سالم حميدان

الإدارة الأبوية والقائد الأفضل

السبت - 12 نوفمبر 2022

Sat - 12 Nov 2022

القيادة الأبوية هي نهج إداري يستلزم ظهور شخصية موثوقة ومهيمنة (زعيم) يتصرف كأب، ويعامل الشركاء والموظفين تماما كما لو أنهم أفراد لعائلة كبيرة.

أسلوب الإدارة الأبوية

يهتم المديرون السالكون نهج الإدارة الأبوية بمصالح جميع الذين يعملون لديهم، فتصبح المنظمة أشبه ما تكون بعائلة كبيرة، تكون الثقة المتبادلة والولاء أعلى القيم الناحتة لثقافة المنظمة، كما يتضمن أسلوب الإدارة الأبوية السمع والطاعة المطلقة للزعيم صاحب القرار الأوحد دون نقاش، ذلك لأن صانع القرار - في ثقافتهم - يتصرف من موقع الكفاءة والصلاحية التي أضفت له الشرعية الداعية، لثقة الجميع في ما يصدر عنه من قرارات وتعليمات.

خصائص القائد الأبوي

في ظل الإدارة الأبوية يكون الحكم والحسم في يد القائد (الزعيم)، الذي يتطلب تميزه بالمعرفة والقدرة على اتخاذ القرارات السريعة والحاسمة. لأنه كزعيم أبوي لا يسعه التردد في اتخاذ القرارات أو التراجع عن قرار اتخذه.

يتطلب أسلوب الإدارة الأبوية امتلاك الزعيم لقدرات تنظيمية عالية ومتميزة ضمن مجموعة من المهارات التي تمكنه من التخطيط وتحديد الأولويات وتحقيق أهداف المنظمة.

يتميز الزعيم الأبوي بالاهتمام والتعاطف والرحمة وتلمس حاجات موظفيه كقيم عالية تمكنه من الوصول والارتباط والسيطرة على مشاعرهم، ويكتسب من خلال ذلك محبتهم واحترامهم.

يمتاز الزعيم الأبوي بقدرته الفائقة في التأثير على مرؤوسيه من خلال الثقة المزروعة في نفوسهم، ومن خلال تفرده واستقلاليته في إصدار أحكامه وقرارته دون منح مجال لمناقشته أو مشاركته في صنع القرار.

جوانب القيادة الأبوية من بعدها الفلسفي

غالبا ما يتم تصنيف أنماط القيادة في دول الشرق كالصين وكوريا واليابان بأنها قيادة أبوية، وهذا النمط من القيادة متجذر في التقاليد الصينية. وبالعودة للخلفية التاريخية الفلسفية لهذا النمط نجدها تعكس مبادئ وقيم الفلسفة الكونفوشيوسية الصينية المتمثلة: في مجموعة المعتقدات والمبادئ التي قدمها الفيلسوف كونفيشيوس وطورت عن طريق تعاليمه وتعاليم أتباعه، وهي تتمحور في مجملها حول الأخلاق والآداب، وطريقة إدارة الحكم والعلاقات الاجتماعية. ومن هنا نرى بأن القيادة الأبوية تشتمل على ثلاثة جوانب رئيسة:

- جانب الزعامة أو الجانب الأوتوقراطي، يتطلب هذا الجانب من فلسفة الإدارة الأبوية أن يكون للقائد (الزعيم) حق مشروع في اتخاذ القرار مع حجب جميع السلطات عن الأتباع، فهو صاحب السلطة المطلقة وهذا يقتضي ضمنا التزام العاملين بتقديم الولاء والطاعة له.

- الجانب الأخلاقي، يرتبط الجانب الأخلاقي بشخصية الزعيم وطابعه الأخلاقي كونه قدوة ونموذجا يحتذى به. فهو يعمد إلى إسباغ اللطف والاحترام للآخرين ومعاملة الناس بإنصاف، بجانب القصد في بناء وتطوير قدراتهم ومهاراتهم. يتمحور العنصر الأساسي للجانب الأخلاقي في خدمة الآخرين وليس حثهم على التبعية فقط.

- الجانب الخيري، ورد ذكر هذا الجانب من القيادة في النصوص الصينية أيضا، حيث يركز هذا الجانب على ما تقدمه المنظمة (العائلة) من خلال الزعيم (الأب) لأفرادها من رفاهية شخصية وعائلية؛ من خلال تلبية احتياجاتهم ورغباتهم بهدف إسعادهم. غالبا ما يكون هذا الجانب هو الأسلوب المفضل والأكثر إشراقا مقارنة بالجانبين الآخرين (الأوتوقراطي والأخلاقي).

