سعد باسلوم

صناعة العافية «آفاق المستقبل»

الثلاثاء - 25 أكتوبر 2022

Tue - 25 Oct 2022

تتداخل الصحة مع تفاصيل حياتنا اليومية جميعها، إذ ترتبط بعاداتنا وسلوكنا وجميع مناشط حياتنا كالتغذية والرياضة والنوم وصولا إلى الاستجمام والسياحة والترفيه، ومع تسارع وتيرة الحياة وزحام تفاصيلها أمسى الحفاظ على نسق حياة صحية متوازنة أمرا أكثر صعوبة يتطلب مزيدا من الجهد المضني، الأمر الذي دفع دولا عدة إلى البحث عن حلول وإطلاق مبادرات تخدم رفاهية الإنسان وتوجد له نوعا من التوازن، ففي السعودية جاء برنامج جودة الحياة أحد برامج رؤية المملكة العربية السعودية 2030 لتحسين جودة حياة سكان وزوار المملكة، والذي من أهدافه الاستراتيجية تعزيز ممارسة الأنشطة الرياضية في المجتمع، تطوير قطاع السياحة، تطوير وتنويع فرص الترفيه لتلبية احتياجات السكان، وتحسين الظروف المعيشية للوافدين.

فصناعة العافية هي إحدى أنواع السياحة المهمة وهي السفر بهدف العلاج أو الاستجمام في المنتجعات الصحية في مختلف بقاع العالم، خاصة الدول التي اشتهرت بتقدمها في المجال الطبي، وتنقسم إلى قسمين أولهما: السياحة من أجل العلاج التي تعتمد على استخدام المصحات المتخصصة أو المراكز الطبية أو المستشفيات الحديثة التي توفر تجهيزات طبية وكوادر بشرية تمتاز بالكفاءة العالية والمهارة، والتي تنتشر في كثير من دول العالم إلا أن هنالك دولا تفوقت على غيرها في هذا المجال وأصبحت ذات شهرة ومكانة متميزة عن نظيراتها مثل ألمانيا والتشيك والمجر وإندونيسيا وتايلاند والهند وتركيا التي اشتهرت بزراعة الشعر وحققت عائدات مالية تتخطى مليار دولار في 2018م من زراعة الشعر فقط.

وثانيهما: ما هو استشفائي أو وقائي، وهي التي تعتمد على الممارسات الطبيعية في علاج المرضى وشفائهم مثل ممارسات الطب التكميلي كالوخز الإبري وتقويم العمود الفقري والمعالجة الطبيعية والتداوي بالأعشاب والعلاج بينابيع المياه المعدنية أو الكبريتية كالبحيرات الموجودة في إندونيسيا ومراكز الاستشفاء كتلك الموجودة في التشيك وقبرص والدول العربية كحمام أبورقيبة في تونس والبحر الميت وحمامات معين في الأردن وبعض المناطق الساحلية والرملية بغرض التعرض لأشعة الشمس والحصول على المعادن بغرض الاستشفاء من الأمراض الجلدية وأمراض العظام كما في واحة سيوة في مصر ذات المناخ الجاف والرمال الساخنة وعيون المياه الجارية.

تقوم السياحة العلاجية المتطورة على الطب الاندماجي أو الطب التكاملي، حيث يتحقق للمريض حصوله على العلاج مع منحه فرصة السياحة والترفيه، وهو ما يأخذنا إلى إعادة النظر بشكل شمولي في المستشفيات التي تبدلت وظيفتها و تطورت مع مرور الوقت إذ بالعودة لنشأتها نجد أنها كانت بمثابة مأوى للمرضى قبل قرون عدة، ينال الأفراد فيها الرعاية و العلاج مهما كان المكان، ومع مرور الوقت تحولت إلى آلات علاج ضخمة تتطور بسرعة، إلا أن سرعة تطور المشافي لم تواكب سرعة تطور الطب أو حتى تلبية متطلبات المرضى، وبات الحديث عن تحويل المرافق الصحية إلى مرافق علاجية ترفيهية وأكثر جاذبية منها إلى مرافق تقدم العلاج فقط أمرا ملحا، فظهر مصطلح السياحة العلاجية ليلبي هذه المتطلبات، وحققت نجاحا كبيرا في مختلف دول العالم، فقد بلغ الحجم الاقتصادي للأرباح المحققة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في 2017 ما یوازي 2.8 مليار دولار، وفي إسبانيا مثلا جذب مشروع Spain Cares حوالي 200 ألف سائح طبي عام 2019!

