علي الحجي

ملء القرب المخرومة

الثلاثاء - 25 أكتوبر 2022

Tue - 25 Oct 2022

في عصر وسائل الاتصال الحديثة، أصبح لكل فرد منصة بل منصات ومنابر إعلامية يستطيع أن يطرح من خلالها ما يريد، بعدها سيتولى جمهور المرتوتين، وقطعان المعارضين أمر الدعاية والإعلان والنشر، وبقدر الإثارة والوهج يكون الزخم، أما الفكرة فهي أمر هامشي غير مؤثر، فالموافقة والمعارضة مرهونة بانتماء وشكل الناشر، وطريقة عرضه للمحتوى، حتى وإن كان مجرد كرتون فارغ.

هذا التطرف في غزارة اللامحتوى، سبقه عصر (العصر)، فقبل هذه الثورة لم تكن لتخرج قطرة محتوى إلا بعد قراءات وخبرات متراكمة، ومع ذلك قد تتلاشى هذه القطرة في فضاء الصمت.

فمثلث المعرفة كان بشكله الطبيعي قمة ظاهرة تمثل المخرج، وقاعدة مغمورة من الخبرات والمعارف المتراكمة التي أخرجت تلك الخلاصة، أما الآن فقد أصبح الهرم مقلوبا، فاعتلت القاعدة الرأس، وأصبح المنشور أعظم وأضخم بكثير من رأس هرم المعرفة الساقط وربما الفارغ.

وللأسف فقد أصبحت كثير من الدمى الناطقة تثير جلبة وتتقافز على جدران وسائل التواصل تنظر وتنتقد وتروج لمعلومات مغلوطة، وأفكار هدامة أوعلى الأقل متخلفة، تردد كالببغاوات، وتنسخ كالطابعات دون وعي، ثم تلصق دون فهم، مصطلحاتهم لاتتجاوز (جلد) و(ألجم) و(طير الجبهة) لإشباع غريزة الفتك الحيوانية، تشفق عليهم كثيرا وهم يضيعون أعمارهم وأوقاتهم الفارغة في معارك لا يفقهون أبجدياتها، وأن يكونوا حطبا أو درجات تداس لصعود غيرهم، أو مجرد رقم في عدد المشاهدات واللايكات والرتويت.

هذه الغزارة من الغثاء تسهم بشكل كبير في التشويش على بوصلة الكثير من الناس خاصة الشباب، وتوجد متنفسا للفاشلين والمحبطين والجهلة من الفئات التي فاتها أو فوتت أو لم تستطع مجاراة قطار الحياة المتسارع.

لست مجبرا على الحديث إن لم تقرأ، ولا على التنظير إن لم تفهم، ولا على الغضب إن لم تدرك.

فالوعي الذاتي أعظم ما يمكن أن تصنعه لذاتك، سيوفر عليك الوقت والجهد، ويكفي الناس سذاجتك، ويوفر عليهم وقت الشرح والتبرير لسد ثغرات دماغك التي عجزت عن ملئها.

الكلمات الرنانة والاستشهادات الكاذبة والقصص المفبركة والاستشراف الغبي، تهدم أكثر مما تبني، وتخدع صاحبها فقط وتجعله يحترق أكثر في معارك ليس له فيها ناقة ولا جمل.

ختاما فإن صديقا جاهلا أشد ضررا من عدو عالم، فالجاهل يضر ويتجاوز ويخطئ وهو يحسب أنه يحسن صنعا، وكم من خطايا مررت تحت جلباب النيات الحسنة.