بالرغم من توفر الجوانب الثلاثة في تركيبة الإدارة الأبوية، ألا أنه قد يتسيد أحد الجوانب في وقت من الأوقات على حساب الجانبين الآخرين، ذلك تبعا لحالة المنظمة والظروف المحيطة بها.

الخصائص الأساسية للقيادة الأبوية

يعتبر نمط الأبوية في الإدارة من أكثر الأنماط نجاحا في المنظمات؛ لتأصل السمات الآتية فيه:

- التعاطف، لأن افتقار الزعيم للشفقة والتعاطف لا يمكنه من الوصل لمشاعر المرؤوسين، وهو عنصر أساسي يزيد من ولاء الموظف تجاه الزعيم والمنظمة. وتدور ثقافة الإدارة الأبوية حول التأكد من شعور الموظفين بالتقدير والاطمئنان.

نعم يمكن تعلم التعاطف والإشفاق النابعين من باطن الشعور بالرحمة. أظهرت دراسة أجراها مركز جامعة ويسكونسن ماديسون للتحقيق في سلامة الأذهان والأفكار، أن التأمل في التعاطف النشط يساعد المتأمل على التصرف بطريقة أكثر إيثارا. ومن ثم فإن تضمين (التأمل) التركيز الواعي في سلوك التعاطف كأساس للممارسات اليومية يضمن للممارس التعلم وتأصيل سمة العطوفة في شخصيته وبالتالي قدرته على لمس مشاعر الآخرين وتعزيز ثقتهم به.

- المهارات الإدارية، تتطلب الإدارة الأبوية مهارات إدارية جيدة. وهي تشمل مجموعة من القدرات التي تساعد القائد على تطبيق الوظائف الإدارية من تخطيط واستقراء عال للمستقبل، وحسن التنظيم وترتيب الأولويات ورقابة وتوجيه بما يضمن تحقيق الأهداف.

- الحسم، في القيادة الأبوية صنع القرار بالكامل منوط بالقائد، الأمر الذي يتطلب الخبرة والمعرفة والقدرة والجراءة على اتخاذ قرارات حاسمة وسليمة. كزعيم قد لا يتأتى له فسحة من الوقت للتفكير بتأن واتخاذ القرارات.

وللوهلة الأولى قد تبدو القدرة على اتخاذ القرار تلو القرار مهمة سهلة، ولكنها بالتأكيد ليست كذلك، لأنه بتضخم الصلاحيات تكون المسؤوليات أعظم.

- التمكين، يركز هذا الشكل من القيادة في استخراج أفضل ما لدى المرؤوسين. فالقائد الأبوي (الزعيم) يرغب في تطور ونجاح المرؤوسين، تماما كما يريد أحد الوالدين أن يرى أطفاله.

يعمد الزعيم إلى تمكين أتباعه ومساعدتهم في النمو وتحقيق أهدافهم على الصعيدين الشخصي والمهني. يتطلب التمكين هنا توازنا دقيقا بين الاستقلالية الكاملة والإدارة التفصيلية؛ فالإدارة الأبوية لا تمنح الموظفين القدر نفسه من السلطة فيما يتعلق باتخاذ القرار في المنظمة، كما أنها لا تتطلب من القائد التشكيك في تصرفات الموظفين أو تقويضها.

- التأثير، نجاعة الزعيم في التأثير على المرؤوسين ركن أساس في النهج الأبوي في الإدارة، وأساسه احترام الأتباع لحقه في صناعة واتخاذ القرارات كحق لازم معه، وهذا ما يميز نمط هذه الإدارة عن غيرها من أنماط الإدارات الأخرى، التي يكون فيها حق اتخاذ القرار للمدير أساسه المسؤولية والسلطة الممنوحة له بحسب موقعه على قمة الهيكل التنظيمي للمنظمة.

بجانب قوة السلطة هناك الكثير من الأساليب والطرق التي تمكن الزعيم من التأثير على الأتباع ومنها: المعرفة الواسعة أو من خلال التفاعل الاجتماعي الفائق الآسر.

شوارد القيادة الأبوية

من الشوارد الواضحة في تبني منهج الإدارة الأبوية؛ معاناة المنظمة على المدى المتوسط والبعيد نظير غياب الإبداع والابتكار أولا، وتعميق بعض السلوكيات القمعية ثانيا، ومما يشار إليه أيضا، انخفاض الروح المعنوية للموظفين نتيجة تهميشهم عند اتخاذ القرارات، والوصول بهم لمرحلة عدم الرغبة أو الحرص على التفكير في إيجاد الحلول.

