ندوة الطائف وإعادة ضبط التاريخ
السبت - 22 أكتوبر 2022
Sat - 22 Oct 2022
كم كنت مسرورا وأنا أستمع لكلمة المؤرخ الحصيف والإداري الماهر، الذي جعل من التاريخ موضوعا حيويا منذ أن تولى أمانة دارة الملك عبدالعزيز، فكان المحرك المهني والعقل المدبر الذي ارتجاه رئيس مجلس إدارة الدارة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، يحفظه الله، حيث انتقلت الدارة من حينه بتوجيهه - يحفظه الله - وفعل الدكتور فهد السماري، من مؤسسة محدودة التأثير إلى مركز له تأثيره على مختلف الأصعدة، وباتت تشكل أساسا في صناعة المشهد المعاصر، لا سيما مع دعم ولي العهد رئيس مجلس الوزراء نائب رئيس مجلس إدارة الدارة الأمير محمد بن سلمان.
أعود إلى فحوى كلمة الدكتور السماري الذي افتتح بها ملتقى «ندوة الطائف التاريخية» لأشيد بمضمون ما قاله وما دعا إليه، حيث وجه رسالته الصادقة إلى رفقاء دربه من المؤرخين والمؤرخات راجيا منهم أن يعيدوا النظر فيما يكتبوه ويقدموه من أبحاث، منتقدا بوضوح حالة السردية الوصفية التي سيطرت على غالب منهج أبحاثهم العلمية، مناديا بوجوب أن يكون التاريخ قوة دافعة للأمام، ولا يتأتى ذلك إلا من خلال القراءة التحليلية وإعمال مناهج النقد الموضوعي العلمي لمختلف المصادر التاريخية، والغوص في دقائق الأحداث بمكبر مجهري دقيق مع إعمال الأمانة والصدق وتحري الحقيقة بحيادية علمية، مشيرا إلى أن ذلك هو ما سينقذ موضوع التاريخ من موته المحتوم، ويعيده إلى موقعه الذي يجب مؤسسيا ومجتمعيا. واختتم كلمته بدعوته الصادقة إلى أهمية إعادة ضبط إعدادات المؤرخ ليكون مواكبا للحدث بمنهجه التحليلي وتفكيكه للواقعة التاريخية برؤية معاصرة، ليتمكن المجتمع من الاستفادة من تراكم التجارب السالفة، من خلال استيعاب إيجابيات كل مرحلة وتفادي سلبياتها.
وواقع الحال فإن ذلك هو ما أدعو إليه وأرجوه مرارا، وهو عين الصواب الذي يجب أن يتنبه له المؤرخون، إذ بسبب تغافلهم عن إعمال منهج التحليل، وتحول عديد منهم إلى مجرد رجع صدى لمعلومات قديمة دون تفكيكها ووضعها تحت عدسة المجهر، وانسياق ملتقياتهم ضمن هذا السياق، بسبب ذلك وغيره قد فقدوا أهميتهم على الصعيد المؤسسي، وصار موضوعهم مستباحا لكل أحد، إذ وطالما وأن القصة تتمثل في إعادة حكي المحكي، فالأمر سهل وبخاصة مع وجود محرك «قوقل» الذي جعل المعلومة متاحة لكل أحد، وبحكم انحصار موضوع التاريخ في سرد ما كتبه الأوائل دون تمحيص وتحليل ومقارنة وتفكيك للواقعة بمنهج علمي ووفق نظريات معتمدة، فالكل يمكن أن يكون مؤرخا، وهو الواقع المعاش حاليا للأسف، ولذلك لم يعد للتاريخ قيمته العلمية كما هو الحال في الغرب إجمالا، ولا عجب أن يتم تقليص أقسامه في كثير من الجامعات الحكومية، وانعدامه من كل الجامعات الأهلية تقريبا.
