روسية تدمي القلوب بقصة ابنها المفقود

تركها والتحق بالجيش وفوجئت به في أول كتيبة حربية تدخل إلى أوكرانيا
تركها والتحق بالجيش وفوجئت به في أول كتيبة حربية تدخل إلى أوكرانيا

الأحد - 30 أكتوبر 2022

Sun - 30 Oct 2022

قصة ضمن عشرات القصص في حرب روسيا وأوكرانيا، تدمي القلوب بنسيجها الإنساني وبعدها المجتمعي، حيث تعيش أم روسية بين الأمل والرجاء في انتظار ابنها الشاب المفقود في أوكرانيا.

تعيش إيرينا تشيستياكوفا في بيتروزافودسك الروسية، 300 كلم شمال غرب سانت بطرسبرغ، واستدعي ابنها كيريل (20 عاما) للخدمة العسكرية، ليلة اندلاع الحرب، إذ وقع عقد الالتحاق بالجيش دون علم أمه.

كانت آخر مرة اتصل فيها بأمه في 22 مارس من قبو في قرية مالايا روجان قرب خاركيف، إذ كانت وحدته تتأهب للانسحاب، ومنذ ذلك الحين دققت الأم في مئات صور الجثث، وفي كثير من الحالات تعرفت على أبناء تعرفهم، لكن كيريل ليس على قوائم القتلى، ولا في سجل المفقودين.

ونشرت الكاتبة الصحفية إيكاترينا فومينا على الموقع الروسي (Важные Истории)، وهو جمعية للصحفيين المستقلين الناطقين بالروسية، قصة الأم التي أعاد موقع (24) الإماراتي نشرها.

بيئة أكاذيب

تروي الأم القصة فتقول «لا أعرف لماذا لم ينسجم مع الحياة المدنية، أعتقد أن البيروقراطية لم تناسبه، كان يتأهب للانضمام للجيش، حمل الكثير من مقاطع الفيديو العسكرية، انضم كيريل للجيش في 28 أكتوبر2021، وكان يعشق كل تفاصيله».

تضيف «اتصل بي يوما قبل السنة الجديدة وقال إنه وقع وثيقة وسيخدم في الجيش، لم أستوعب الأمر أبدا، سيخدم في الجيش، ما العيب في ذلك؟. زرته في يناير، وجلبت أطيب الطعام له ولزملائه في الكتيبة، كانت تلك آخر أراه فيها. اتصل بي في نهاية يناير وقال إنهم سيرحلون للتدريب في كورسك.

تتابع «في 22 فبراير قيل لهم إنهم سيتمركزون على الحدود مع أوكرانيا ويحرسونها، لم أفهم إلى أين ستسوقهم التحركات، ولم أشاهد التلفزيون اللعين منذ 5 أعوام، قال لي كيريل ألا أشاهده لأن كل ما يبثه أكاذيب».

آخر اتصال

تواصل الأم روايتها فتقول «في صباح 24 فبراير زرت مواقع الإنترنت ورأيت جنودنا يدخلون أوكرانيا، كنت هادئة تماما، وعلى يقين أنه لا يزال على الحدود، قالوا لي إنه لا تجنيد قسريا هناك، وصدقتهم، حافظت على رباطة جأشي حتى 14 مارس، بعدها اتصل بي كيريل اتصالا مرئيا وكان الرقم غير مألوف، اكتشفت أنه أوكراني، قال إنهم متورطون حتى آذانهم هناك، وليس معهم أسلحة، وأضاف نحن لا نطلق الرصاص؛ كانت مهمتهم حماية السكان المحليين».

وأضاف أنهم رفضوا إعادته مع المجندين إلزاميا، ولم يوقع القائد وثيقة عودته إلى الوحدة، أشار إلى أنه في مكان آمن، والآن أمسيت أعرف أنها كانت كارثة حقيقية وليست مكان آمنا، وفي 21 مارس بدأ القصف بالمدفعية الثقيلة، وفي اليوم التالي اتصل بي آخر مرة من مخبأ في قبو، كانوا يستعدون للانسحاب، ولا يزال سبب بقائهم مجهولا.

