حسن علي القحطاني

أمريكا بين القطبية الخارجية والمطرقة الداخلية

الأحد - 30 أكتوبر 2022

Sun - 30 Oct 2022

صانع القرار في السياسة الأمريكية يعتمد على ما يسميه سياسيو الغرب، سياسة التوازنات، أو ما نعرفه بالقطبية، وهذه السياسة ليست مقتصرة على التوازنات الحزبية في الداخل فقط، بل نجدها في السياسة الخارجية وعلاقة الدول، كجعل إيران فزاعة (تهياب) لدول الخليج العربي، والكيان الصهيوني إسرائيل لمصر، وأزمات الهند وباكستان، وكوريا الجنوبية تدعمها واشنطن ولكن تهددها جارتها الشمالية، وأوروبا مهددة من روسيا، والاحتدام الدائر بين كندا والبرازيل. المهم أن هذه السياسة ناجحة في تحقيق المصالح الأمريكية، وفرض الهيمنة على المشهد العالمي، مما مكنه من فرض أمريكا كشرطي للنظام الدولي، سواء اتفقنا معه أو اختلفنا عليه.

لكن الضربات التي تعرضت لها أمريكا من كورونا، وزيادة معدلات التضخم، ثم التنافس الانتخابي الحزبي الذي فضح كل من يتشدق بمفهوم الديمقراطية الأمريكية، إلى الحرب الروسية الأوكرانية، كل هذا ولّد رأيا عاما دوليا عند معظم الدول، أن شرطي العالم أصبح منهكا، ولا بد من التفكير في تأسيس تحالفات أمنية واقتصادية وتقنية جديدة، تكون بديلة في حال تقلصت أو حتى سقطت الهيمنة الأمريكية، خصوصا أن إدارة الرئيس بايدن تتعامل بشكل خطير مع ثلاث قضايا متزامنة، وهي: الطاقة، والنفوذ التقني، والاقتصاد والديون، وجميعها أدت إلى بعث رسائل واضحة عند الحلفاء بأن الجميع يستطيع البدء بالتحضير لمرحلة ما بعد أمريكا، بل إنها ظهرت مطالبات بالاستقلال في بعض الولايات الداخلية، مثل تكساس الغنية بالنفط، هذا كله اعتبرته أمريكا تمردا شرسا عليها، لذلك كان لا بد من التصعيد في جميع الجبهات، وإشعال كل المهددات التي لطالما ساعدت على احتوائها، لترسم صورة عن كيف سيكون العالم بدون إدارتها.

فلدول الخليج العربي تقول إن إيران وإسرائيل سيحولان المنطقة إلى ساحة حرب وجحيم اشتباكات، وتقول لأوروبا إن روسيا، في غيابي، ستتمدد نحو بولندا وستستعيد اتحادها السوفييتي، وتقول لليابان وكوريا الجنوبية وأستراليا إن الصين ستحتل تايوان، وتسحقكم بعزلكم تجاريا.

هذا الدفع الحاد نحو إشعال التوترات في كل الجبهات المحتمل تمردها - من وجهة النظر الأمريكية - هي سياسة أمريكية تسمى بسياسة حافة الهاوية، حتى لو أدى ذلك إلى حدوث خسائر أو معارك جانبية أو توترات تاريخية، جميعها ستنتهي بفرض اتفاقيات ومعاهدات، يقبل بها خصوم أمريكا لتفادي ما هو أكبر منها، فأمريكا لن تسمح بتقليص نفوذها بهدوء، وفقد تغلغلها دون مواجهة صريحة، وستتمسك بالمثل (أنا ومن بعدي الطوفان).

ويبقى سؤال مهم: هل بالإمكان التخلي عن هيمنة أمريكا؟، الجواب: لا؛ لأن العالم ليس لديه بديل آخر، وقوانين الأمم المتحدة متفق عليها، وهي المظلة الوحيدة التي ينطوي تحتها الجميع، ويحتكم إليها الجميع، فالحل هو المهادنة وانتظار ما تنتج عنه سياسة المطرقة التي من المنتظر أن يلجأ إليها صانع القرار الأمريكي، للإنهاك الداخلي بعد تأرجح نجاحه في اختبار الإنهاك الخارجي.

أخيرا، توجد فرصة ضئيلة عبر توسيع دوائر التحالفات، بشرط ألا تعادي المصالح الأمريكية وتتعاون معها، كنموذج (أوبك+)، لكن أيضا تلك الفرصة تحتاج إلى اتفاق عالمي يشمل أوروبا وبريطانيا والشرق الأوسط، ولن يتفق الجميع على هذا الخيار إلا إذا فقدت أمريكا قدرتها على إدارة الأزمات وفشلت في اختباراتها.

hq22222@