المسيرات وتغيير قواعد اللعبة الصراعية
الأحد - 06 نوفمبر 2022
Sun - 06 Nov 2022
لا حديث هذه الفترة يفوق النقاشات الدائرة نخبويا حول دور الطائرات المسيرة في تغيير مسارات الحروب والمواجهات العسكرية، وذلك على خلفية التطورات الحاصلة في العمليات العسكرية الروسية في أوكرانيا، حيث تشير التقارير إلى الدور المؤثر الذي تلعبه المسيرات في تطور المعارك على الأرض، وآخرها إسقاط مقاتلة أوكرانية من طراز «ميج 29» خلال اشتباك مع مسيرة إيرانية من طراز «شاهد136»، وهو ما اعتبره بعض الخبراء تغيرا في قواعد اللعبة الخاصة بالسيادة الجوية.
الطائرات المسيرة التي تتطور بوتيرة تكنولوجية متسارعة للغاية، باتت تخطف الأنظار من كثير من التقنيات العسكرية بالنظر إلى قدراتها العملياتية المتطورة، أو في ضوء تضاؤل تكلفتها التصنيعية للقدر الذي يجعل استهدافها بصاروخ أو صواريخ مضادة مسألة تستحق النظر، في حين لم تثبت تقنيات التتبع الأخرى التي يتم تطويرها فاعلية كبيرة في إسقاط المسيرات، لاسيما المتقدمة منها.
في مدينة ميكولايف الأوكرانية الساحلية تسببت المسيرات في اشتعال النيران بمستودعات زيت دوار الشمس، حسبما قال مسؤولون أوكرانيون، وهو ما يعني أن هذه الطائرات يمكن أن تستخدم في ضرب أهداف متوسطة او منخفضة القيمة، بحيث تحقق أهداف التأثير النفسي والاقتصادي في الصراعات من دون أثمان باهظة جراء استخدام صواريخ متقدمة، أو المجازفة باستخدام مقاتلات باهظة الثمن (يراوح سعر المقاتلة إف 16 الأمريكية بين 65ـ 70 مليون دولار بينما يبلغ سعر رافال الفرنسية نحو 90 مليون دولار) في عمليات قد تنتهي بإسقاطها بكل ما يعنيه ذلك من خسائر بشرية ومادية فادحة.
الخبراء يرون أن جانبا كبيرا مما يدور في أوكرانيا يتعلق بالصراع التكنولوجي، وليس فقط معارك الدبابات والمدفعية والصواريخ التقليدية، حيث يلعب من يسمون برجال تكنولوجيا المعلومات المقاتلين، ومعظمهم من المتطوعين الأوكرانيين، أدوارا مؤثرة في ضرب أهداف روسية داخل الأراضي الأوكرانية عن طريق المسيرات تركية الصنع من طراز «بيرقدار»، فيما يعد أكبر ساحة عمليات للمسيرات الجوية في الحروب حتى الآن، حيث يعد هذا السلاح رافعة رئيسة لطرفي الصراع، روسيا وأوكرانيا، واللافت هنا أن السلطات الأوكرانية قد جمعت حشدا من الطائرات المسيرة بعدما أطلقت حملة للتبرع بالطائرات المسيرة غير الاحترافية والتجارية، من أجل بناء ما سمته كييف بـ»جيش من المسيرات»، حيث يقول الخبراء: «إن المسيرات التجارية الصغيرة يمكن أن تلعب دورا مهما في بث لقطات حية من خلف خطوط العدو، بحيث يمكن استغلال هذه الصور بسرعة في إسقاط قذائف المدفعية غير الذكية وضبط إحداثياتها بشكل بسيط بما يضمن أكبر قدر من الدقة.
