتصال المعرفي، كما أن آلية الذكاء الاصطناعي المستعملة في طريقة الإعلانات لدى منصات التقنية قد تؤثر في سير الانتخابات الأمريكية، والكل يدرك مدى تأثير قرار حظر حساب الرئيس الأسبق ترمب على منصة تويتر في هزيمته بالانتخابات الرئاسية الأخيرة!!

البعض يرى أن الرأسمالية المترهلة في الغرب أفرزت عن غير قصد طبقة مالية جديدة أشبه ما تكون بالطبقة الإقطاعية في القرون الماضية، وقد تبدت هذه الظاهرة في قطاع التقنية تحديدا فأغنى أغنياء العالم ينتمون لهذه الطائفة من جاك دوروسي وبيل جيتس وجيف بيزوس ولاري إليسون إلى إيلون ماسك وما يصنعه اليوم من تغيرات في عالم الاقتصاد الأمريكي وربما يرتقي طموحه إلى السياسة لو سنحت له الفرصة في المستقبل، ويصنع نمطا من المزاوجة بين السياسة والاقتصاد على غرار الأنموذج الصيني ولكن بنكهة الرأسمالية الغربية.

@albakry1814