شاهر النهاري

العنصرية لم تبرح جينات البشر

الاثنين - 24 أكتوبر 2022

Mon - 24 Oct 2022

كل مجبول على التعنصر لذاته ومعطياته وأشباهه بشعور نرجسي، يتمثل بأسطورة كمال صورته فوق سطح مرآة بحيرة الوجود، فيظل يضخم ويبجل الأنا، ويتدرج في قبول وانتقاء الأقرب إلى نفسه من تباين عناصر الدائرة، التي يقبع في مركزها، وامتدادا إلى بلوغ أطراف الأرض، بل إن تمييزه يطغى ويبني العلاقات، ويتحكم في التفرقة بين الأخ وأخيه، حتى ولو كانا توأمين، بتخصيص أن أحدهما أقرب لأفقه ولو بلمحة عن الآخر.

وبالتالي، فلا وجود لنفس بشرية خالصة تستطيع التعامل مع مختلف الألوان والأصول واللغات واللكنات والمستويات المعيشية والمعتقدات ومختلف الطباع والتباينات البشرية بعدالة وجود وحقوق، وبالتعود والتقارب أنفسهما، ومهما حاول إظهار التحضر وتقمص شروط ومحاذير لوائح حقوق الإنسان، للتعايش مع جميع الاختلافات وكأنها لا تؤثر في نفسه وحياته الاجتماعية واختياراته.

كلنا نجامل ظاهريا ولكننا نظل في غياهب اللاوعي نميز ونجتبي من يقربون لعجينتنا، أما من نحتاج الخميرة لتطويعهم، فنستبعدهم بمشاعر غامضة بأنفسنا تحركنا.

وعندما تثار قصص العنصرية فلا أعتقد أن شرقنا الأوسط منزه عنها، بل إن تاريخنا في العنصرية والعبودية وتمييز الأشخاص وطبقات المجتمعات على منظور أصل وفصل ولون ولهجة ومفهوم عقائدي ومذهبي لا يفارقنا، وهو أساس تعايشنا مع الغير، ولو أننا ننظر لعين الأبيض الزرقاء وشعره الذهبي باستحسان وإكبار، وعلى شكل رغبة جسدية تجعلنا بعد الاختيار نشعر بخطيئتنا في حق ذرياتنا ممن سينالهم الخلط والتقليل من القيمة في محيطهم.

في مجتمعاتنا لا بد أن تسأل عن أصلك ودخلك وأفكارك ومعتقدك ومشارب معطياتك ليتم تحديد مدى قربك أو بعدك، وحتى ولو كان الأمر مجرد زمالة عمل أو جيرة.

والعوالم الأخرى تعاني من الأمراض العنصرية نفسها برداء تحضر وتهذيب خارجي يتدرج، وقد يشفقون على أهل اللون الداكن، ويساعدون المهاجرين، تبعا لما تتطلبه منهم معاني حقوق الإنسان، ولكنهم يظلون بشرا مثلنا، مهما تحضروا ومهما خرق بعضهم قواعد العنصرية وتزاوج مع نقيضه، ولكن وبعد زوال السكرة تعود العنصرية المطبوعة في شفرة الجينات لتحدد من يبتعد ومن يوازي، ومن يستحق الثقة والالتصاق والمزج.

ما نراه في تجمعات النازية وحركاتهم لتطهير الأرض من الألوان والمعتقدات والأعراق المختلفة عنهم، ما يزال بارزا على كثير من المستويات، حتى وإن هذبته الحياة الحديثة، فيظل يحكم ويتحكم.

صعق كثير من الأوروبيين كون المهاجرين الأوكرانيين بيض البشرة شقر، نظاف الملابس، من مجتمعات راقية تشابههم، بشعور بشري يطفو على

كل تحضر، ونحن أيضا لم نتعاطف معهم بتعاطفنا نفسه مع المهاجرين من دولنا العربية.

لا عجب، فتلك غريزة ولا يمكن محوها بالكامل، ورئيس أبيض، أشقر مثل دونالد ترمب كاد أن يسقط أعظم ديمقراطية عالمية، بمجرد أن أوعز لمن يشابهونه بأن العنصرية حق أصيل، ووعدهم بأمريكا لا ملونين فيها ولا أعراق ولا معتقدات مخالفة لفكرهم.

فرصة جعلت أغلبنا يتهم العالم المتحضر بالعنصرية، وينسى من نكون نحن العرب والمسلمين في تطبيق وتعميق تلك النواحي، وكيف نتقارب أو نتباعد ممن يختلفون عنا، حتى في المزاح الجلف، مرددين مقولات «كلنا عبيد لله»، و»أولاد تسعة» وغيرها من الادعاءات الكاذبة، ونحن نعرف يقينا أننا نميز ونرائي ونتعنصر، ولكنا نطمع في طمأنة أنفسنا وأعين من ينظرون إلى التماع صورنا على سطح بحيرة الزيف.

shaheralnahari@