الاعترافات الافتراضية
الأربعاء - 26 أكتوبر 2022
Wed - 26 Oct 2022
قبل أيام وتحديدا الأحد 23 أكتوبر وعلى إحدى وسائل التواصل الاجتماعي الشهيرة تويتر تصدر هاشتاق «اليوم العالمي للاعترافات 2022» من خلال تدوينات قصيرة للمشاركين، والتي تعد بآلاف التغريدات خلال بضع ساعات؛ الأمر الذي لفت انتباهي لتلك الاعترافات الكامنة والتي اعتبرها المغردون بالحدث الأفضل لمواضيع عدة؛ فمنهم من اعترف بالحب على اختلاف المحبين، وآخرون اعترفوا بأخطاء ارتكبوها، وغيرهم ممن سجلوا ابتسامة بطريقتهم الفكاهية، ومنهم من ترك أثرا محزنا؛ وغيرها الكثير من التغريدات، كل بأسلوبه وكلماته ومشاعره التي دفعته إلى ذلك الاعتراف المستتر.
هنالك مواقف أثرت على أصحابها كثيرا؛ خصوصا تلك التي لا يريدون التصريح بها وجها لوجه، ربما بسبب الخجل أو الخوف أو التهرب، وجميعها تعتبر من آليات الدفاع النفسي Defense Mechanism؛ والتي يتوارى خلفها الإنسان ومنها «الاعتراف الافتراضي».
هذا الاعتراف الذي يتم إسقاطه بعدد من ضغطات السبابة على لوحة مفاتيح الجوال تساعد الكثيرين على التنفيس الخانق والتنهد الحارق لأمر قد يصارعه الفرد لأيام أو أشهر أو ربما لسنوات، وتلك الاعترافات تستمر مع الإنسان حبيسة ذلك الصندوق الصدري، وذلك المستودع الفكري، والتي تتأرجح بين القلب والعقل فلا ينفك تفكير الفرد عنه ولا تهدأ مشاعره.
في العصور السابقة كانوا يلجؤون إلى النقوش والرسومات والألواح والجلود للاعتراف عما يخالجهم من أمور نفسية واستمر ذلك حتى تبدلت آلية الاعترافات وتركزت بالبوح من خلال المؤلفات والمخطوطات والترجمات والتي سجلت إسقاطات أصحابها من خلال الفن والأدب والشعر والنثر والمحاورة، وكانوا يتخذون من الكتابة والتدوين أسلوبا للخروج من ذلك المأزق النفسي.
كتب جان جاك روسو وهو فيلسوف وعالم اجتماع سويسري من أصل فرنسي كتابه الشهير «الاعترافات» طرح فيه سيرته الذاتية التي نشرت بعد وفاته عام 1788؛ يحتوي على أدق التفاصيل المؤلمة والمخزية والمبدعة لبداية نشأته وشبابه ونضجه، حيث كان يعاني من شعور الفقد والاضطهاد؛ ربما وجد روسو أن الأسلوب الوحيد للاعتراف بما يعانيه هو تعرية الذات ومكاشفتها بين دفتي الألم والأمل؛ وبحسب النقاد، فإن اعترافاته في الكتاب كانت مثيرة للإعجاب من خلال صياغة المفردات وحبكتها الأدبية والسرد القصصي الرائع.
استمر أسلوب البوح بالاعترافات إلى أن وصلنا للعصر التقني ودخول الأجهزة التي أحدثت ثورة قلبت مفهوم الاعترافات رأسا على عقب؛ هنالك من يرى أننا تطورنا وتقدمنا اجتماعيا، ولكننا تراجعنا نفسيا واختبأنا خلف تلك الحجب الالكترونية والسجون التقنية؛ والتي أرى أن في ظاهرها الرحمة ومن داخلها العذاب.
قديما كان لدى الشخص الجرأة على الاعتراف اللفظي والتصريح المشاعري بمشاركة الآخرين ليجد المعترف في النهاية أن هنالك جسدا يؤنسه وروحا تخاطبه؛ أو أنه يلجأ إلى ما يرفع من قيمته الأدبية من حبر يسيله على الأوراق قد يساعده على استعادة توازنه النفسي ليجد طريقه بالخروج السلس والآمن.
