تحسين جودة حياة المتقاعدين
الأربعاء - 09 نوفمبر 2022
Wed - 09 Nov 2022
التقاعد عن العمل مرحلة مهمة جدا في حياة الإنسان، كلنا نعيشها إما ببلوغها أو بالعيش مع من بلغها من أهلنا وذوينا وهي سنة الله في الكون والحياة في أن دوام الحال من المحال، لتمضي الحياة من ضعف إلى قوة ثم ضعف وهي مشيئة الله في الأرض لاستخلافها وعمارتها تعاقبا جيلا بعد جيل.
وهذا الوصف «متقاعد» فرضته أنظمة العمل الحديثة في أن يحل بدل الموظف موظف آخر بعد بلوغ الأول مرحلة عمرية معينة يكون قد قدم فيها عطاء كثيرا وعمرا خدميا في مهنته يستحق بعدها استراحة محارب جابه الحياة بذلا وعطاء، فهو بالتأكيد ليس حكما على الإنسان بالموت ولا تقييدا له من العطاء في ميادين ومساحات أخرى، فبلا شك تحتاج المجتمعات كل هذه الخبرات والكنز المعرفي الذي حصل عليه المتقاعدون من خلال مسيرتهم المهنية الحافلة بكل هذا الزخم والتجارب والمحطات المتنوعة من نجاحات وإخفاقات.
فالمتقاعدون عن العمل تتباين وجهات نظرهم وحياتهم بعد العمل، فمنهم من يقبلون على حياة ملؤها الفرح والمرح والتنزه والسياحة وممارسة الرياضة والهوايات المختلفة أو يقضون أوقاتهم مع أسرهم وأحفادهم بعد سنين من الأعمال الروتينية، إلا أن كثيرا منهم خصوصا في الأشهر الأولى بعد التقاعد عن العمل تتكون لديهم أزمات حقيقية إما في نفسياتهم أو صحتهم، ويمكن أن تكون بمثابة أزمة وجودية وعدم مقدرتهم على التكيف مع الوضع الجديد والإحساس بنهاية الحياة مبكرا، لأن تفكير الأشخاص أثناء مرحلة التقاعد يتركز على الموضوع المالي تارة والاجتماعي تارة أخرى، بحيث يقل الدخل المادي عند البعض وتقل العلاقات الاجتماعية التي كانت مربوطة بالمنصب أو العمل، بيد أن الأمر يحتاج أيضا التركيز على الجانب النفسي والصحي.
صدرت دراسة عن معهد الشؤون الاقتصادية (Institute of Economic Affairs) بالعاصمة البريطانية حول تأثير التقاعد على صحة الإنسان والتي خلصت إلى أن الحالة الصحية لمن تقاعدوا مقارنة بأقرانهم على رأس العمل تسببت في تبعات صحية فادحة، حيث ربطت الدراسة بين التقاعد وبين زيادة احتمالات الإصابة بالاكتئاب بنسبة تجاوزت 35%، وزيادة احتمالات الإصابة بأحد الأمراض العضوية المزمنة بنسبة تجاوزت 50%، كما أجرت جامعة ميرلاند بالولايات المتحدة دراسة أشارت إلى أن الإصابة بأمراض القلب والشرايين والسكر والروماتيزم تعد من أبرز المخاطر التي يواجهها المتقاعدون لما له من أثر سلبي على الصحة البدنية والنفسية، كما أن هناك دراسة فرنسية تؤكد على أن كل سنة إضافية في العمل تقلل نسبة الإصابة بالخرف 3.2%.
فمثلا العالم فيليبس حصل على جائزة نوبل في العلوم الاقتصادية عام 2006م وهو في منتصف الثمانينات من عمره ولم يتراجع نشاطه وهو الذي يقول «العمل ضروري للغاية لتكون الحياة جيدة» ويضيف «العمل هو الذي يعطي الحياة معنى للوجود»، ولهذا كثير من النساء تنشغل بتربية الأطفال لفترة عقدين من الزمان، وعندما يكبر الأبناء يصبح لديهن فراغ حقيقي في التعايش مع الحياة، مما يحفز فيهن البحث عن تجربة عمل تجعل لحياتهن نمطا مختلفا.
فالتقاعد مؤخرا أصبح ليس بالمعضلة الكبيرة كما كان في الأزمنة السابقة لما شهده العالم من أنظمة متطورة تهتم بتحسين جودة الحياة، فأصبحت هنالك المراكز لكبار السن مخصصة لخدمة المتقاعدين وكبار السن من أجل تقديم الدعم الاجتماعي، بحيث تكون ملتقى تجتمع فيه هذه الفئة التي تتقارب عمريا وفكريا مع بعضها البعض، وتهتم بالعامل النفسي بحيث توفر لهم أماكن يتبادلون النقاشات والآراء ويتجاذبون أطراف الحديث، والعامل الصحي بحيث تقدم فيها خدمات الرعاية الصحية في نطاق خارج المستشفيات المليئة بالمرضى والتي رؤيتهم قد تسبب الإحباط النفسي للمتقاعدين، بحيث تقدم لهم هذه المراكز خططا علاجية ووقائية تساعدهم على متابعة حالتهم الصحية والنفسية وتساعدهم في الوقاية من الأمراض المزمنة أو المفاجئة، وكما تهتم بالعامل الرياضي بحيث توفر لهم مساحة يمارسون الرياضة بجوار أشخاص في فئتهم العمرية وقواهم البدنية نفسها، وهذه المراكز تساعد في كثير من الجوانب وتخفف من عبء الازدحام في المستشفيات وتساعد على فتح نوافذ جديدة تقدم الخدمات الصحية والعلاجية والاجتماعية والترفيهية بصورة أكثر جمالا وجودة تساعدهم في تحسين نمط حياتهم للعيش بصحة وعافية.
