عبدالله العولقي

العناد والشعبوية الأمريكية

الأربعاء - 26 أكتوبر 2022

Wed - 26 Oct 2022

خلال القرن العشرين الماضي تبوأت منطقة الشرق الأوسط أهمية استراتيجية عالمية لسببين رئيسيين، أنها تتوسط قارات العالم القديم وتمثل الطريق الحيوي للتجارة العالمية، وهذا ما جعلها عرضة للنزاع الاستعماري المستعر آنذاك بين بريطانيا وفرنسا، والأمر الآخر كان بسبب اكتشاف النفط وتهافت الشركات الغربية على التنقيب والحصول على حق الامتياز، الأمر الذي جعل الغرب يعتمد في صناعاته وازدهاره على مصادر الطاقة المتدفقة من الشرق الأوسط وتحديدا جغرافيا الخليج العربي.

بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، رفعت بريطانيا شعار الانتصار لكنها كانت منهكة كثيرا من تداعيات وآثار الحرب، ومما زاد الأمر سوءا على اقتصادها الضغط الأمريكي بشأن خروجها من المستعمرات، وحينها وصلت بريطانيا حسب رؤية بعض المؤرخين إلى مرحلة الشيخوخة وبدأت فعلا بالتفكك بعد أن كانت تلك الإمبراطورية المتسعة والتي لا تغيب عنها الشمس، ومما أعجبني حول رؤية تفسير أفول بريطانيا عن مركز الصدارة الدولية فكرة الدكتور محمد الرميحي حول تشابه الدول والحضارات بالفرد الإنساني حينما يصاحبه العناد في شيخوخته وتقدمه في العمر، وهذا ما حصل مع بريطانيا عندما قرأت المشهد بصورة خاطئة وخسرت شركاتها فرصا استثمارية كبرى بسبب العناد المتلازم مع مرحلة الشيخوخة.

اليوم تعيد الولايات المتحدة قراءة المشهد بالصورة الخاطئة نفسها للإنجليز، وكأن التاريخ يعيد نفسه، فهل وصلت الحضارة الأمريكية إلى ذروة سنامها وبدأت بخط الانحناء التدهوري نحو الاضمحلال بسبب العناد والشعبوية؟ فبوتيرة العناد البريطاني نفسها قديما قدمت واشنطن رؤيتها حول قرار أوبك بلس عندما اعتبرته انحيازا لصالح روسيا في حربها مع أوكرانيا، على الرغم من أن الولايات المتحدة نفسها تعد دولة مصدرة للنفط، وتدرك جيدا أهمية ومعنى استقرار أسواق الطاقة الدولية، إلا أن إشكالية العناد جعلتها تتخبط في قراءة المشهد بصورته الصائبة.

لا يخفى على أحد في الداخل الأمريكي مسألة فشل الإدارة الديمقراطية الحالية في إدارة ملفات الاقتصاد والشؤون الخارجية، ويكفيها تخبطا أنها لا تزال تمارس عملية الضغط على حلفائها الأوروبيين تجاه حرب أوكرانيا دون النظر إلى واقعهم ومعاناتهم من ارتفاع أسعار الغاز الآتي من الشركات الأمريكية التي جنت من ورائهم ملايين الدولارات، ويكفي نظرة سريعة لوسائل الإعلام الأوروبية التي لا تبرح من الشكوى الأليمة من حليفها الاستراتيجي!!

وهنا نأتي إلى إشكالية الدول الكبرى عندما تغيب عنها الرؤية الاستراتيجية وتشرع بالمنهجية المضادة من العناد والشعبوية في أسلوب الإدارة، فهل يمثل ذلك بداية النهاية للحضارة الغربية؟ هذا الانحراف يقول عنه الدكتور محمد الرميحي بأنه يتجه نحو المصالح الضيقة والشعبوية مما قد يفقد التجربة الليبرالية الغربية قوتها الناعمة، والتي كثيرا ما أغرت بها الشعوب الأخرى وظلت هي النموذج الأمثل للعالم في العصر الحديث.

albakry1814@