بلا شك، إن التقدم التكنولوجي الذي تمتعت به أوكرانيا قبل اندلاع الحرب قد أسهم كثيرا في تحسين موقفها الصراعي، حيث نجد أن ميكايلو فيدروف، وزير التحول الرقمي الأوكراني يتصدر المشهد في بعض الأحيان بأهمية تفوق القادة العسكريين، حيث يدير حملات حشد التبرع بالمسيرات وبرنامج التدريب والصيانة والتشغيل الخاص بهذه الطائرات، حيث تجمع التبرعات في دول عدة منها دول أوروبية والولايات المتحدة، ويتم جمع الطائرات المسيرة التجارية التي تلبي الحد الأدنى من المعايير بحيث يمكن استخدامها في مجالات عدة، ويرى مصنعي هذه الطائرات أن أوكرانيا تحولت إلى ساحة اختبار كبرى لمنتجاتهم، بما يتيح التعرف إلى قدرتها على العمل في ظروف صعبة وبالتالي فتح آفاق جديدة لتطويرها، واللافت أن الوزير الأوكراني يؤكد أن الطائرات المسيرة غير الاحترافية والتجارية قد أظهرت كفاءة في الساحات القتالية. روسيا أيضا -حسب التقارير- لجأت إلى استخدام المسيرات غير الاحترافية، في مهام الاستطلاع الجوي.
اعتقد أن الأمر لن يبقى على هذه الحال، وأن المسيرات ستكون ساحة الصراع الأكثر شراسة خلال السنوات المقبلة، ولاسيما في ظل التوجه العسكري العالمي نحو الدمج بين «الأتمتة» والذكاء الاصطناعي في إطار ما يعرف بأتمتة العمليات الروبوتية، التي تقلص الاعتماد على العنصر البشري لأقصى مدى ممكن، لمصلحة الاعتماد على أنظمة التشغيل الذاتي المدمجة، بما دفع خبراء أمريكيين للقول بأن مستقبل الأمن القومي بات مرهونا بتطور الدمج بين الذكاء الاصطناعي والأتمتة، وهو ما غير جذريا طبيعة المعارك ويعجل بجيل جديد مبتكر من الأسلحة والمعدات القتالية سيكون في مقدمته المسيرات الجوية التي يتوقع لها أن تكون أكثر قدرة على التدمير وإصابة الأهداف من المقاتلات الحديثة الحالية.
من يلاحظ الفارق بين المسيرة الأمريكية «بريديتور إم كي 1» التي استخدمت منذ نحو عقدين في أفغانستان وغيرها من مناطق التدخل الأمريكي، والقدرات القتالية التي تتمتع بها المسيرة التركية «بيرقدار» وحتى الإيرانية من طراز «شاهد 136» وغيرها، يدرك أن المعضلة الأساسية تكمن في بناء جيل من الطائرات المسيرة قليلة التكلفة ذات القدرات المؤثرة، ما يسمح بشن هجمة جوية واحدة بأعداد كبيرة من هذه الطائرات (زهيدة التكلفة، لاسيما الإيرانية منها) في إطار مشابه لاستراتيجية الإغراق الصاروخي، التي لا تزال تمثل معضلة للدفاعات المضادة للصواريخ، حيث تتسب هذه الهجمة في دمار كبير مع تضاؤل احتمالات اسقاطها جميعا.
والمؤكد أن رخص تكلفة تصنيع المسيرات الإيرانية يضفي عليها خطورة وأهمية في آن معا، فبحسب الخبراء، تتمتع هذه المسيرات بقدرات تفوق بمراحل تكلفتها، وهي أرخص سعرا من جميع نظيراتها ولاسيما أنها أثبتت فاعلية عملياتية في اختبارات مختلفة، واعتقد أن عامل السعر والتكلفة كان الدافع الرئيسي وراء توجه روسيا لشراء كميات كبيرة من هذه الطائرات، وليس بسبب قدراتها التقنية، كون روسيا واحدة من الدول الرائدة في تصنيع هذه التكنولوجيا العسكرية، وهذا يقودنا بالتبعية إلى أن احتمالات انتشار هذه الطائرات الإيرانية سيتزايد خلال الفترة المقبلة، إقليميا ودوليا، ما يصب بدوره في خانة تنامي النفوذ الإيراني، حيث باتت إيران التي تفتقر إلى أي قوة جوية حديثة، تمتلك صناعة مهمة لمسيرات أصبحت سلاحا رخيصا وفعالا في الصراعات العسكرية.
