مسيرات إيران والموقف الغربي
الأربعاء - 09 نوفمبر 2022
Wed - 09 Nov 2022
لم نر العواصم الغربية منفعلة وغاضبة من المسيرات الإيرانية مثلما عليه الحال في الآونة الأخيرة، حيث يتواتر الحديث عن العقوبات وردود الأفعال والتحركات الدبلوماسية في إطار التعاطي الغربي مع الطائرات المسيرة الإيرانية التي تلعب دورا مؤثرا في الصراع العسكري الدائر داخل أوكرانيا.
المسيرات الإيرانية ليست ملفا جديدا على مسامع القادة الغربيين، بل لعبت هذه المسيرات أدوارا خطيرة طالت مصالح استراتيجية للدول الغربية في الشرق الأوسط، حيث استهدفت من قبل المنشآت النووية السعودية والإماراتية، واستخدمت في هجمات عدة بالعراق، وترسانة «المسيرات» التي يمتلكها حزب الله اللبناني تهدد أمن واستقرار إسرائيل، التي لا تكف العواصم الغربية عن تكرار دعمها ومساندتها ضد أي تهديد!
استشاط الغرب غضبا فقط من هذه المسيرات حين تدخلت في مسار الحرب الدائرة في أوكرانيا، ونحن هنا لا نتحدث عن مشروعية هذا الاستخدام من عدمه، ولا نتناول جوانب قانونية أو حتى إنسانية تخص مجريات الصراع، ولا نتطرق كذلك إلى التأكيد الغربي على وجود هذه المسيرات في ساحات القتال ولا مدى صدقية النفي الرسمي الإيراني المتكرر لذلك، ولكننا فقط نناقش فكرة العين التي لا ترى سوى ما تريد حين تريد.
بمعنى أن معضلة الغرب مع هذه المسيرات لم تبدأ سوى حين دخلت على خط الأزمة الأوكرانية للتأثير في مصالحه المباشرة، وبالشكل الذي يؤثر في موازين القوى ويهدد عشرات المليارات من الدولارات التي ضختها الدول الغربية دعما لأوكرانيا منذ بداية الأزمة.
بالأمس انضمت المملكة المتحدة إلى فرنسا، واتهمت إيران بخرق بنود الاتفاق النووي من خلال تزويد روسيا بطائرات مسيرة مسلحة، في انتهاك لالتزامات إيران الواردة في الاتفاق النووي، وكأن تزويد ميليشيات الحوثي بالطائرات نفسها التي استخدمت في الاعتداء على منشآت نفطية بالمملكة العربية السعودية ودولة الإمارات، وكأن وجود هذه المسيرات لدى حزب الله اللبناني ولدى الميليشيات العراقية، لم يكن انتهاكا لهذه الالتزامات، ولم يكن انتهاكا لقرار مجلس الأمن رقم 2231 الصادر بالإجماع في 20 يوليو 2015، والخاص بإقرار خطة العمل المشتركة (الاتفاق النووي).
توعد العواصم الغربية بالعمل بشكل جماعي لمحاسبة إيران على هذه الانتهاكات وسلوكها المزعزع للاستقرار في جميع أنحاء العالم، لم يأت سوى بعد أن تماس التهديد الإيراني مع المصالح الغربية المباشرة، رغم أن أمن المنشآت النفطية في منطقة الخليج العربي، وأمن حلفاء آخرين، يندرج ضمن هذه المصالح الحيوية التي يفترض أنها لا تقل أهمية عن مسألة دعم أوكرانيا - من وجهة نظر الغرب نفسه - ولكن يبدو أن الخوف على مصير مفاوضات إحياء الاتفاق النووي وقتذاك قد فاق أهمية هذه المصالح، والأمور تبدلت الآن، وبات الاتفاق في حالة غيبوبة سريرية، في حين أن مصير مليارات الدولارات من الدعم العسكري المباشر لأوكرانيا، هو الذي بات مهددا بسبب المسيرات الإيرانية!
المشهد الاستراتيجي الآن بات أكثر التباسا وخطورة في آن واحد، فالغرب لم يعد يأبه في تعامله مع إيران بتسريع وتيرة تخصيب اليورانيوم الجارية على قدم وساق، وستزداد سرعة تحت وطأة استشعار النظام الإيراني لبوادر مواجهة محتملة سواء بفعل فشل الاتفاق النووي، أو بفعل التوتر المتصاعد بين روسيا والغرب في أوكرانيا، واحتمالية تداخل إيران في حال توسع نطاق الصراع، بكل ما يستوجبه ذلك من ضرورة التزود برادع نووي لحماية النظام في حال استهدافه عسكريا باعتباره حليفا لروسيا.
