سالم الكتبي

سباق الزمن الإيراني لامتلاك سلاح نووي

السبت - 29 أكتوبر 2022

Sat - 29 Oct 2022

في تقرير لها صدر مؤخرا، تقول وكالة الطاقة الذرية، «إن إيران تسابق الزمن لزيادة معدلات تخصيب اليورانيوم، وتستخدم في ذلك أجهزة طرد مركزي متطورة في منشأة «نتانز» التي كانت، ولا تزال، لغزا عصيا على مراقبة الوكالة الدولية المعنية بمراقبة البرنامج النووي الإيراني».

هذا التقرير الخطير ينطوي على دلالات وأبعاد عدة لا يمكن تجاهلها، في مقدمتها ما يتعلق بنوايا النظام الإيراني ومدى صدقه وجديته خلال المفاوضات، التي تسببت في هدر كثير من الوقت وحصول النظام على «فسحة زمنية» أتاحت له تحقيق مزيد من التقدم في معدلات التخصيب من ناحية، وتوظيف هذه التطورات في الضغط على المفاوضين الغربيين لانتزاع مزيد من المكاسب من ناحية ثانية، وهذا ليس تحليلا ولكنه ما ورد تحديدا في تقرير وكالة الطاقة الذرية، الذي أشار إلى أن إيران استغلت فترة تعثر المفاوضات في جلب المزيد من أجهزة تخصيب اليورانيوم المتقدمة التي يحظر الاتفاق النووي استخدامها.

الحاصل الآن، أن المفاوضات دخلت نفقا مسدودا، وأن التأجيل بات مصيرها، على الأقل لحين انتهاء انتخابات التجديد النصفي للكونجرس واستكشاف مآلات الحرب في أوكرانيا، ما يعني أن إيران قد حصلت على مزيد من الوقت، وأنها ستواصل التقدم في رفع نسب التخصيب والاقتراب أكثر فأكثر من نسبة الـ 90% التي تتطلبها صناعة سلاح نووي، ومراكمة مزيد من مخزونات اليورانيوم المخصب في مواقع سرية.

بعيدا عن تقديرات الاستخبارات الإسرائيلية، التي يمكن الوثوق بها إلى حد كبير، ولن أستعرضها هنا كي لا يقول أحدهم: إن ذلك جزء من الترويج لـ»دعاية إسرائيلية» أو غير ذلك، فإن هناك تصريحات رسمية أمريكية عدة تؤكد أن ما يفصل بين إيران والحصول على سلاح نووي أسابيع معدودة، وهذا نص تصريحات المبعوث الأمريكي الخاص إلى إيران روبرت مالي، في منتصف أغسطس الماضي، وهو بالمناسبة دبلوماسي محترف يتهم كثيرا بالمرونة والتساهل مع الإيرانيين، والتي أكد فيها أن طهران على بعد أسابيع من امتلاك مواد كافية لصنع قنبلة نووية، معبرا عن أمله في التوصل إلى اتفاق في أقرب وقت ممكن. قبل هذا التصريح الخطير، قالت جين ساكي، المتحدثة باسم البيت الأبيض في أبريل الماضي: «إن إمكانية حصول إيران على سلاح نووي قد تقلصت من سنة إلى أسابيع أو أقل»، وهو ما أكده أيضا انتوني بلينكن وزير الخارجية الأمريكي خلال جلسة استماع بمجلس النواب الأمريكي خلال الشهر ذاته، حيث أشار أيضا إلى أن الفترة الزمنية التي تحتاج إليها إيران للحصول على المواد المطلوبة لتطوير ترسانة نووية «تقلصت إلى بضعة أسابيع فقط»!

قد يقول قائل: «إن هذه التقديرات متداولة منذ سنوات وأن جزءا كبيرا منها يستهدف تصعيد الضغوط على إيران وحشد المجتمع الدولي ضدها، وإجبارها على تقديم تنازلات»، وهذا الأمر -للموضوعية البحثية- ربما ينطوي على قدر ما من الحقيقة، ولكنه لا ينطوي مطلقا على كل الحقيقة، وشخصيا أعتبر تقادم هذه التقديرات وتكرارها منذ سنوات، يصب -تحليليا- في اتجاه مضاد لإيران وليس في مصلحتها، بمعنى أنه لو أن 25% فقط من هذه التقديرات قائم على حقائق فإننا نكون بصدد واقع نووي فعلي منذ فترة ولا ينتظر توقعات جديدة.