أشير إلى أني كنت ولا أزال أنادي بوجوب تدقيق الأبحاث التي يتم تقديمها لملتقيات التاريخ السعودي والخليجي والعربي، مع إعطاء وقت كاف للباحث لطرح ورقته، وإتاحة الفرصة لمناقشته بموضوعية ومنهجية، والحديث في هذا يطول.
ختاما لا يفوتني أن أتقدم بالشكر لمحافظ الطائف الأمير سعود بن نهار، على رعايته وافتتاحه الملتقى، كما أشكر جامعة الطائف التي استضافت الملتقى وأشيد برئيس الجامعة الدكتور يوسف عسيري الذي كان حاضرا بحيوية، ومتابعا لمختلف التفاصيل، ولعمري فذلك من مهنيته وإيمانه بقيمة الملتقى، وحتما فالشكر موصول لفريق العمل المنظم الذين أجادوا عملهم بكل مهنية واقتدار، وهو من قبل ومن بعد مقدم للدكتورة لطيفة العدواني رئيسة «مركز تاريخ الطائف» التي تولت رئاسة تنظيم المنتدى، ومتابعة فريق العمل المنظم، وكان واضحا وقوفها الجاد على كل شاردة وواردة، لتكون بحق نجمة ساطعة بحيوية ومهارة مسؤولة خلال أيام الملتقى، ولا أنسى جهد أستاذنا الدكتور أحمد الزيلعي، الرجل الأمة الذي جعل من جمعية تاريخ وآثار الخليج شغله الشاغل، ومشروعه المركزي، إيمانا منه بقيمة التاريخ والآثار من جهة، وأهمية أن يكون لمؤرخي وآثاري الخليج مؤسسة جامعة يستظلون بظلالها، وهو ما يتفق عليه الجميع، ويدركون أن حيوية الجمعية ما كانت وتكون إلا به ومن خلاله، فله الشكر مني ومن كل مؤرخي وآثاري الخليج العربي.
في هذا السياق، أوجه الشكر للدكتور الزيلعي ومجلس إدارة الجمعية لتكريمهم أحد أعلام التاريخ والتراث من غير الأكاديميين وإن كان له فضل على كثير منهم بما قدمه من كتب وأبحاث في تاريخ المنطقة وهو الشريف محمد بن منصور آل زيد، كما أنوه بجهود باحث آخر خدم الطائف بإنتاجه وبحثه وهو السيد عيسى القصير، وأؤمن بأن هؤلاء يقدمون مادة ثرية لكل باحث جاد يهتم بتحليل محتوى ما يقدمه تاريخيا واجتماعيا.
zash113@
أعود إلى فحوى كلمة الدكتور السماري الذي افتتح بها ملتقى «ندوة الطائف التاريخية» لأشيد بمضمون ما قاله وما دعا إليه، حيث وجه رسالته الصادقة إلى رفقاء دربه من المؤرخين والمؤرخات راجيا منهم أن يعيدوا النظر فيما يكتبوه ويقدموه من أبحاث، منتقدا بوضوح حالة السردية الوصفية التي سيطرت على غالب منهج أبحاثهم العلمية، مناديا بوجوب أن يكون التاريخ قوة دافعة للأمام، ولا يتأتى ذلك إلا من خلال القراءة التحليلية وإعمال مناهج النقد الموضوعي العلمي لمختلف المصادر التاريخية، والغوص في دقائق الأحداث بمكبر مجهري دقيق مع إعمال الأمانة والصدق وتحري الحقيقة بحيادية علمية، مشيرا إلى أن ذلك هو ما سينقذ موضوع التاريخ من موته المحتوم، ويعيده إلى موقعه الذي يجب مؤسسيا ومجتمعيا. واختتم كلمته بدعوته الصادقة إلى أهمية إعادة ضبط إعدادات المؤرخ ليكون مواكبا للحدث بمنهجه التحليلي وتفكيكه للواقعة التاريخية برؤية معاصرة، ليتمكن المجتمع من الاستفادة من تراكم التجارب السالفة، من خلال استيعاب إيجابيات كل مرحلة وتفادي سلبياتها.