الاعترافات الافتراضية تحدث حاليا بين البشر والأجهزة الذكية عديمة المشاعر بكلمات مقتضبة وتغريدات جامدة لا تتسع لذلك المخزون النفسي والعقلي؛ أرى أنها لم تشبع صاحبها ولا أنها روت عطشه؛ وكأنه سراب وهمي يهرول إليه يحسبه الضمآن ماء.
Yos123Omar@
هنالك مواقف أثرت على أصحابها كثيرا؛ خصوصا تلك التي لا يريدون التصريح بها وجها لوجه، ربما بسبب الخجل أو الخوف أو التهرب، وجميعها تعتبر من آليات الدفاع النفسي Defense Mechanism؛ والتي يتوارى خلفها الإنسان ومنها «الاعتراف الافتراضي».
هذا الاعتراف الذي يتم إسقاطه بعدد من ضغطات السبابة على لوحة مفاتيح الجوال تساعد الكثيرين على التنفيس الخانق والتنهد الحارق لأمر قد يصارعه الفرد لأيام أو أشهر أو ربما لسنوات، وتلك الاعترافات تستمر مع الإنسان حبيسة ذلك الصندوق الصدري، وذلك المستودع الفكري، والتي تتأرجح بين القلب والعقل فلا ينفك تفكير الفرد عنه ولا تهدأ مشاعره.
في العصور السابقة كانوا يلجؤون إلى النقوش والرسومات والألواح والجلود للاعتراف عما يخالجهم من أمور نفسية واستمر ذلك حتى تبدلت آلية الاعترافات وتركزت بالبوح من خلال المؤلفات والمخطوطات والترجمات والتي سجلت إسقاطات أصحابها من خلال الفن والأدب والشعر والنثر والمحاورة، وكانوا يتخذون من الكتابة والتدوين أسلوبا للخروج من ذلك المأزق النفسي.
كتب جان جاك روسو وهو فيلسوف وعالم اجتماع سويسري من أصل فرنسي كتابه الشهير «الاعترافات» طرح فيه سيرته الذاتية التي نشرت بعد وفاته عام 1788؛ يحتوي على أدق التفاصيل المؤلمة والمخزية والمبدعة لبداية نشأته وشبابه ونضجه، حيث كان يعاني من شعور الفقد والاضطهاد؛ ربما وجد روسو أن الأسلوب الوحيد للاعتراف بما يعانيه هو تعرية الذات ومكاشفتها بين دفتي الألم والأمل؛ وبحسب النقاد، فإن اعترافاته في الكتاب كانت مثيرة للإعجاب من خلال صياغة المفردات وحبكتها الأدبية والسرد القصصي الرائع.
استمر أسلوب البوح بالاعترافات إلى أن وصلنا للعصر التقني ودخول الأجهزة التي أحدثت ثورة قلبت مفهوم الاعترافات رأسا على عقب؛ هنالك من يرى أننا تطورنا وتقدمنا اجتماعيا، ولكننا تراجعنا نفسيا واختبأنا خلف تلك الحجب الالكترونية والسجون التقنية؛ والتي أرى أن في ظاهرها الرحمة ومن داخلها العذاب.
قديما كان لدى الشخص الجرأة على الاعتراف اللفظي والتصريح المشاعري بمشاركة الآخرين ليجد المعترف في النهاية أن هنالك جسدا يؤنسه وروحا تخاطبه؛ أو أنه يلجأ إلى ما يرفع من قيمته الأدبية من حبر يسيله على الأوراق قد يساعده على استعادة توازنه النفسي ليجد طريقه بالخروج السلس والآمن.
الاعترافات الافتراضية تحدث حاليا بين البشر والأجهزة الذكية عديمة المشاعر بكلمات مقتضبة وتغريدات جامدة لا تتسع لذلك المخزون النفسي والعقلي؛ أرى أنها لم تشبع صاحبها ولا أنها روت عطشه؛ وكأنه سراب وهمي يهرول إليه يحسبه الضمآن ماء.
Yos123Omar@