فبلا شك تعد المملكة العربية السعودية واجهة متميزة للسياحة العلاجية والسياحة الاستشفائية، وتمتلك المملكة في هذه الفترة المتميزة مستشفيات على طراز عال و كوادر طبية ذات مستوى مرموق عالميا، وأصبحت وجهة حقيقية لكثير من مواطني دول مجلس التعاون الخليجي والدول العربية بغرض العلاج والاستشفاء، فهذا مجال واعد يمتاز بمقومات وسبل نجاح عدة والتي بلا شك استصحبتها الرؤية الطموحة للمملكة رؤية 2030 والتي يقودها رئيس مجلس الوزراء الأمير محمد بن سلمان - حفظه الله - في جذب السياحة ورفع الدخل القومي من السياحة بجميع أنواعها، فالسياحة العلاجية والاستشفائية تمثل ركيزة مهمة وأساسية في هذا المجال المتطور يومآ بعد يوم.

ولعل السياحة العلاجية أحد المفاتيح المهمة التي تقدم حلا نموذجيا يغطي معظم الجوانب التي تستهدفها برامج جودة الحياة، إذ يعد السفر من أجل الاستجمام والعلاج غاية لعدد من السياح حول العالم، وتشير التوقعات إلى أن حجم إنفاق السياحة العلاجية الصادرة من دول مجلس التعاون الخليجي إلى مختلف دول العالم بلغ 20 مليار دولار!

ثم إن السياحة العلاجية أو الاستشفائية توفر فرصا ضخمة للاستثمار، فقطاعات الفندقة والضيافة والنقل والترفيه والرياضة تنشط بنشاطها، ووفقا لوزارة السياحة، فإن معدل الإقامة في الأماكن السياحية المرتبطة بالسياحة الاستشفائية يصل إلى 11 ليلة مقارنة بالمستشفيات التي تقدر الإقامة بها بحوالي 3 أيام فقط، كما أن من أسباب الإقبال على هذا النوع من السياحة هي الرغبة في الحصول على العلاج الطبيعي بعيدا عن الأدوية الكيميائية في المستشفيات، والبحث عن خيارات علاجية متجددة مع توفير العناصر الجاذبة في المكان نفسه مثل الفنادق، والمطاعم، وأماكن العلاج الاسترخائي كالتدليك وتقويم العمود الفقري واليوغا والتاي تشي.

فمدينة نيوم تمثل إحدى هذه الواجهات التي تستحق من السياح أن يقطعوا الأميال لأجلها للاستمتاع بحياة وفترة استجمام في مدينة ذكية صديقة للبيئة تمتاز بجودة الحياة العالية والرفاهية والسياحة والمناظر الطبيعية، وكذا الحال هنالك عدد من الوجهات السياحية في المملكة والمناطق ذات المناظر الخلابة والطبيعة الساحرة في مرتفعات عسير والمياه الكبريتية بمنطقة حائل والأحساء والخرج وكذا منطقة الرياض التي تمتاز بالصحراء الجميلة والرمال الذهبية الحمراء، مما يمكن لها أن تكون واجهة سياحية علاجية وإستشفائية مشوقة ومبشرة كمقصد ووجهة لكل السياح في العالم.

SaadBaslom@