سالم حميدان

القيادة الفضولية والقائد الأفضل

السبت - 29 أكتوبر 2022

Sat - 29 Oct 2022

من الآثار المباشرة الناتجة عن ممارسات الإدارة الفضولية في إدارة الأعمال تشكيل مناخ تنظيمي سام وقاتل للمبادرات والتعاون والثقة والإبداع، لتصبح بيئة المنظمة بيئة طاردة للمواهب والكفاءات -مكان عمل غير مرغوب- يجتهد الموظفون الجيدون وأصحاب المواهب للهروب منه.

لا يتمكن بعض القادة من ملاحظة الإنذارات والدلائل التي تشير إلى الممارسات الفضولية في المنظمة وآثارها السلبية، والأسوأ من ذلك إدراكهم لها دون اتخاذ إجراءات استباقية لمنع حدوثها أو معالجتها. لينطبق عليهم قول ابن القيم -رحمه الله- فإن كنت لا تدرى فتلك مصيبة، وإن كنت تدرى فالمصيبة أعظم.

ما هي القيادة الفضولية؟

هي ممارسات إدارية سلبية؛ تتمحور حول الإشراف اللصيق والمتابعة المستمرة لكل شاردة وواردة وكل صغيرة وكبيرة في مهام أعضاء الفريق أو المرؤوسين وتحركاتهم.

يتفق أغلب المهتمين بعلم الإدارة وعلم النفس وعلم الاجتماع على أن سلوكيات القائد الفضولي تؤدي إلى ارتفاع حاد في مستوى التوتر في المنظمة، وانخفاض معتبر في معنويات الموظفين، نتيجة شعورهم بعدم الاستقلالية، مما يؤثر بشكل سلبي وكبير على الإنتاج والإنتاجية.

أظهرت دراسة مسحية على موقع لينكد إن (Linked In)، أن سلوكيات القائد الفضولي تأتي في المرتبة الثانية من بين أكثر الصفات المزعجة وغير المرغوبة لرئيس العمل.

ويمكن التعرف على القيادة الفضولية خلال بعض السلوكيات مثل:

يرفض القائد الفضولي تفويض بعض المهام؛ لأنه متأكد من قدرته على القيام بالعمل بشكل أفضل وأكثر كفاءة.

يراقب القائد الفضولي ويتحكم في اتصالات الموظفين وتحركاتهم بما يتجاوز ما هو قياسي لطبيعة العمل والبيئة المهنية.

يشعر القائد الفضولي بالإحباط حين لا يؤدي أحد أعضاء الفريق المهام تماما كما يفعل هو شخصيا.

يركز القائد الفضولي على الأساليب والأدوات أكثر من تركيزه على النتائج.

سلبيات الإدارة الفضولية:

من أشد إفرازات الإدارة الفضولية تكوّن بيئة مسمومة، إن جاز التعبير، يشعر فيها أعضاء الفريق بانعدام الثقة، وعدم قدرتهم على إبراز مهاراتهم وقدراتهم بفعالية، بل ولا يُسمح لهم بتقديم اقتراحات أو المشاركة بمبادرات، حتى يصبحوا في حالة انفصال فكري وعاطفي شديد عن مهام عملهم.

وفقدان القدرة على التحكم في تنفيذ مهامهم واتخاذ القرارات المناسبة لتنفيذ تلك المهام. وفي نهاية المطاف تظهر بوضوح اللامبالاة الكاملة من الموظفين وانخفاض الروح المعنوية لديهم وانعدام المساهمات النشطة.

وأخيرا ينعكس ذلك بشكل مباشر وكبير على النتيجة النهائية لمخرجات المنظمة.

وتشير الأبحاث إلى أن المنظمات تفوّت فرص مضاعفة الأرباح وتخسر الملايين سنويا نتيجة لعدم إشراك أعضاء الفرق والسماح لهم بتقديم مبادراتهم.

والأدهى من ذلك تسرب الموظفين الأكفاء خارج المنظمة نتيجة للضغوطات المستمرة والمؤذية الناتجة عن سلوكيات القائد الفضولي. فبحسب ما ورد في كتاب هاري تشامبرز (My way or the highway) يشير إلى أن ممارسات الإدارة الفضولية كانت السبب الأول في تسرب 33% من الموظفين خارج منظماتهم، وأن 62% منهم يفكرون بجدية في ترك منظماتهم، وقال 72% منهم: أن الإدارة الفضولية تقف حجر عثرة أمام تفعيل قدراتهم لإنجاز أعمالهم.

إن الممارسات اليومية والمستمرة للقائد الفضولي؛ التي تعكس عدم ثقته بأعضاء الفريق واعتقاده بأنهم لا يمتلكون القدرات والجدارات اللازمة، يتشربها فكر الموظفين لتصبح حقيقة في نهاية المطاف، ذلك إن لم يغادروا لمنظمة أخرى توفر لهم بيئة عمل أفضل.

اختبار تحليلي للقائد الفضولي:

هل تصر على التحكم في كيفية عمل الأشياء؟

هل تحدد أساليب وطرق تكون هي فقط المقبولة لديك لأداء العمل؟

هل تقوم بإدراج متطلبات وإجراءات لا داعي لها أو مفرطة للموظفين للحصول على الموافقات؟

هل تتحكم في مكان أو كيفية قضاء الموظفين للوقت (عمل، استراحة)؟

هل تشارك شخصيا في مراقبة مفرطة وكتابة التقارير؟

هل تجد نفسك تؤدي العمل الذي يجب أن يقوم به الآخرون؟

هل تواجه صعوبات في التعاون وتفضل إنجاز الأشياء بنفسك بدلا من تفويض غيرك؟

إذا لم تكن إجابتك (لا) قاطعة لجميع هذه الأسئلة فربما تحتاج إلى مراجعة ومعالجة أسلوب قيادتك.

