منى عبدالفتاح

ثورة على سطح القمر

الخميس - 25 أغسطس 2016

Thu - 25 Aug 2016

بعد ثلاث ليال بيض عملت على تقريب وجه القمر من أديم الأرض لتكتمل الصورة وهو في أتم صور بهائه، يتوقع الفلكيون أن يشهد العالم خسوفا شبه ظلي يتفق توقيته مع توقيت بدر شهر ذي القعدة الحالي. وهذه حالة فريدة، تثير هواة الطبيعة كما العلماء كما المتأملين في جمال الكون وجلال خالقه.



غريبة هي بساطة هذا الارتباط الموسمي بجرم سماوي بشكل لا يخرج المتأمل من حالة التفكر فقط قد يكون لها ما بعدها من فتوحات على مستوى النظم والخيال والتأليف، ولكن الأغرب أنه في بقاع أخرى من الأرض لا ينقطع وقار حياة انتظمت دقات ساعتها على اليومي والروتيني لمجرد النظر إلى أعلى، فهناك الناس مغموسون في كيفية جني الفائدة بشكل أكبر كالمشاريع الاستثمارية التي تخطط للسياحة على سطح القمر.



قد تكون هذه آخر العهود بتأمل وجه القمر الهادئ بمسحة ضوء على ظهره بعد عزم التدخل البشري وترقب البشر الشره المتصاعد إلى الاستثمار في الحواف الأخرى من العالم. أعرف معرفة تسري في دمي لماذا يرتبط القمر بليالي المحبين وليالي الأنس الجميلة ومن دون تفسير علمي يفسد هذا التعلق، فالطبيعة تؤانس وتفعل فعلها تشرع الأبواب ولا تترك مجالا لظل.



يتدانى وجه القمر، يقترب لنتفكر ونطيل النظر في توازن السماء، نجوم تذوي، ينطفئ بريقها، ونجوم لا تتلاشى، وأخرى ضوؤها يخفت مثل أرواح تتردد في النكوص لحظات الهزيمة، فضوء القمر يقلق من يتحسسون جراحهم في الظلام. كما يرتبط بمشاعر أشخاص ذوت عندهم الابتسامة وبانفجارات لمشاعر متراكمة ودموع مالحة وفرحة قلب وغصات حلق.



كل ذلك حدث ويحدث تحت ضوء القمر ولا أحد يريد الاعتراف بحقيقة هذا الضوء المنعكس من أشعة الشمس، في حدة التفكر الإنساني المنقسم، بولادة النهار من الليل وخروج الحي من الميت.



من هذا المتدفق من اللامكان أخذت أحداث هائمة من ضوئه شكلا طيفيا، كل ما ضاع في ذلك الامتداد حضر لوهلة واستحضر معه كل ما حدث في كل الأمكنة في اللحظة ذاتها. ماذا لو أمطر ضوءا لعهود أخرى وتراكبت ذكرى فوق ذكرى وظهر أول الحلم ونهايته أزهارا يانعة.



قد نحتاج إلى ثورة أخرى لمواجهة هذا التدخل السافر، فقانون الطبيعة وضديته للسكون تعكس تناغم الكون المنفلت من الجمود إلى الحياة.



وقبل أن نفقد مجال التأمل، علينا أحيانا أن نستعيد لحظاتنا من خضم الأيام المكرورة، وما أكثر حاوياتها فبعضها مصبوب في كأس النار. نكون أحيانا مرغمين أن نرشف منه رشفة شافية، وبعضه يتأرجح مع قوارب الريح لا نستطيع الإمساك به فقدرنا أن نفلت منه. وبعض نمسه فيشتعل فنرقبه من بعد لينير لنا الطريق ونجد خلاصا كيلا نظل حبيسي الآلام. وقبل أن نفقده يجب أن نتحسس انحداره بعد انتصافه في السماء لنتبين أن الزمن يمضي وهو يتقدم بخطواته الباردة، بإيماننا بأن ما يظهر فقط هو الجزء المنعكس عليه ضوء القمر أما الباقي فيهوى في الفراغ. فراغ معتم وحارق كعتمة الرؤية لبعض ما يحدث في حياتنا فلا تنتهي ولا تغرق في بحر التأملات كما أنها لا تتخير مجالا.

[email protected]