الطائرات المسيرة التي تتطور بوتيرة تكنولوجية متسارعة للغاية، باتت تخطف الأنظار من كثير من التقنيات العسكرية بالنظر إلى قدراتها العملياتية المتطورة، أو في ضوء تضاؤل تكلفتها التصنيعية للقدر الذي يجعل استهدافها بصاروخ أو صواريخ مضادة مسألة تستحق النظر، في حين لم تثبت تقنيات التتبع الأخرى التي يتم تطويرها فاعلية كبيرة في إسقاط المسيرات، لاسيما المتقدمة منها.
في مدينة ميكولايف الأوكرانية الساحلية تسببت المسيرات في اشتعال النيران بمستودعات زيت دوار الشمس، حسبما قال مسؤولون أوكرانيون، وهو ما يعني أن هذه الطائرات يمكن أن تستخدم في ضرب أهداف متوسطة او منخفضة القيمة، بحيث تحقق أهداف التأثير النفسي والاقتصادي في الصراعات من دون أثمان باهظة جراء استخدام صواريخ متقدمة، أو المجازفة باستخدام مقاتلات باهظة الثمن (يراوح سعر المقاتلة إف 16 الأمريكية بين 65ـ 70 مليون دولار بينما يبلغ سعر رافال الفرنسية نحو 90 مليون دولار) في عمليات قد تنتهي بإسقاطها بكل ما يعنيه ذلك من خسائر بشرية ومادية فادحة.
الخبراء يرون أن جانبا كبيرا مما يدور في أوكرانيا يتعلق بالصراع التكنولوجي، وليس فقط معارك الدبابات والمدفعية والصواريخ التقليدية، حيث يلعب من يسمون برجال تكنولوجيا المعلومات المقاتلين، ومعظمهم من المتطوعين الأوكرانيين، أدوارا مؤثرة في ضرب أهداف روسية داخل الأراضي الأوكرانية عن طريق المسيرات تركية الصنع من طراز «بيرقدار»، فيما يعد أكبر ساحة عمليات للمسيرات الجوية في الحروب حتى الآن، حيث يعد هذا السلاح رافعة رئيسة لطرفي الصراع، روسيا وأوكرانيا، واللافت هنا أن السلطات الأوكرانية قد جمعت حشدا من الطائرات المسيرة بعدما أطلقت حملة للتبرع بالطائرات المسيرة غير الاحترافية والتجارية، من أجل بناء ما سمته كييف بـ»جيش من المسيرات»، حيث يقول الخبراء: «إن المسيرات التجارية الصغيرة يمكن أن تلعب دورا مهما في بث لقطات حية من خلف خطوط العدو، بحيث يمكن استغلال هذه الصور بسرعة في إسقاط قذائف المدفعية غير الذكية وضبط إحداثياتها بشكل بسيط بما يضمن أكبر قدر من الدقة.