تراجع إذن الحديث عن خطورة التهديد النووي الإيراني لأسابيع، أي عقب انتخابات التجديد النصفي للكونجرس، أو لأشهر أو للأبد، وهذا هو الأرجح، ولكن الخلاصة أن هذه التطورات تقدم برهانا جديدا على أن الولايات المتحدة ليست شريكا مسؤولا بالدرجة الكافية، وأنها تغلب مصالحها وتصنف حلفائها إلى درجات ومستويات حين يتطلب الأمر ذلك، وهذا بديهي ومفهوم في عالم السياسة، ولكن من الضروري بالمقابل ألا تطالب واشنطن غيرها بأن يضحي من أجلها حتى لو تطلب الأمر خسارة مصالح ضخمة اقتصادية وتجارية، مثلما يحدث بالنسبة لإنتاج النفط.
الموقف الغربي الغاضب بشدة من مسيرات إيران يضيف دليلا جديدا على ازدواجية المواقف الغربية في التعامل مع الحلفاء الخليجيين، فالمسيرات نفسها التي تنشر الفوضى والاضطرابات في منطقة الشرق الأوسط لم تكن تأتي في سياق أي خطاب غربي، ولكنها الآن باتت هدفا لكل الخطابات والتحركات الدبلوماسية بمجرد أن تدخلت للتأثير في مصالح مباشرة للغرب في أوكرانيا، وهنا فقط يجب أن يستوعب الغرب نفسه الدرس الذي يفسر تراجع مكانته وخسارته للأصدقاء في الخليج العربي والشرق الأوسط.
والأمر هنا ليس من باب الشماتة ولا نكتب نكاية في الموقف الغربي، فلا وقت لمثل هذا العبث، بل نذكر بأن تغول مصادر التهديد والخطر يجب أن يعامل بمعايير واحدة، كون الخطر الذي ينتهك القوانين والاتفاقات، والذي يستهدف شريكا قد نراه بعيدا اليوم، لن يستثني أحدا مستقبلا، وهذا هو ما نقوله دوما.
ضيق الأفق في تقدير عواقب التهديدات الإيرانية يضع الكثيرين في مأزق صعب، فالنظام الإيراني لا يؤمن بقواعد اللعبة السياسية التقليدية، بل يؤمن بالقوة في تحقيق أهدافه، وما كان يمكن انتزاعه منه تفاوضيا بالأمس واليوم، قد يصعب الحصول عليه غدا، وهكذا يعلو سقف طموحات النظام بما ينعكس ليس على علاقاته مع الغرب فقط، بل على أمن منطقتنا واستقرارها وعلاقات طهران مع محيطها الاقليمي، وهذا هو محور اهتمامنا بالدرجة الأولى.
drsalemalketbi@
المسيرات الإيرانية ليست ملفا جديدا على مسامع القادة الغربيين، بل لعبت هذه المسيرات أدوارا خطيرة طالت مصالح استراتيجية للدول الغربية في الشرق الأوسط، حيث استهدفت من قبل المنشآت النووية السعودية والإماراتية، واستخدمت في هجمات عدة بالعراق، وترسانة «المسيرات» التي يمتلكها حزب الله اللبناني تهدد أمن واستقرار إسرائيل، التي لا تكف العواصم الغربية عن تكرار دعمها ومساندتها ضد أي تهديد!
استشاط الغرب غضبا فقط من هذه المسيرات حين تدخلت في مسار الحرب الدائرة في أوكرانيا، ونحن هنا لا نتحدث عن مشروعية هذا الاستخدام من عدمه، ولا نتناول جوانب قانونية أو حتى إنسانية تخص مجريات الصراع، ولا نتطرق كذلك إلى التأكيد الغربي على وجود هذه المسيرات في ساحات القتال ولا مدى صدقية النفي الرسمي الإيراني المتكرر لذلك، ولكننا فقط نناقش فكرة العين التي لا ترى سوى ما تريد حين تريد.
بمعنى أن معضلة الغرب مع هذه المسيرات لم تبدأ سوى حين دخلت على خط الأزمة الأوكرانية للتأثير في مصالحه المباشرة، وبالشكل الذي يؤثر في موازين القوى ويهدد عشرات المليارات من الدولارات التي ضختها الدول الغربية دعما لأوكرانيا منذ بداية الأزمة.
بالأمس انضمت المملكة المتحدة إلى فرنسا، واتهمت إيران بخرق بنود الاتفاق النووي من خلال تزويد روسيا بطائرات مسيرة مسلحة، في انتهاك لالتزامات إيران الواردة في الاتفاق النووي، وكأن تزويد ميليشيات الحوثي بالطائرات نفسها التي استخدمت في الاعتداء على منشآت نفطية بالمملكة العربية السعودية ودولة الإمارات، وكأن وجود هذه المسيرات لدى حزب الله اللبناني ولدى الميليشيات العراقية، لم يكن انتهاكا لهذه الالتزامات، ولم يكن انتهاكا لقرار مجلس الأمن رقم 2231 الصادر بالإجماع في 20 يوليو 2015، والخاص بإقرار خطة العمل المشتركة (الاتفاق النووي).
