مرزوق بن تنباك

من أفسد المناخ ولوث البيئة؟

الثلاثاء - 15 نوفمبر 2022

Tue - 15 Nov 2022

يقوم الجدل بعد مؤتمر شرم الشيخ في الأسبوع الماضي الذي اجتمعت فيه الدول محاولة إنقاذ البيئة والمناخ مما سببه الإنسان لهما وكانت نتيجته تلوث الهواء وفساد المناخ والضرر المتحقق للأرض ومن عليها مما تنفثه المصانع من الأكسدة والعوادم وما تسببه من آثار مدمرة للمناخ وللبيئة، ولو نظر المرء إلى الدول التي تعيش اليوم وأراد أن يحدد اهتماماتها أو إمكاناتها واقتصاداتها ووزنها على الأرض ومسؤوليتها عن تلوث المناخ لوجد أنها تنقسم إلى دول صناعية كبيرة وقوة غالبة، وأخرى زراعية منتجة، وثالثة ريعية تجود أرضها بما خزن فيها.

ولو نظرنا إلى إسهام كل قطاع من هذه القطاعات الثلاثة في تلوث البيئة لوجدنا أن الدول الصناعية هي المسؤولة عما أصاب المناخ من ثلوث وفساد، فهي التي تمتلك المصانع العملاقة التي تنفث الأبخرة والأكسدة وتلوث المحيط الذي تكون فيه ومنها ومن مصانعها حدث ما يشكو المناخ منه وهي بذلك تتحمل الحظ الأوفر في الفساد وليس من العدل مساواتها بغيرها من الدول غير الصناعية.

النوع الثاني الدول الزراعية، فهذه الدول أقل مساهمة في تلوث المناخ، حيث حاجتها إلى الأيدي العاملة المدربة الشابة المنتجة وليست المصانع، حيث تكون سواعد البشر الأقوياء مهمة لاستمرار ثروة الدولة الزراعية وارتفاع دخلها، وكلما زاد سكان هذه الدول زاد إنتاجهم وزادت حاجاتهم لمن يعمل وينتج منهم أو من غيرهم ممن يأتي إليهم من العالم الآخر ولا شك أن الدول الزراعية كانت أقل خطرا على المناخ من الدول الصناعية.

أما النوع الثالث فهي الدول الرعوية أو الريعية وقد خلت هذه الدول من المصانع الخطرة على المناخ، ولهذا السبب اختلف تأثير كل نوع من هذه الأنواع واختلفت مسؤوليتها بحسب طبيعة عملها وحاجتها، فحين تعتمد مداخيل الدولة على الإنتاج الصناعي يكون خيار الانتقاء والتعليم والتدريب والبحث عن الإنسان المنتج، وعندما يقل عدد القادرين على العمل من أبنائها فإنها تفتح أبواب الهجرة وتستقدم العاملين الناشطين وتبحث عنهم في الداخل أو في الخارج للعمل بالمصانع الهائلة التي تغطي سماء الأرض بأبخرتها الملوثة للمناخ والبيئة، وتتيح الدول الصناعية فرصا للقدوم إليها من العالم الثالث أو من الطلاب الذين يدرسون فيها فتمنحهم فرصة الإقامة لمدة عام أو عامين بعد التخرج للبحث عن عمل، فإذا وجدوا العمل استحقوا الإقامة والسماح بالبقاء، وبعد عدد من السنوات يحصلون على الإقامة الدائمة والجنسية، وهم ينتقون القادرين على الإنتاج فيتضاعف عمل المصانع وتزدهر الصناعة ويزيد الثلوث.

أما الدول الزراعية فإنها إذا احتاجت الأيدي العاملة استقدمت بقدر حاجتها بشكل مقنن منضبط والمصانع فيها قليلة والتلوث المنبعث منها أقل.

أما النوع الثالث فهي الدول الريعية التي لا يوجد فيها مصانع ولا تسهم في تلوث المناخ وهي عكس النوعين الأولين فلا يزيد السكان فيها إلا ونقصت ثروتها بقدر الزيادة في سكانها، ذلك أن الثروة الريعية لا تحتاج كثيرا من المصانع لإنتاجها ولا يصير نقص عدد الأيدي العاملة مشكلة لها، المشكلة عندها الأيدي الممتدة لأخذ نصيبها من الثروة الريعية واقتسامها بين السكان في الخدمات العامة التي يحتاجها التكاثر والتوالد البشري، ومنها بعض الدول العربية مثل دول الخليج التي تعتمد على ما نسميه الاقتصاد الريعي وقلما يكون لها إنتاج مواز صناعي أو زراعي أو مقارب لما تحصل عليه من عائدات ريعية، وهذا الحال يجعل الكثرة السكانية خطرا عليها اقتصاديا واجتماعيا بصفتها تعول الأعداد المتزايدة بلا ضابط ولا تقنين.

لقد أصبحت حمولة الأرض في الخليج العربي ثقيلة وضاغطة على الواقع فلا تكاد تحتمله من نوعي السكان المواطنين والقادمين إليها لأعمال غير منتجة وتجارة هامشية وإقامة ثقيلة دائمة، وليس أمام هذه الدول لدرء الخطر مستقبلا وتقليل الأضرار وما يسببه هذا الوضع من مشكلات بنيوية غير البحث الجاد عن حلول مؤسسية سريعة أهمها وضع الخطط المستقبلية المحكمة والاعتناء بالنوعية النموذجية المنتجة لمن يسمح لهم بالقدوم والعمل والإقامة من غير المواطنين.

Mtenback@