فالمجتمع السعودي في الآونة الأخيرة بات أكثر حيوية ونشاطا فاتجه فيه المتقاعدون على العمل لإنشاء مشاريع خاصة وخوض تجربة عمل جديدة أضافت الكثير لسوق العمل وما تشهده البلاد من آمال تجاه الرؤية الطموحة رؤية المملكة 2030م بقيادة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، والتي أسهمت في تفجير الطاقات والاستفادة القصوى من الكادر البشري في دفع عجلة الاقتصاد والتنمية، حيث أطلقت المملكة برنامج جودة الحياة والذي بدوره يضمن للمتقاعدين حياة رغيدة حيث إنهم جزء من نسيج المجتمع، ولهذا لا بد للبرنامج أن يسهم في الاهتمام بهذه الشريحة والاستفادة من تجاربهم في إثراء الحياة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، حيث يمكن دعم المستثمرين لإنشاء مراكز الخبرات التي يجتمع فيها ذوو الخبرات من المتقاعدين للمشاركة بآرائهم كما يمكن دعم المستثمرين لإنشاء مراكز العافية الخاصة بكبار السن تحقيقا للغاية المنوطة من البرنامج من أجل مجتمع صحي واجتماعي متطلع لغد أفضل في شتى مناحي الحياة جودة وتميزا مترابطا بخبراته المتراكمة.
ختاما.. مرحلة التقاعد مرحلة جميلة، ومحطة استراحة من أعباء السنين يتفرغ الإنسان لشفاء نفسه وروحه ويعمل ما يحب لأنه تعدى مرحلة عمل ما يطلبه الآخرون، إنها مرحلة تحطيم القيود، والحرية الناضجة والبحث عن مغامرة فلا بد من الاستفادة من المتقاعدين وخلق فرص بديلة لهم للعمل ومواصلة العطاء الذي يحبون، فبالعمل وحده نستطيع تحسين جودة حياة المتقاعدين صحيا واجتماعيا ونفسيا.
@SaadBaslom
وهذا الوصف «متقاعد» فرضته أنظمة العمل الحديثة في أن يحل بدل الموظف موظف آخر بعد بلوغ الأول مرحلة عمرية معينة يكون قد قدم فيها عطاء كثيرا وعمرا خدميا في مهنته يستحق بعدها استراحة محارب جابه الحياة بذلا وعطاء، فهو بالتأكيد ليس حكما على الإنسان بالموت ولا تقييدا له من العطاء في ميادين ومساحات أخرى، فبلا شك تحتاج المجتمعات كل هذه الخبرات والكنز المعرفي الذي حصل عليه المتقاعدون من خلال مسيرتهم المهنية الحافلة بكل هذا الزخم والتجارب والمحطات المتنوعة من نجاحات وإخفاقات.
فالمتقاعدون عن العمل تتباين وجهات نظرهم وحياتهم بعد العمل، فمنهم من يقبلون على حياة ملؤها الفرح والمرح والتنزه والسياحة وممارسة الرياضة والهوايات المختلفة أو يقضون أوقاتهم مع أسرهم وأحفادهم بعد سنين من الأعمال الروتينية، إلا أن كثيرا منهم خصوصا في الأشهر الأولى بعد التقاعد عن العمل تتكون لديهم أزمات حقيقية إما في نفسياتهم أو صحتهم، ويمكن أن تكون بمثابة أزمة وجودية وعدم مقدرتهم على التكيف مع الوضع الجديد والإحساس بنهاية الحياة مبكرا، لأن تفكير الأشخاص أثناء مرحلة التقاعد يتركز على الموضوع المالي تارة والاجتماعي تارة أخرى، بحيث يقل الدخل المادي عند البعض وتقل العلاقات الاجتماعية التي كانت مربوطة بالمنصب أو العمل، بيد أن الأمر يحتاج أيضا التركيز على الجانب النفسي والصحي.
