زهير ياسين آل طه

عمق ذكاء التعلم الآلي في الأنشطة الرياضية

الاثنين - 31 أكتوبر 2022

Mon - 31 Oct 2022

هناك تطور ملحوظ ومتسارع في توظيف الذكاء الاصطناعي في التعلم المعزز والتعلم العميق كأحد فروع تعلم الآلة لحل الكثير من المهام في صنع القرارات المعقدة التي كانت بعيدة المنال سابقا عن تعلم الآلة، ولعل الخوارزميات المستهدفة في هذا الفرع دليل وشاهد عملي موثق بالأبحاث العلمية وفي طور التطبيق والتطوير على عدد من مواقف الحياة الواقعية، مثل المراقبة العسكرية، والروبوتات التي تعمل معا في المستودعات، والتحكم في إشارات المرور، والمركبات المستقلة التي تنسق عمليات التسليم، أو التحكم في شبكة الطاقة الكهربائية وصولا للأنشطة الرياضية في مضمون محاكاة التحليلات والتقييمات، كما يشير إليها مؤلفو البحث المنشور في مايو 2022 من كلية جرينجر للهندسة بجامعة إلينوي بعنوان «Disentangling Successor Features for Coordination in Multi-agent Reinforcement Learning».

المفخرة والتشريف أن المملكة تخطو خطوات مدروسة وجريئة وسريعة وتنافسية وعميقة ومعززة في الذكاء الاصطناعي، وبدعم كبير من القيادة الكريمة في استراتيجية الابتكار في الرؤية العظيمة 2030، ومركز ذكاء في منشآت يزخر بالكثير من المبادرات والأنشطة في دعم الذكاء الاصطناعي والأمن السيبراني وإنترنت الأشياء وتحليل البيانات.

وهاكاثون «تحدي الذكاء الاصطناعي في الرياضة» تحت مظلة مركز ذكاء وبمشاركة وزارة الرياضة وسدايا كشركاء النجاح في التنظيم، مضافا إلى شركاء متعددين في التمكين والإعلام، يعد حدثا مميزا في ساحة الذكاء الاصطناعي في المملكة، وقد انطلق جدوله الزمني في أغسطس 2022 وانتهى أخيرا في أكتوبر 2022 بفوز وتكريم خمسة مشاريع واعدة، استخدم فيه الذكاء الاصطناعي من خلال التعلم الآلي وفروعه في التعلم المعزز والتعلم العميق أو كليهما مندمجين في مرحلة التطوير والتطبيق مستقبلا، وهذا الحدث الذكي هو أحد محطات فرص الابتكار والتحديات الجماعية التي يدفعها للتنافسية والإبداع والابتكار والتطوير مركز ذكاء الحيوي.

ومن المتعارف عليه ومن المألوف أن الهاكاثونات والمؤتمرات ليست بالضرورة تحوي أفكارا أو أبحاثا مطبقة تماما، لكنها قابلة للتطبيق ليتم قبولها أو بمعنى شبه مطبقة على نطاق ضيق كتجارب من مبدأ الإبداع؛ فالمفترض أن يكون الفائزون وجوائزهم باقين تحت مظلة المتابعة والتطوير والتطبيق لتحقيق هدف عملي يتخطى الأفكار المبدعة، أي بمعنى الابتكار الذي يحقق معنى التطبيق الفعلي بعد المحاكاة.

