علي الحجي

أزمة منتصف العقل

الأربعاء - 09 نوفمبر 2022

Wed - 09 Nov 2022

في زحمة سوق الهرج الأسبوعي الذي أصبح لحظيا، حدث سجال حول مصطلح أزمة منتصف العمر، ومن بداية اللقاء بدا أن الضيف الذي وصف نفسه بأنه مستشار أسري وباحث في علم النفس متحفزا ويعرف ما يريد قبل اللقاء، وبدأت الفقاعات بإسقاط المصطلح على المذيعات وبعبارات مبتذلة وشخصية، ألمح فيها إلى أن مؤهلاتهن للوجود كمذيعات مؤهل شكلي وصفه كحقيقة مؤلمة وعليهن تقبلها، حاولن الدفاع فكال لهن اللكمات تلو اللكمات بمغالطات فوق مغالطات، وهن يحاولن التملص والفكاك دون فائدة فالصياد يعرف ما يريد وشباكه محكمة، وفعل بالضبط ما يتطلبه الرتويت وزيادة المشاهدات.

بالمقابل فإن المذيعة لم تستطع تمرير الموقف، فأرسلت ضربة تحت الحزام ولكن بعد انتهاء المعركة، لم تحصل على الوهج نفسه.

هذا الحدث وما به من مغالطات تسويقية ليس الأول ولن يكون الأخير، فكم من رسائل تمرر بنسبها لعلم أو علم، فكل من لديه فكرة يرغب بتمريرها يكتب قبلها «يقول علم النفس» أو يختمها بـ»حكمة صينية» أو ينسبها لهتلر أو أحد الثقات أو أحد السلف، وأبسط متطلبات السوق لسان طويل ترص عليه كمية مفردات رنانة لا يهم معناها ولا سياقها ولا صحتها، المهم أن تكون رنانة فقط.

الحقيقة أن مصطلح أزمة منتصف العمر مصطلح غير علمي، ومن يذكره لا يمكن أن يذكر مرجعا معتبرا للحديث عنه، وأقرب ما يمكن ليُّه إليه هو المرحلة السابعة والثامنة في مراحل النمو النفسي والاجتماعي عند أريكسون، وهي المرحلة التي يفترض بالفرد أن يكون قد حقق أهدافه الأسرية والمهنية والاجتماعية، فإن حققها شعر بالرضا والطمأنينة والاستقرار، وإن لم يحققها شعر بالفشل ومشاعر الركود واليأس ورفض الواقع، لكن إسقاطه على الجمال هو إسقاط مبتذل علميا وأخلاقيا.

أما مقدار الاحتفال والمناصرة التي وجدها اللقاء فهو أمر يحتاج إلى دراسة اجتماعية مستفيضة، فردود الفعل الاحتفالية لدى شريحة اجتماعية ليست بالهينة تخفي خلفها بواعث ينبغي أن تدرس بعناية، فخطأ المعلومة وحده ليس مشكلة كبرى، لكن النشوة التي ظهرت على ردود فعل شريحة كبيرة تحتاج إلى بحث واستقصاء.

للمؤسسات الإعلامية دور رئيس وفعال في بناء ثقافة المجتمع وضبط سلوكه وتشكيل وعيه، وتعتبر من أهم وسائل التنشئة الاجتماعية، وانحناؤها لتكون سلم صعود للفارغين بدعوى الإثارة لن ينتج عنها سوى هبوط قيمي وأخلاقي وتهميش معرفي، ونحن في المرحلة الحالية ربما نحتاج لإعلام بناء وإيجابي.

@aziz33