جذور الفضول في القيادة

معظم القادة لديهم بعض المشكلات في جانب أو أكثر من جوانب القيادة الفضولية، وللسلامة منها يتوجب على القائد أن يتعلم كيفية التعرف على هذا الجانب أو ذاك والاعتراف به ومن ثم معالجته من جذوره ليصبح قائدا أفضل. ويمكن تلخيص جذور القيادة الفضولية في الآتي:

العلاقة مع الآخرين: تتمحور القيادة في التأثير على الآخرين، ولا يتأتى هذا إلا من خلال علاقات إيجابية وقوية، وتعزيز التفاهم المتبادل مع أعضاء الفريق وأصحاب العلاقة والمصلحة في المنظمة.

الخوف: وسببه غالبا خشية القائد الفضولي من انعكاس فشل موظفيه عليه سلبيا. هذا الخوف يفرز انطباعا بأن المدير يفتقر إلى الثقة في فريقه.

منطقة الراحة: تعكس خشية القائد من ترك مستويات منطقة راحته الخاصة. قد يكون ببساطة غير مرتاح لمنح أعضاء فريقه قدرا أكبر من الاستقلالية.

الارتباك: هو نتيجة الفشل في توصيل التوقعات ووضوح التعليمات، وتحديد مقاييس ومعايير النجاح، وهذا غالبا ما يجعل أعضاء الفريق في حيرة لما يتوجب عليهم فعله لغموض أدوارهم في العمل، مما قد يصيبهم بالشلل نوعا ما، عندها لابد من توفير تعليمات أوضح وتدريب أفضل.

التوصيات لتصبح قائدا أفضل

التواصل الفعّال مع أعضاء الفريق ومنحهم الاستقلالية لإظهار قدراتهم وتفعيل ملكاتهم، ومن المناسب تلمس حاجاتهم لإيجاد أرضية تحفيزية لهم.

حدد أدوات تقييم مناسبة لمراجعة مدى التقدم في العمل من خلال تقارير وافية المحتوى وموزونة زمانيا أو اجتماعات دورية أو غيرها من الوسائل المناسبة لجميع الأطراف.

وأخيرا، تبني دور الميسر، وليس مدير المهام. أخبر الموظفين بما يجب عليهم إنجازه، ولماذا؟ وتأكد من توفر الموارد اللازمة للقيام بذلك، ودعهم يبدعون في كيفية تحقيقهم لذلك.

كيفية التعامل مع القائد الفضولي

في الحقيقة تعتمد منهجية التعامل مع القائد الفضولي على مقدار القوة والنفوذ التي لديك للتأثير على سلوكياته وتغيير أسلوب قيادته، وهذا بدوره يرتكز على محورين؛ الأول علاقتك به، والثاني موقعه في الهيكل التنظيمي بالنسبة إليك، ويمكن تصنيفهم بحسب ذلك إلى ثلاث فئات:

إذا كان الممارس للقيادة الفضولية في مستوى أدنى ضمن الهيكل التنظيمي فالتوجيه والتدريب يساعدان على تعديل السلوك، كما إن إظهار البيئة الداعمة تقلص من تأثير الخوف المسبب للقيادة الفضولية.

يكون الوضع أصعب قليلا حين يكون الممارس للقيادة الفضولية في نفس المستوى التنظيمي، وهنا يأتي دور التوازن بين تجنب الخلافات مع الفرق الأخرى وبين المحافظة على المناخ التنظيمي الجيد في فريقك، وفي هذه الحالة، يعد وضع الحدود والاتفاق عليها والالتزام بها من قبل الموظفين في الفريقين أمرا محوريا. ومن الممكن، حل هذه المشكلات من خلال التواصل والنقاش للكشف عن الأسباب الكامنة وراء اتجاهات القيادة الفضولية والعمل على حلها في بيئة تعاونية.

يكون الوضع أكثر صعوبة حين تعمل ضمن صلاحيات قائد فضولي يملك السيطرة عليك بحكم تقدمه عليك في الهيكل التنظيمي، لحسن الحظ هناك بعض الخطوات التي يمكنك القيام بها لتخفيف الضغوط الفضولية وتخفيف آثارها ومنها: أولا، التوصل إلى اتفاق مكتوب بشأن كيفية أداء العمل ووسائل الاتصال للرقابة والتقييم. ثانيا؛ السؤال المباشر عن ما الذي تستطيع تقديمه لرئيسك لتخفيف قبضته عنك وعن فريقك، موضحا بصدق كيفية إعاقة الأسلوب الفضولي للأداء. أخيرا، كن على استعداد للقيام بمراجعات موضوعية لأداء فريقك، واعترف بأوجه القصور إن وجدت واقترح الحلول المناسبة.

خطوتك التالية هي أن تصبح أكثر استباقية في التعرف على السلبيات القيادية لديك ولدى الآخرين ومعالجتها وتطويرها.

تذكر، بأن إصلاح أسلوبك الإداري أسهل (وأقل كلفة) من توفير بيئة عمل طاردة للمواهب، تسرب الأكفاء بعيدا عنك وعن المنظمة.

Salem_Humaidan@