ما أعتقده، أن إيران قادرة بالفعل على امتلاك قدرات نووية قادرة على صناعة «القنبلة»، وأن الأمر بات مرهونا بقرار سياسي لا أكثر ولا أقل، إن لم يكن قد امتلكته بالفعل، ودليلي هنا هو التقدم الذي تحقق خلال السنوات القلائل في القطاعات التسليحية الإيرانية تحديدا، ولا سيما ما يتعلق بالمسيرات وما يطلق عليه النظام الإيراني «المدن الصاروخية»، وما يعنيني هنا ليس هذا التطور بحد ذاته بل دلالاته وما وراءه، حيث يعكس رغبة متزايدة في مراكمة متسارعة للقدرات التسليحية الإيرانية، وإذا كان هذا هو حال التطوير في بعض القطاعات العسكرية، فإن القطاع النووي الذي راكمت فيه طهران بالفعل خبرات عميقة سيكون هو الساحة الأقرب لدفع وتيرة التطور.

ناهيك عن روافع استراتيجية أخرى تغري بتسريع وتيرة التقدم النووي أهمها بطبيعة الحال، المتغيرات المرتبطة بالأزمة الأوكرانية، ودخول فكرة ضرب إيران أمريكيا نفق الجمود، أضف إلى ذلك صعوبة عقلنة فكرة تجميد قدرات تخصيب اليورانيوم عند النسب المعلنة رسميا،70%، ولاسيما في ظل اعتياد القادة الإيرانيين على المناورة والمراوغة والكذب أيضا باعتبار ذلك كله نوع من «التقية السياسية» التي تمثل أحد أهم الركائز الفلسفية التي تتكيء عليها نظرية «ولي الفقيه».

ثمة تساؤل حول علاقة الاحتجاجات الشعبية الإيرانية الحالية بمسألة امتلاك سلاح نووي، ولا سيما في ظل إشارة تقرير الوكالة الذرية إلى أن طهران تعتزم تحقيق المزيد من التقدم أكثر مما كان مخططا له من قبل عقب تركيب مجموعة جديدة من أجهزة الطرد المركزي المتطورة، وبدأت عملها بالفعل، وهذا أمر بالغ الخطورة، لاسيما أن هناك فارقا كبيرا بين نسب التخصيب المستهدفة في الاتفاق النووي (3.5% بحد أقصى) وبين المحقق حاليا، وهي غير معروفة بدقة، ولكن يمكن الاسترشاد بالمؤشرات التي تؤكد أن نسب التخصيب المحققة قبل توقيع الاتفاق النووي عام 2015 والمخزونات كانت تتيح لإيران إنتاج قنبلة نووية واحدة خلال شهرين أو ثلاثة على الأكثر، وقد وسع الاتفاق خلال هذه الفترة إلى عام على الأقل.

والأرجح أن الاحتجاجات ستضاعف عزم النظام الإيراني على رأب الفجوة مع السلاح النووي إن لم يكن امتلكه فعليا، لأن طهران غاضبة للغاية مما تزعم أنه تأجيج غربي للاحتجاجات، وتسعى لوقف الضغوط على النظام ودفع الدول الكبرى لمراعاة تأثير وجود سلاح نووي ضمن حسابات الاستقرار الداخلي الإيراني كما في الحالة الباكستانية على سبيل المثال.

أكثر ما يقلق في هذه التطورات أن البعض في منطقتنا يقلل من خطورة السلاح النووي الإيراني، بزعم أن أزمة أوكرانيا أثبتت أنه سلاح ردع دفاعي، وهذا صحيح مفاهيميا، ولكنه لا ينفي خطورة وجود سلاح نووي بيد نظام يمتلك مشروعا توسعيا، كما هو حاصل في الحالة الإيرانية، حيث يصعب وقف اندفاع هذا النظام وكبح جماحه عن التوسع والتمدد ونشر الميليشيات، بسبب امتلاكه لما يعده البعض سلاحا دفاعيا!.

drsalemalketbi@