وواقع الحال فإن ذلك هو ما أدعو إليه وأرجوه مرارا، وهو عين الصواب الذي يجب أن يتنبه له المؤرخون، إذ بسبب تغافلهم عن إعمال منهج التحليل، وتحول عديد منهم إلى مجرد رجع صدى لمعلومات قديمة دون تفكيكها ووضعها تحت عدسة المجهر، وانسياق ملتقياتهم ضمن هذا السياق، بسبب ذلك وغيره قد فقدوا أهميتهم على الصعيد المؤسسي، وصار موضوعهم مستباحا لكل أحد، إذ وطالما وأن القصة تتمثل في إعادة حكي المحكي، فالأمر سهل وبخاصة مع وجود محرك «قوقل» الذي جعل المعلومة متاحة لكل أحد، وبحكم انحصار موضوع التاريخ في سرد ما كتبه الأوائل دون تمحيص وتحليل ومقارنة وتفكيك للواقعة بمنهج علمي ووفق نظريات معتمدة، فالكل يمكن أن يكون مؤرخا، وهو الواقع المعاش حاليا للأسف، ولذلك لم يعد للتاريخ قيمته العلمية كما هو الحال في الغرب إجمالا، ولا عجب أن يتم تقليص أقسامه في كثير من الجامعات الحكومية، وانعدامه من كل الجامعات الأهلية تقريبا.
أشير إلى أني كنت ولا أزال أنادي بوجوب تدقيق الأبحاث التي يتم تقديمها لملتقيات التاريخ السعودي والخليجي والعربي، مع إعطاء وقت كاف للباحث لطرح ورقته، وإتاحة الفرصة لمناقشته بموضوعية ومنهجية، والحديث في هذا يطول.
ختاما لا يفوتني أن أتقدم بالشكر لمحافظ الطائف الأمير سعود بن نهار، على رعايته وافتتاحه الملتقى، كما أشكر جامعة الطائف التي استضافت الملتقى وأشيد برئيس الجامعة الدكتور يوسف عسيري الذي كان حاضرا بحيوية، ومتابعا لمختلف التفاصيل، ولعمري فذلك من مهنيته وإيمانه بقيمة الملتقى، وحتما فالشكر موصول لفريق العمل المنظم الذين أجادوا عملهم بكل مهنية واقتدار، وهو من قبل ومن بعد مقدم للدكتورة لطيفة العدواني رئيسة «مركز تاريخ الطائف» التي تولت رئاسة تنظيم المنتدى، ومتابعة فريق العمل المنظم، وكان واضحا وقوفها الجاد على كل شاردة وواردة، لتكون بحق نجمة ساطعة بحيوية ومهارة مسؤولة خلال أيام الملتقى، ولا أنسى جهد أستاذنا الدكتور أحمد الزيلعي، الرجل الأمة الذي جعل من جمعية تاريخ وآثار الخليج شغله الشاغل، ومشروعه المركزي، إيمانا منه بقيمة التاريخ والآثار من جهة، وأهمية أن يكون لمؤرخي وآثاري الخليج مؤسسة جامعة يستظلون بظلالها، وهو ما يتفق عليه الجميع، ويدركون أن حيوية الجمعية ما كانت وتكون إلا به ومن خلاله، فله الشكر مني ومن كل مؤرخي وآثاري الخليج العربي.
في هذا السياق، أوجه الشكر للدكتور الزيلعي ومجلس إدارة الجمعية لتكريمهم أحد أعلام التاريخ والتراث من غير الأكاديميين وإن كان له فضل على كثير منهم بما قدمه من كتب وأبحاث في تاريخ المنطقة وهو الشريف محمد بن منصور آل زيد، كما أنوه بجهود باحث آخر خدم الطائف بإنتاجه وبحثه وهو السيد عيسى القصير، وأؤمن بأن هؤلاء يقدمون مادة ثرية لكل باحث جاد يهتم بتحليل محتوى ما يقدمه تاريخيا واجتماعيا.
zash113@