رؤية لتعافي جامعة الدول العربية
السبت - 29 أكتوبر 2022
Sat - 29 Oct 2022
بعيدا عما أنتجه زيف التيارات القومية من تضعضع معنوي، يحظى العالم العربي بمقدرات وموارد عظيمة لو أحسن استغلالها جماعيا لأصبح بالفعل يضاهي العالم المتقدم. فالمجموع الكلي لمساحة الدول العربية يأتي ثانيا بعد روسيا كأكبر الأقاليم في العالم، بكل ما تحمله هذه الجغرافيا من ثروات وموارد تشمل الهلال الخصيب وجبال الأطلس ومنطقة وادي النيل، ومئات الآلاف من الكيلومترات الصحراوية بمعادنها وحقولها النفطية، ومجموع عدد السكان فيه يأتي رابعا بعد كل من الصين والهند والاتحاد الأوروبي، بكل ما تحمله هذه العقول من علوم وأفكار وثقافة.
والكيان الوحيد الذي يجمع هذه المقدرات الضخمة هو جامعة الدول العربية، التي لم تقدم بالنظام القومي العربي أي خطوة تذكر منذ انطلاقها في 1945، ولم تساعد حتى في تحقيق أهدافها البسيطة مثل المحافظة على استقلال الدول الأعضاء من التدخلات الخارجية بأدواتها الخشنة والناعمة بدءا من النكبة الفلسطينية عام 1947-1948، مرورا بحرب الخليج الثانية وصولا إلى التدخلات العسكرية والتمدد الإيراني-التركي في الداخل العربي حتى يومنا هذا، رغم أن الجامعة لديها مجلس دفاع مشترك يعتبر في بروتوكولاته أن أي عدوان على أي دولة موقعة على البروتوكول عدوانا على بقية الدول، وأن أي مساس بدولة من الدول الموقعة على البروتوكول مساسا صريحا ببقية الدول أيضا.
كما أن جامعة الدول العربية لم توثق الصلات بين الدول العربية أو تساعد في توحيد وتنسيق المواقف والخطط والسياسات بينها، خاصة في المجالات الأمنية والعسكرية والسياسية، وليس لها أي دور أو تأثير يذكر في كفالة الأمن والسلم العربي أمام المجتمع الدولي. في المقابل لم يترك إنشاؤها فرصة التفكير في تشكيل كيان سياسي قومي يكون ساندا لأمن واستقرار الشعوب والحكومات على حد سواء، لذلك جاءت الحاجة إلى إعادة التموضع وترميم هذه المنظمة وإعادة بنائها بما يتماشى مع تطور النظام الدولي وطبيعة الأنظمة العربية وقوة تأثيرها على الساحتين الإقليمية والدولية، ويبدأ الترميم من بنود الميثاق نفسه الذي يحتاج إلى موافقة أغلبية الثلثين لتعديله (14+1) وذلك بتعديل القاعدة العامة في التصويت التي تعتمد على إجماع كافة الدول الأعضاء في إقرار أي نظام، ما يعني أيضا أن لكل دولة حق نقض أي قرارات قد تصدر عن الجامعة التي هي أصلا غير ملزمة حتى لو أقرت في حالة الإجماع، إذ تعتبر هذه القاعدة أحد أهم عوامل شلل وتعطيل الجامعة، والمفارقة أن طريقة التصويت هذه كانت هي الدافع الذي أدى إلى نشوء الأمم المتحدة بدلا عن عصبة الأمم بعد أشهر قليلة من تأسيس الجامعة.
إعادة التموضع المنشودة هذه تستلزم أيضا إعادة الجامعة هيكلة نفسها من جديد، وغربلة لجانها وأجهزتها وفروعها بما يحقق فعليا أغراضها وأهدافها، كأن يؤسس مجلس الجامعة مجلسا أعلى تكون العضوية فيه دائمة لعدد من الدول الفاعلة مثل السعودية ومصر والعراق، وعضوية أخرى دورية بين بقية الدول، يكون له حق إصدار القرارات الملزمة لكافة الأعضاء ونقضها مثلا، أو أن يأخذ في الحسبان وزن أصوات الدول الأعضاء أثناء عمليات التصويت، فحجم اقتصاديات الدول ومدى تأثيرها السياسي وحضورها الدولي وقدراتها العسكرية متفاوتة ولها انعكاساتها على الوجود العربي في الساحة الدولية، فمن غير المنطقي مثلا أن يكون لمصر ولجيبوتي أو جزر القمر نفس عدد الأصوات وهي تختلف في التأثير.
وغني عن القول، إن الحقبة التاريخية التي كتب فيها ميثاق الجامعة مختلفة كليا عن العالم اليوم، لا من حيث سببيات وجود الجامعة، ولا حتى من حيث مواصفات الجغرافيا العربية، ولا حتى من ناحية القوة البشرية، فليست الدول العربية اليوم مستعمرة بمثل ذلك الحين، ولم تعد كذلك دولا هامشية بلا موارد طبيعية أو قوى هشة بلا قدرات عسكرية أو مواقع اقتصادية متراجعة، بل على العكس من ذلك تماما إذ أصبحت المنطقة العربية نقطة ارتكاز استراتيجية في منظور كافة الدول الكبرى، لذا صار لزاما على الجامعة أن تبدل جلدها كلية لتلتصق بحاضر المعطيات السياسية ومستقبلها، هذه الرؤية، وإن كانت لم تتبلور كليا بعد، لكن بإمكانها لفت انتباه من يريد حقا تعافي جامعة الدول العربية، لتكون بيتا لتعاضد العرب أمام المتغيرات الدولية السريعة، خاصة أن القمة ستعقد في الجزائر يومي 1 و2 نوفمبر المقبل، بعد غيابها ثلاث سنوات.