وبنظرة سريعة فاحصة نتبين عدم منطقية رضا العاملين الشامل والكامل عن جميع قرارات الزعيم؛ بمعنى إن التفاوت في وعي العاملين وإدراكهم لآثار القرارات يؤدي إلى ظهور مقاومة قد لا تكون ظاهرة على السطح لكنها اشبه بالنار تحت الرماد. والجدير بذكره هنا إمكانية ظهور اختلال مؤثر على عمل المنظمة نتيجة عدم توزيع السلطات ومنح الصلاحيات.

هنري فورد والإدارة الأبوية

يؤمن الزعيم الأبوي بأن الموظفين أصحاب مصلحة أساسيون ولذا لا بد من إعطاء الأولوية لمصالحهم. يسعى الزعيم الأبوي إلى تنمية قوة عاملة منتجة ومتفانية من خلال مساعدة الأفراد على النمو والتطور وتنمية قدراتهم.

وبنظرة فاحصة على الأسلوب القيادي الذي انتهجه هنري فورد (1947 - 1863)، نرى بوضوح سلوك العاملين نحوه المقرون بالتقدير والاحترام ونظرتهم إليه كأب.

كان العمال أكثر رضا، وعملوا بكامل طاقاتهم عندما ضاعف هنري أجرهم اليومي من 2.34 دولار إلى حوالي 5.00 دولارات، عندها شعر هنري أن هذا هو القرار الصحيح.

لم يكن للعمال رأي يذكر داخل شركة فورد موتور في القرارات، وهذا بالطبع انعكس في فشل الشركة في الاستفادة من أفكار الآخرين.

عند تغير بعض الظروف في بيئة الشركة شعر بعض العمال بأنهم أطفال وليسوا بالغين، ففي عام 1941، كان بعضهم ينظر إلى هذه النزعة الأبوية على أنها ديكتاتورية مما تسبب في إضراب عمالي، حينها تولى ابن فورد منصب الرئيس وغير أسلوب الإدارة الأبوية للشركة إلى الإدارة الخادمة.

كان أسلوب القيادة بشركة فورد نموذجا جيدا لمنهج الإدارة الأبوية. يتضح من مراجعته ملاحظة بعض المزايا المحورية في الإدارة بشكل عام ساعدت على ظهورها الظروف الاقتصادية والاجتماعية في البيئة المحيطة بالشركة. وتحقق ذلك في ولاء الموظفين العالي للشركة لشعورهم بتقدير إدارتهم، وأنها تهتم بتلبية حاجاتهم، وتضع مصلحة الموظفين نصب عينيها عند اتخاذ قراراتها، وعزز ذلك الولاء ديدن الإدارة على مكافأة السلوك الجيد، ونتج عن ذلك تلاشي الغيابات عن العمل، وانعدام تسرب القوة العاملة خارج الشركة.

كما أفرز اسلوب الإدارة الأبوية بعض السلبيات المتمثلة في اضطرار المديرون مثل الآباء، إلى توبيخ الموظفين بطرق غير تقليدية في بعض الأحيان. وهذا يمثل إزعاجا واضطرابا في المناخ التنظيمي. ومن سلبيات المنهج أن بعض الموظفين أصبحوا يعتمدون وبشكل متزايد على عناية واهتمام الإدارة فحصل التقصير منهم في أداء المهام في الوقت المطلوب وبالطريقة المناسبة.

من المعلوم تواضع أثر التحفيز على أداء الموظفين عند ضعف وتراخي ولاؤهم للمنظمة. ومن الضروري الإشارة إلى أن إصدار بعض التشريعات وظهور النقابات المهتمة بحقوق العاملين في حينه أحدث بعض الصراعات أو زادها تعقيدا.

بالرغم من السلبيات والعيوب المرافقة لنهج الإدارة الأبوية (الزعامة) إلا أنها تتضمن الكثير من الجوانب والأساليب الإيجابية ونقاط القوة أيضا.

كن القائد الأفضل

الآن بعد أن أصبحت على دراية بما يتضمنه مصطلح القيادة الأبوية ومزاياها وعيوبها، قد تجد أنه من الأسهل التركيز على نوع القائد الذي تريد أن تكونه أو تتعامل معه، وهذا يمهد لك الطريق ويصحح بوصلة تطورك الشخصي والمهني، من خلال العمل على الاستفادة من نقاط قوتك وتطويرها وكذلك التعرف على مكامن الضعف ومعالجتها، يمكنك أن تصبح عاملا ملهما أو حتى قائدا أفضل.

@Salem_Humaidan