صدرت دراسة عن معهد الشؤون الاقتصادية (Institute of Economic Affairs) بالعاصمة البريطانية حول تأثير التقاعد على صحة الإنسان والتي خلصت إلى أن الحالة الصحية لمن تقاعدوا مقارنة بأقرانهم على رأس العمل تسببت في تبعات صحية فادحة، حيث ربطت الدراسة بين التقاعد وبين زيادة احتمالات الإصابة بالاكتئاب بنسبة تجاوزت 35%، وزيادة احتمالات الإصابة بأحد الأمراض العضوية المزمنة بنسبة تجاوزت 50%، كما أجرت جامعة ميرلاند بالولايات المتحدة دراسة أشارت إلى أن الإصابة بأمراض القلب والشرايين والسكر والروماتيزم تعد من أبرز المخاطر التي يواجهها المتقاعدون لما له من أثر سلبي على الصحة البدنية والنفسية، كما أن هناك دراسة فرنسية تؤكد على أن كل سنة إضافية في العمل تقلل نسبة الإصابة بالخرف 3.2%.
فمثلا العالم فيليبس حصل على جائزة نوبل في العلوم الاقتصادية عام 2006م وهو في منتصف الثمانينات من عمره ولم يتراجع نشاطه وهو الذي يقول «العمل ضروري للغاية لتكون الحياة جيدة» ويضيف «العمل هو الذي يعطي الحياة معنى للوجود»، ولهذا كثير من النساء تنشغل بتربية الأطفال لفترة عقدين من الزمان، وعندما يكبر الأبناء يصبح لديهن فراغ حقيقي في التعايش مع الحياة، مما يحفز فيهن البحث عن تجربة عمل تجعل لحياتهن نمطا مختلفا.
فالتقاعد مؤخرا أصبح ليس بالمعضلة الكبيرة كما كان في الأزمنة السابقة لما شهده العالم من أنظمة متطورة تهتم بتحسين جودة الحياة، فأصبحت هنالك المراكز لكبار السن مخصصة لخدمة المتقاعدين وكبار السن من أجل تقديم الدعم الاجتماعي، بحيث تكون ملتقى تجتمع فيه هذه الفئة التي تتقارب عمريا وفكريا مع بعضها البعض، وتهتم بالعامل النفسي بحيث توفر لهم أماكن يتبادلون النقاشات والآراء ويتجاذبون أطراف الحديث، والعامل الصحي بحيث تقدم فيها خدمات الرعاية الصحية في نطاق خارج المستشفيات المليئة بالمرضى والتي رؤيتهم قد تسبب الإحباط النفسي للمتقاعدين، بحيث تقدم لهم هذه المراكز خططا علاجية ووقائية تساعدهم على متابعة حالتهم الصحية والنفسية وتساعدهم في الوقاية من الأمراض المزمنة أو المفاجئة، وكما تهتم بالعامل الرياضي بحيث توفر لهم مساحة يمارسون الرياضة بجوار أشخاص في فئتهم العمرية وقواهم البدنية نفسها، وهذه المراكز تساعد في كثير من الجوانب وتخفف من عبء الازدحام في المستشفيات وتساعد على فتح نوافذ جديدة تقدم الخدمات الصحية والعلاجية والاجتماعية والترفيهية بصورة أكثر جمالا وجودة تساعدهم في تحسين نمط حياتهم للعيش بصحة وعافية.
فالمجتمع السعودي في الآونة الأخيرة بات أكثر حيوية ونشاطا فاتجه فيه المتقاعدون على العمل لإنشاء مشاريع خاصة وخوض تجربة عمل جديدة أضافت الكثير لسوق العمل وما تشهده البلاد من آمال تجاه الرؤية الطموحة رؤية المملكة 2030م بقيادة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، والتي أسهمت في تفجير الطاقات والاستفادة القصوى من الكادر البشري في دفع عجلة الاقتصاد والتنمية، حيث أطلقت المملكة برنامج جودة الحياة والذي بدوره يضمن للمتقاعدين حياة رغيدة حيث إنهم جزء من نسيج المجتمع، ولهذا لا بد للبرنامج أن يسهم في الاهتمام بهذه الشريحة والاستفادة من تجاربهم في إثراء الحياة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، حيث يمكن دعم المستثمرين لإنشاء مراكز الخبرات التي يجتمع فيها ذوو الخبرات من المتقاعدين للمشاركة بآرائهم كما يمكن دعم المستثمرين لإنشاء مراكز العافية الخاصة بكبار السن تحقيقا للغاية المنوطة من البرنامج من أجل مجتمع صحي واجتماعي متطلع لغد أفضل في شتى مناحي الحياة جودة وتميزا مترابطا بخبراته المتراكمة.
ختاما.. مرحلة التقاعد مرحلة جميلة، ومحطة استراحة من أعباء السنين يتفرغ الإنسان لشفاء نفسه وروحه ويعمل ما يحب لأنه تعدى مرحلة عمل ما يطلبه الآخرون، إنها مرحلة تحطيم القيود، والحرية الناضجة والبحث عن مغامرة فلا بد من الاستفادة من المتقاعدين وخلق فرص بديلة لهم للعمل ومواصلة العطاء الذي يحبون، فبالعمل وحده نستطيع تحسين جودة حياة المتقاعدين صحيا واجتماعيا ونفسيا.
@SaadBaslom