9oba_91@
والكيان الوحيد الذي يجمع هذه المقدرات الضخمة هو جامعة الدول العربية، التي لم تقدم بالنظام القومي العربي أي خطوة تذكر منذ انطلاقها في 1945، ولم تساعد حتى في تحقيق أهدافها البسيطة مثل المحافظة على استقلال الدول الأعضاء من التدخلات الخارجية بأدواتها الخشنة والناعمة بدءا من النكبة الفلسطينية عام 1947-1948، مرورا بحرب الخليج الثانية وصولا إلى التدخلات العسكرية والتمدد الإيراني-التركي في الداخل العربي حتى يومنا هذا، رغم أن الجامعة لديها مجلس دفاع مشترك يعتبر في بروتوكولاته أن أي عدوان على أي دولة موقعة على البروتوكول عدوانا على بقية الدول، وأن أي مساس بدولة من الدول الموقعة على البروتوكول مساسا صريحا ببقية الدول أيضا.
كما أن جامعة الدول العربية لم توثق الصلات بين الدول العربية أو تساعد في توحيد وتنسيق المواقف والخطط والسياسات بينها، خاصة في المجالات الأمنية والعسكرية والسياسية، وليس لها أي دور أو تأثير يذكر في كفالة الأمن والسلم العربي أمام المجتمع الدولي. في المقابل لم يترك إنشاؤها فرصة التفكير في تشكيل كيان سياسي قومي يكون ساندا لأمن واستقرار الشعوب والحكومات على حد سواء، لذلك جاءت الحاجة إلى إعادة التموضع وترميم هذه المنظمة وإعادة بنائها بما يتماشى مع تطور النظام الدولي وطبيعة الأنظمة العربية وقوة تأثيرها على الساحتين الإقليمية والدولية، ويبدأ الترميم من بنود الميثاق نفسه الذي يحتاج إلى موافقة أغلبية الثلثين لتعديله (14+1) وذلك بتعديل القاعدة العامة في التصويت التي تعتمد على إجماع كافة الدول الأعضاء في إقرار أي نظام، ما يعني أيضا أن لكل دولة حق نقض أي قرارات قد تصدر عن الجامعة التي هي أصلا غير ملزمة حتى لو أقرت في حالة الإجماع، إذ تعتبر هذه القاعدة أحد أهم عوامل شلل وتعطيل الجامعة، والمفارقة أن طريقة التصويت هذه كانت هي الدافع الذي أدى إلى نشوء الأمم المتحدة بدلا عن عصبة الأمم بعد أشهر قليلة من تأسيس الجامعة.
إعادة التموضع المنشودة هذه تستلزم أيضا إعادة الجامعة هيكلة نفسها من جديد، وغربلة لجانها وأجهزتها وفروعها بما يحقق فعليا أغراضها وأهدافها، كأن يؤسس مجلس الجامعة مجلسا أعلى تكون العضوية فيه دائمة لعدد من الدول الفاعلة مثل السعودية ومصر والعراق، وعضوية أخرى دورية بين بقية الدول، يكون له حق إصدار القرارات الملزمة لكافة الأعضاء ونقضها مثلا، أو أن يأخذ في الحسبان وزن أصوات الدول الأعضاء أثناء عمليات التصويت، فحجم اقتصاديات الدول ومدى تأثيرها السياسي وحضورها الدولي وقدراتها العسكرية متفاوتة ولها انعكاساتها على الوجود العربي في الساحة الدولية، فمن غير المنطقي مثلا أن يكون لمصر ولجيبوتي أو جزر القمر نفس عدد الأصوات وهي تختلف في التأثير.
وغني عن القول، إن الحقبة التاريخية التي كتب فيها ميثاق الجامعة مختلفة كليا عن العالم اليوم، لا من حيث سببيات وجود الجامعة، ولا حتى من حيث مواصفات الجغرافيا العربية، ولا حتى من ناحية القوة البشرية، فليست الدول العربية اليوم مستعمرة بمثل ذلك الحين، ولم تعد كذلك دولا هامشية بلا موارد طبيعية أو قوى هشة بلا قدرات عسكرية أو مواقع اقتصادية متراجعة، بل على العكس من ذلك تماما إذ أصبحت المنطقة العربية نقطة ارتكاز استراتيجية في منظور كافة الدول الكبرى، لذا صار لزاما على الجامعة أن تبدل جلدها كلية لتلتصق بحاضر المعطيات السياسية ومستقبلها، هذه الرؤية، وإن كانت لم تتبلور كليا بعد، لكن بإمكانها لفت انتباه من يريد حقا تعافي جامعة الدول العربية، لتكون بيتا لتعاضد العرب أمام المتغيرات الدولية السريعة، خاصة أن القمة ستعقد في الجزائر يومي 1 و2 نوفمبر المقبل، بعد غيابها ثلاث سنوات.
9oba_91@