أشياء بشعة

تضيف «لاحقا، التقيت رجلا في المستشفى كان في منطقة خاركيف أيضا، قال إن كل من كان في المنطقة التي كان ابني فيها، هلكَ، ولما سألته عما يعنيه أجابني قائلا: اتصل القادة بمروحية لنقلهم ورحلوا مسرعين، تاركين الجنود هناك».

وتشير إلى أنها وصلها اتصال من وزارة الدفاع مفاده أن ابنها أسر، واتصلوا بها مجددا في اليوم التالي زاعمين أنه مفقود، تقول «بدأت أبحث في موقع VKontakte عن آباء من وحدات أخرى، ثم تحدثت مع أمهات جنود آخرين، كان الجيش الأوكراني يسخر مني، أرسلوا صورا لجنود قتلى، زاعمين أني قتلت ابني، فسجلت أرقامهم وراسلتهم قائلة «أنا أعي كل شيء، أنتم تشعرون بالسخط، كذلك نحن، ولكن ألسنا بشرا؟ كيف تكتبون أشياء بشعة مثل هذه لثكلى في الليل؟ ألستم بشرا؟ إذن، سنصدق حقا أنكم جميعا فاشيون، ونازيون».

صدمة ودمار

لم تتوقف رحلة الأم عند ذلك، تقول «في يوليو، ذهبت إلى دونيتسك، وصلت مع المتطوعين إلى المستشفى هناك، كانت هناك حاويات بجثث جنود قتلى من جمهوريتي دونيتسك ولوغانسك.

وعندما وصلت إلى هناك، قابلت الجيش الذي كان بين صفوفه أطباء، وأعطيتهم التفاصيل وألبومات صور شبابنا، وفي الرحلة نفسها استطعت أن أزور ماريوبول، وجلبنا مساعدات إنسانية للمدينة، وتحدثنا مع السكان المحليين، وعندما وصلت إلى ماريوبول، نسيت أني في حاجة إلى زيارة المقبرة، لم تفارقني الصدمة التي تعرضت لها هناك لفترة طويلة بسبب الدمار الذي رأيته بعيني».

تقول «في أغسطس ذهبت إلى المستشفى العسكري في روستوف نا دون، في جنوب روسيا، رأيت صورة فتى على قناة تلغرام يشبه ابني كثيرا، يفترض أنه في روستوف، لكنه لم يكن ولدي، وصحبني رجل من داغستان كان يبحث عن ابن اخته، ثم وصلت أمهات وزوجات من مدينة سامارا من جنوب غرب روسيا».

صور الجثامين

تتابع «التقطت صور الجثامين كلها، غير أن الصور خلت من الأسماء، كانوا جميعا مجهولين، جمعت ألبوما كاملا من صور الذين كنا نبحث عنهم، وبحثنا عن الوشوم وبعض العلامات المميزة، تعرفنا على الفور على شاب كان يخدم مع كيريل، كان له وشم على ذراعه على هيئة مخلب دب، وراسلتني امرأة تزعم أن زوجها كان يحمل سلسلة داخلها خاتم، وقلت لها على الفور إني رأيته هناك».

تسترسل «لما فشلت في العثور على كيريل في الصور، ملأني الأمل، هذا يعني أنه حي، لكني إنسانة عقلانية حقا، وكنت أدرك حقيقة الموقف، كتيبة من 40 شخصا قتل منهم 32، و4 منهم أحياء لاذوا بالفرار، وكلنا نعرفهم، و4 آخرون مفقودون.

إذا وقعوا في الأسر، لشاع خبر أسرهم منذ فترة طويلة، أعلم أن الأم الأوكرانية التي تبكي لا تختلف عني، فهي لا تعلم أين زوجها أو ابنها أو شقيقها. فهؤلاء أبناء شخص ما على أي حال.

ولا يعلمه بوتين ولا شويغو، وزير الدفاع الروسي».