إحراق الكتب عداء فكري يتجدد

الجمعة - 26 أغسطس 2016

Fri - 26 Aug 2016



الموضوع الذي يتناوله كينيث بيكر في كتابه «عن إحراق الكتب» الصادر حديثا عن دار يونيكورن بريس، حول إحراق الكتب في شتى العصور «لأسباب سياسية، أو دينية، أو شخصية» له علاقة وثيقة بما يجري في مناطق متعددة من العالم في الوقت الحاضر.



اعتقال معلمين وأكاديميين في تركيا أو توقيفهم عن العمل، الاحتقار الواضح للمفكرين الذي يبديه المرشح الأمريكي للرئاسة دونالد ترامب، انتشار العداء للمفكرين والفنون في بريطانيا بشكل عام.



في الواقع، يمكن القول إن هناك تصاعدا في إهمال الفكر والثقافة في شتى أنحاء العالم. وربما أفضل طريقة للتعبير عن كراهية الفكر والثقافة هي إحراق الكتب.



عندما يحرق أحدهم كتابا فإنه يبدي احتقاره لكل الإبداع الذهني الذي أنتج أفكار الكتاب، وكل الجهد الذي بذله الكاتب في اختيار كلماته ومصطلحاته، وكل المشاكل التي واجهها الكاتب لإنهاء عمله.



الحكام الديكتاتوريون يفهمون هذه القضية ويستغلونها جيدا. في ألمانيا، وبعد إصدار قانون «حماية الشعب الألماني» في 1933، سارع النازيون لإشعال النيران في مناطق مختلفة، حيث أحرقوا فيها الكتب التي قالوا إنها تضر الشعب الألماني.



كانت هناك حالة اجتثاث لكل العناصر غير الألمانية، حتى تستطيع الدولة الألمانية «استعادة فخرها وتعزيز ثقافتها». منعت السلطات النازية أعمال 565 كاتبا ومفكرا، من بينهم فرويد، زولا، براوست.



في الجامعات الألمانية في عهد النازية، وفي الجامعات الإيطالية والإسبانية في العهد الفاشي، كان الطلاب تواقين للمساعدة في أعمال التخريب والسلب، وكانوا يرددون الهتافات المؤيدة للنازية والفاشية بشكل هستيري.



ومن الطبيعي أن يلتفت أولئك الأشخاص إلى إحراق الناس بعد أن ينتهوا من إحراق الكتب.



جوزيف ستالين لم يكن أقل قسوة ووحشية في ملاحقة واعتقال وقتل الكتاب والشعراء. والرئيس الصيني ماوتسي تونج أطلق حملة كبيرة لتدمير الثقافة الصينية، حيث أمر بإحراق الكتب ومنعها للقضاء على «الذاكرة الجماعية لأيديولوجية وليبرالية البورجوازيين الصغار».



يقول الكاتب كينيث بيكر وهو سياسي بريطاني شغل منصب وزير التعليم في حكومة مارجريت تاتشر إن التوجه نحو التخريب والترهيب يعود إلى فترات طويلة سابقة.



خلال الحرب العالمية الأولى، عندما انتقدت صحيفة ديلي ميل هربرت كتشنر، القائد الأعلى للجيش البريطاني، بسبب فشله في إمداد الجنود البريطانيين في فرنسا بالذخيرة، اعتقد كثير من الناس أن التهجم على ضابط بريطاني كبير أمر غير وطني، وأحرقت أعداد من الجريدة علنا في سوق الأسهم في لندن.



في العصور الوسطى، كانت محاكم التفتيش تحرق الكتب بالإضافة إلى المتهمين بالهرطقة.



عندما كانت تنشب ثورة ما كان الناس يسارعون لإلقاء عقود الإيجار وسندات المستحقات المالية في النيران مع الكتب.



في أيام الملك تشارلز الأول (1600-1649) والحرب الأهلية الإنجليزية، كانت السلطات تقطع آذان وأنوف الكتاب المعارضين للنظام الحاكم.



البروتستانت المتشددون (البيوريتانيون) في بريطانيا منعوا العروض المسرحية في أواخر القرن الـ16 وبدايات القرن الـ17.



في الفترة ما بين 1560 و1642 عرض أكثر من 3.000 مسرحية، لكن لم يبق منها سوى 500 نص فقط – الباقي تخلص منه وأحرق.



إحراق الكتب الدينية كان في الحقيقة حيلة سياسية أو شخصية للتخلص من بعض الأشخاص غير المرغوب فيهم. في القرن الـ19 نشر الأكاديمي في جامعة أكسفورد جيمس فراود (1818-1894) رواية عن رجل دين مسيحي تخلى عن عقيدته وارتبط بعلاقة غير شرعية مع امرأة متزوجة. لكن هيئة الجامعة استغلت الكتاب وأمرت بإحراقه في ساحة الجامعة أمام جميع أعضاء هيئة التدريس والطلاب وفصلت الكاتب من عمله في الجامعة.



وبعد مرور 50 عاما على الحادثة أرسلت جامعة أكسفورد دعوة لجيمس فراود، وكان قد بلغ 74 سنة من العمر، للعودة إلى الجامعة ومتابعة عمله كأستاذ للتاريخ.



ملك بريطانيا إدوارد السابع (1841-1910) أمر بإحراق رسائل والدته الملكة فيكتوريا إلى خادمها الاسكتلندي الخاص جون براون وخادمها الهندي مونشي.



ورثة الكاتب البريطاني الشهير تشارلز ديكينز (1812-1870) أحرقوا كل ما وقعت عليه أيديهم من كتابات تشير إلى علاقة ديكنز مع عشيقته إيلين تيرنان.



الروائي والشاعر توماس هاردي (1840-1928) أحرق كل دفاتر ملاحظاته ومراسلاته خوفا من اكتشاف مغامراته النسائية.



وإذا كان هناك ما يبرر لجوء بعض الكتاب والمفكرين إلى التخلص من بعض تراثهم الشخصي لسبب أو لآخر، إلا أنه لا يوجد ما يبرر قيام نظام ديني أو سياسي بالتخلص من أعمال أدبية أو فكرية أو رسمية قد تشكل دليلا تاريخيا يوثق مراحل معينة، كما فعل البريطانيون عندما حاولوا إخفاء الوثائق التي تثبت عمليات التعذيب التي ارتكبوها في دول مثل كينيا.



إحدى أهم الجرائم التي ارتكبها الرئيس الصربي سلوبودان ميلوسوفيتش (1940-2006) كانت في تدمير المكتبة الوطنية في سراييفو في 1992 كجزء من حملة التطهير العرقي التي كانت قواته تقوم بها في تلك الفترة ضد المسلمين.



المكتبة تحوي 1.5 مليون كتاب، و155.000 نص نادر، و400.078 مخطوطة.



وفي 2003 سمح الأمريكيون عمدا بعمليات نهب المكتبة الوطنية والأرشيف في بغداد، حيث فقدت الحضارة الإنسانية كنوزا لا تعوض من التاريخ.



كينيث بيكر سياسي بريطاني وعضو سابق في البرلمان البريطاني عن حزب المحافظين، شغل منصب وزير التعليم ثم وزير الداخلية في حكومة مارجريت تاتشر.



له مؤلفات سابقة بما في ذلك «جورج الثالث» و»جورج الرابع».



الأكثر قراءة