وقد لفت انتباهي في الهاكاثون من تقييم شخصي مشروعان ضمن الخمسة الفائزين «ليس تقليلا في البقية» إنما أخذت جانب اقتصاد المعرفة الموجه استراتيجيا وعالميا لارتباطهما بشكل مباشر بالاستثمار الفردي والمادي؛ فالفردي يكمن في مشروع TEAM UP لاستكشاف المواهب الناشئة في كرة القدم للتوسع والاحتراف لخدمة الأندية والمنتخب، وهو الفائز الأول من خلال قياس أداء اللاعبين في التمارين والبطولات الرياضية، وقد يكون ماديا على المدى البعيد بما يخص الاحتراف والاستفادة منه ومن مخصصات الفوز بالبطولات، والآخر الفائز الرابع في الاستثمار المادي البحت وفي اقتصاد المعرفة، وهو ضروري للبقاء والاستدامة الرياضية تحت عنوان MERCATO AI، المعني بتحسين عمليات التسويق وتعزيز الحضور الجماهيري لكل ناد، من خلال التنبؤ بعدد الشرائح المختلفة للجماهير حسب معطيات المباراة، واستهدافهم حسب سلوكياتهم وتحليل مشاعرهم.

من الملاحظ أن المشاريع المشاركة والفائزة اتبعت النظام التحليلي الذي أشرت إليه في بداية المقال مع البحث العلمي، وهذا يعتبر طريقا صحيحا لمحاكاة ما يدور في الساحة العالمية سواء البحثية أو التطبيقية، والأجمل في الأمر ألا تقتصر المشاريع على الأفكار أو التطبيقات المحدودة لهدف المشاركة في الهاكاثون فقط، بل عليها الخوض في التطوير والبحث ولو بالتعاون مع الجامعات وسدايا والأمن السيراني وكل من له علاقة بالذكاء الاصطناعي مثل مركز ذكاء، فتلك المشاريع الواعدة لا تزال تختزل الكثير من الأفكار التي تحتاج عصفا ذهنيا جماعيا من خلال ورش عمل بين المشاركين ومع المهتمين والمتخصصين لتطويرها، وتحتاج لبلورة تطبيق الذكاء الهجين بين الآلة والإنسان لفحصها والتدقيق عليها حتى تمثل واقعا موثوقا يخضع للتقييم.

فمثلا مشروع الفائز الرابع MERCATO AI في حاجة ماسة لتغطية سلوكيات الجماهير المشاغبة ليعطيه بعدا عالميا في التطبيق وللتنظيم الأمني والحفاظ على الأرواح والمنشآت من التخريب، وأيضا ما يرتبط بتنظيم حركة المرور والازدحام وأعداد السيارات والمواقف، ومشروع الفائز الأول TEAM UP قد يتم توجيهه مع المدارس بعد تطويرها بالرياضة لاكتشاف المواهب من الصغر.

المشاريع الأخرى الفائزة رائعة وشملت جوانب أخرى مهمة للإعلام الرياضي وفي استراتيجيات الأندية وتطورها من الداخل، ولا تبتعد كثيرا عن الاستثمار الفردي ولا المادي من جهة غير مباشرة تمثل البعد المستقبلي والاستشرافي.

أما معايير التقييم الشمولية للفائزين وإن كنت غير مطلع على معايير هذه المسابقة، فمن وجهة نظر خاصة تخصصية وخبرة طويلة في تقييم وقياس الابتكار، فالشمولية المتوازنة الدرجات بين المعايير هي الفيصل والأدق في تحديد الأفضل، ومن منظور الذكاء الاستراتيجي؛ المعايير تستدعي تطويرا مستمرا من مسابقة لأخرى حسب تضارب الآراء التقييمية وظهور الأفكار الجديدة وارتباطها باتجاهات وقيم وعناوين جديدة، وتحتاج أيضا لموازنة في النقاط والدرجات وتغييرها من وقت لآخر حسب التقييم المستمر، فمنها الأعلى ومنها المتوسط ومنها الأدنى، وأيضا ترتبط بعدد الأهداف الموجهة للتنفيذ، فاقتصاد المعرفة والإعلام والصحة اتجاهات وعناوين مفترضة وقوية للتقييم مع غيرها بما تحقق أهداف الرؤية 2030، فالرؤية مفترض أن توضع في كل الجهات التقييمية وتكون المرجح الختامي إذا تساوت النقاط.

zuhairaltaha@