شاهر النهاري

قمة عربية في غرفة عمليات جراحية

الأربعاء - 02 نوفمبر 2022

Wed - 02 Nov 2022

بعد غياب ثلاث سنوات بسبب الجائحة تعقد القمة العربية الحادية والثلاثون بالجزائر، والتي حملت شعار «لم الشمل»، ووضعت جسد «العروبة» المريضة المخطرة على طاولة العمليات، بين أيدي كثرة من الأطباء الفاعلين، والمنظرين والمراقبين، يسهمون بعلومهم وقدراتهم وتجاربهم ونواياهم في المعالجة، وعجبا أن البعض أتى للفرجة على نفاد فرص المريضة بالتشافي من علل مزمنة، ومضاعفات تراكمية، تعجز المنقذين،وبين متفائل، بطريقته، ومتشائم يشيح بوجهه المبتسم، والبعض يشارك بالتواجد الشكلي، لكي لا يتهم بإهمال المريضة، التي عجز التاريخ والإمكانات عن مساعدتها، ومداواة جراحها العطيبة، ورفع مقاومتها المتهالكة، والحد من هبوط ضغطها، وتقيح أطرافها بالقنغرين، ومحاولة إنقاذ قلبها المتضخم بتصلب الشرايين وضيق الصمامات، عله يعود لضخ الدماء لأعضاء شبه مشلولة.

وحدث ولا حرج عن كلية وبنكرياس وكبد تعطلت وظائفها، والتهابات تنفسية سببت لها الجفاف، وأعضاء مبتورة ومزروعة يرفضها البدن، وسموم متراكمة تبحث عن الحلول.

التجمع العربي في هذه القمة لم يعد كما كان، مع العلم أنه كان في توالي عمره يعاني، ولكنه اليوم ينذر بالموت.

جامعة الدول العربية كيان يهرم، فلا تجد من يجدد قوانينها وقوتها وفائدتها وأهميتها.

الخلاف على الصحراء الغربية جعل المغرب لا يحضر، تخديرا لروح الإخاء وتعطيلا لنوايا التدخل العربي.

سوريا تستمر في غرفة العزل، لاختلاف قرارات الأطباء بين مؤيد لعودتها بوجود بشار ورافض يؤكد الفشل قبل أي معالجة، والبعض يتبع مدارس طبية أجنبية، تملي عليه طرق علاج بمهدئات نفسية طويلة الأمد، والبعض يريد إعطاء الفرصة لمن يحتلون سوريا لإنهاء مهامهم.

معالجة حالة فلسطين مفارقات عجب، فالبعض يعتبر قضيته الأولى فصل الدولتين، وهنالك من يقرأ الفاتحة على المريضة ليزيدها يأسا، والبعض يبكي على كتف إسرائيل معزيا، وخصوصا أن أهل المريضة متنازعون على قسمة الإرث.

تدخلات الدول الإقليمية في عدد من الدول العربية، بأذرعها وتعدياتها، لم يتفق الأطباء على خطورته وطرق صده، فبين مؤكد على أنها أولوية عربية، ومن يعتبرها شأنا يخص الدولة المهددة بمفردها، والبعض يميل لمشرط الجراح المقابل، وينفي عن المريضة استحقاق المساعدة، إلا لو أرخصت أرضها وعرضها وشعبها، وهيأت للغريب نيل مبتغاه، بالاستيلاء على وحدات الدم والبلازما من غرفة العناية المشددة.

قلوب الزعماء الحاضرين والغائبين عن القمة شتى، رغم محاولات تونس بلغة فصحى، والجزائر بحماس ذكرى الثورة الجزائرية لإظهار تأكيدهما على أولوية احتياج المريضة لمعالجة طبية جماعية سريعة شاملة، تبدأ من هيئة الأمم.

قمة أظهرت التفكك العربي، ونسجت الخيال، والواقع يسحب من أطراف المريضة أنابيب التغذية والسوائل خلسة، ويخل بمتابعتها سريريا، لتأكيد أن المريضة لن تتحمل كل ما يحدث لها من تحولات طقس وبيئة وفقر وضعف، يتضح بعنجهية سرقة الجيرة الإقليمية لمصادر ترويتها، واستسلامها لليأس والتصحر والجفاف، وإغماض عينها عن هجرة الشعوب العربية بحثا عن أنفاس نقية ولقمة وحرية.

أصوات تقترح أن المريضة العربية تحتاج إلى توحيد الاقتصاد العربي كحل جذري لمرضها، ولكي تنافس تكتلات دول العالم الأخرى، وأصوات تهمس بالظنون.

القمة العربية الحالية حال من التنافر والاختلافات بين الدول المجتمعة للمعالجة، ومعضلة اختلاف النوايا المستقبلية، وثبوت فساد المضادات الحيوية وبقية الأدوية المغشوشة، وتعالي همسات عربية قاسية للمطالبة بإيقاف الأجهزة عن جسد مريضة تموت دماغيا.

shaheralnahari@