توعد العواصم الغربية بالعمل بشكل جماعي لمحاسبة إيران على هذه الانتهاكات وسلوكها المزعزع للاستقرار في جميع أنحاء العالم، لم يأت سوى بعد أن تماس التهديد الإيراني مع المصالح الغربية المباشرة، رغم أن أمن المنشآت النفطية في منطقة الخليج العربي، وأمن حلفاء آخرين، يندرج ضمن هذه المصالح الحيوية التي يفترض أنها لا تقل أهمية عن مسألة دعم أوكرانيا - من وجهة نظر الغرب نفسه - ولكن يبدو أن الخوف على مصير مفاوضات إحياء الاتفاق النووي وقتذاك قد فاق أهمية هذه المصالح، والأمور تبدلت الآن، وبات الاتفاق في حالة غيبوبة سريرية، في حين أن مصير مليارات الدولارات من الدعم العسكري المباشر لأوكرانيا، هو الذي بات مهددا بسبب المسيرات الإيرانية!
المشهد الاستراتيجي الآن بات أكثر التباسا وخطورة في آن واحد، فالغرب لم يعد يأبه في تعامله مع إيران بتسريع وتيرة تخصيب اليورانيوم الجارية على قدم وساق، وستزداد سرعة تحت وطأة استشعار النظام الإيراني لبوادر مواجهة محتملة سواء بفعل فشل الاتفاق النووي، أو بفعل التوتر المتصاعد بين روسيا والغرب في أوكرانيا، واحتمالية تداخل إيران في حال توسع نطاق الصراع، بكل ما يستوجبه ذلك من ضرورة التزود برادع نووي لحماية النظام في حال استهدافه عسكريا باعتباره حليفا لروسيا.
تراجع إذن الحديث عن خطورة التهديد النووي الإيراني لأسابيع، أي عقب انتخابات التجديد النصفي للكونجرس، أو لأشهر أو للأبد، وهذا هو الأرجح، ولكن الخلاصة أن هذه التطورات تقدم برهانا جديدا على أن الولايات المتحدة ليست شريكا مسؤولا بالدرجة الكافية، وأنها تغلب مصالحها وتصنف حلفائها إلى درجات ومستويات حين يتطلب الأمر ذلك، وهذا بديهي ومفهوم في عالم السياسة، ولكن من الضروري بالمقابل ألا تطالب واشنطن غيرها بأن يضحي من أجلها حتى لو تطلب الأمر خسارة مصالح ضخمة اقتصادية وتجارية، مثلما يحدث بالنسبة لإنتاج النفط.
الموقف الغربي الغاضب بشدة من مسيرات إيران يضيف دليلا جديدا على ازدواجية المواقف الغربية في التعامل مع الحلفاء الخليجيين، فالمسيرات نفسها التي تنشر الفوضى والاضطرابات في منطقة الشرق الأوسط لم تكن تأتي في سياق أي خطاب غربي، ولكنها الآن باتت هدفا لكل الخطابات والتحركات الدبلوماسية بمجرد أن تدخلت للتأثير في مصالح مباشرة للغرب في أوكرانيا، وهنا فقط يجب أن يستوعب الغرب نفسه الدرس الذي يفسر تراجع مكانته وخسارته للأصدقاء في الخليج العربي والشرق الأوسط.
والأمر هنا ليس من باب الشماتة ولا نكتب نكاية في الموقف الغربي، فلا وقت لمثل هذا العبث، بل نذكر بأن تغول مصادر التهديد والخطر يجب أن يعامل بمعايير واحدة، كون الخطر الذي ينتهك القوانين والاتفاقات، والذي يستهدف شريكا قد نراه بعيدا اليوم، لن يستثني أحدا مستقبلا، وهذا هو ما نقوله دوما.
ضيق الأفق في تقدير عواقب التهديدات الإيرانية يضع الكثيرين في مأزق صعب، فالنظام الإيراني لا يؤمن بقواعد اللعبة السياسية التقليدية، بل يؤمن بالقوة في تحقيق أهدافه، وما كان يمكن انتزاعه منه تفاوضيا بالأمس واليوم، قد يصعب الحصول عليه غدا، وهكذا يعلو سقف طموحات النظام بما ينعكس ليس على علاقاته مع الغرب فقط، بل على أمن منطقتنا واستقرارها وعلاقات طهران مع محيطها الاقليمي، وهذا هو محور اهتمامنا بالدرجة الأولى.
drsalemalketbi@