بلا شك، إن التقدم التكنولوجي الذي تمتعت به أوكرانيا قبل اندلاع الحرب قد أسهم كثيرا في تحسين موقفها الصراعي، حيث نجد أن ميكايلو فيدروف، وزير التحول الرقمي الأوكراني يتصدر المشهد في بعض الأحيان بأهمية تفوق القادة العسكريين، حيث يدير حملات حشد التبرع بالمسيرات وبرنامج التدريب والصيانة والتشغيل الخاص بهذه الطائرات، حيث تجمع التبرعات في دول عدة منها دول أوروبية والولايات المتحدة، ويتم جمع الطائرات المسيرة التجارية التي تلبي الحد الأدنى من المعايير بحيث يمكن استخدامها في مجالات عدة، ويرى مصنعي هذه الطائرات أن أوكرانيا تحولت إلى ساحة اختبار كبرى لمنتجاتهم، بما يتيح التعرف إلى قدرتها على العمل في ظروف صعبة وبالتالي فتح آفاق جديدة لتطويرها، واللافت أن الوزير الأوكراني يؤكد أن الطائرات المسيرة غير الاحترافية والتجارية قد أظهرت كفاءة في الساحات القتالية. روسيا أيضا -حسب التقارير- لجأت إلى استخدام المسيرات غير الاحترافية، في مهام الاستطلاع الجوي.
اعتقد أن الأمر لن يبقى على هذه الحال، وأن المسيرات ستكون ساحة الصراع الأكثر شراسة خلال السنوات المقبلة، ولاسيما في ظل التوجه العسكري العالمي نحو الدمج بين «الأتمتة» والذكاء الاصطناعي في إطار ما يعرف بأتمتة العمليات الروبوتية، التي تقلص الاعتماد على العنصر البشري لأقصى مدى ممكن، لمصلحة الاعتماد على أنظمة التشغيل الذاتي المدمجة، بما دفع خبراء أمريكيين للقول بأن مستقبل الأمن القومي بات مرهونا بتطور الدمج بين الذكاء الاصطناعي والأتمتة، وهو ما غير جذريا طبيعة المعارك ويعجل بجيل جديد مبتكر من الأسلحة والمعدات القتالية سيكون في مقدمته المسيرات الجوية التي يتوقع لها أن تكون أكثر قدرة على التدمير وإصابة الأهداف من المقاتلات الحديثة الحالية.
من يلاحظ الفارق بين المسيرة الأمريكية «بريديتور إم كي 1» التي استخدمت منذ نحو عقدين في أفغانستان وغيرها من مناطق التدخل الأمريكي، والقدرات القتالية التي تتمتع بها المسيرة التركية «بيرقدار» وحتى الإيرانية من طراز «شاهد 136» وغيرها، يدرك أن المعضلة الأساسية تكمن في بناء جيل من الطائرات المسيرة قليلة التكلفة ذات القدرات المؤثرة، ما يسمح بشن هجمة جوية واحدة بأعداد كبيرة من هذه الطائرات (زهيدة التكلفة، لاسيما الإيرانية منها) في إطار مشابه لاستراتيجية الإغراق الصاروخي، التي لا تزال تمثل معضلة للدفاعات المضادة للصواريخ، حيث تتسب هذه الهجمة في دمار كبير مع تضاؤل احتمالات اسقاطها جميعا.
والمؤكد أن رخص تكلفة تصنيع المسيرات الإيرانية يضفي عليها خطورة وأهمية في آن معا، فبحسب الخبراء، تتمتع هذه المسيرات بقدرات تفوق بمراحل تكلفتها، وهي أرخص سعرا من جميع نظيراتها ولاسيما أنها أثبتت فاعلية عملياتية في اختبارات مختلفة، واعتقد أن عامل السعر والتكلفة كان الدافع الرئيسي وراء توجه روسيا لشراء كميات كبيرة من هذه الطائرات، وليس بسبب قدراتها التقنية، كون روسيا واحدة من الدول الرائدة في تصنيع هذه التكنولوجيا العسكرية، وهذا يقودنا بالتبعية إلى أن احتمالات انتشار هذه الطائرات الإيرانية سيتزايد خلال الفترة المقبلة، إقليميا ودوليا، ما يصب بدوره في خانة تنامي النفوذ الإيراني، حيث باتت إيران التي تفتقر إلى أي قوة جوية حديثة، تمتلك صناعة مهمة لمسيرات أصبحت سلاحا رخيصا وفعالا في الصراعات العسكرية.