مرزوق بن تنباك

أيهما أنت الاسم أو الرقم؟

الثلاثاء - 18 أكتوبر 2022

Tue - 18 Oct 2022

الأسماء أعلام اخترعها الإنسان الأول لتمييز وجوده عن غيره وتحديد ذاته المستقلة عن ذوات الآخرين والمشابهين الذين يشاركونه الحياة ويعيشون معه في الإطار الاجتماعي المشترك، وقد قبل الناس القيد بالأسماء التي يختارونها وجعلوها معرفا خاصا يحملونها ويفخرون بها ووصفوها بأنها منارة وأنها علم لا يشابه غيره واعتدوا بأسمائهم أيما اعتداد وقالوا في تميزها واستقلالها الشعر والنثر كما وصف ذلك مسكين الدارمي:

لعمرك ما الأسماء إلا علامة

منار ومن خير المنار ارتفاعها.

وفي كل ثقافة يأخذ اسم الإنسان حيزا كبيرا في مفهوم المعاني ودلالتها والحفاظ عليها والتعبير بها عن ذات الشخص وكينونته، وكان تجاهل الاسم والكنية أو تنكيرهما وإخفاؤهما أمرا لا يحتمله الرجال ولا يرضون عنه ويعدونه عقابا معنويا بالغ التأثير النفسي، وفي هذا المعنى أصبح السجناء الذين يرتكبون الأخطاء في حق المجتمع ويحكمون في السجن يعطون أرقاما بدل أسمائهم الحقيقية ينادون بها وتمحى أسماؤهم وتغفل حتى يخرجوا من السجن، ويعد بعضهم محو أسمائهم أشد عليه من عقاب السجن وحرمانه من الحرية، وحتى في العلاقات الاجتماعية إذا غضب رجل على آخر تجاهل نداءه باسمه وأعرض عن ذكره وهو نوع من أنواع الإهانة البالغة التي يتعامل بها الأنداد ويحاسبون عليها.

هذا في الماضي ولأن استمرار الحال من المحال والتغير مما جبل الله عليه خلقه وسارت به سنة الحياة فقد صار الإنسان في الوقت الذي نعيشه ويعيشه العالم من حولنا رقما كبيرا ثابتا اسما وكنية شاء أم أبى، فكل إنسان أصبح يحمل رقما خاصا به ملازما له لا يستعمل غيره ولا يشابهه سواه، و لأن أسماء الأحرف قد تتكرر وقد تتشابه مع غيرها وأعلام الأسماء عرضة للتكرار والتشابه أيضا فتجد قائمة طويلة من الناس تحمل اسما مشهورا واحدا وقد تتكرر حتى الكنية واللقب.

أما أسماء الأرقام فهي خلاف ذلك ومن المستحيل أن يتكرر الرقم المحدد للشخص، فهي إذن أكثر تفردا وأكثر دقة وصحة وسلامة ولا يشابه منها رقم رقما آخر، وقد حلت في التعامل بين الناس محل الأسماء وأخذت الصفات والاعتبارات ولا سيما بعد جائحة كورونا وما صحبها من استعمال العزل والحصر والامتناع من التعامل المباشر وأصبح كل شيء تعمله أو تريد التواصل معه يعرفك أو يتعرف عليك برقم يلازمك ويحل محل اسمك.

ولأن لغة الأرقام لا تخطئ كما يقولون والناس تبحث عن الصواب ولا تريد الأخطاء وما دام الأمر كذلك، فقد أصبحت الأرقام بديلا معقولا للأحرف وأصبح السجل المدني هو معرفك واسمك وشخصك والرقم الذي لا يخفي شيئا عنك، ففي كل مكان تذهب إليه في البنك والدوائر الرسمية والمستشفيات والمراجعات لا تحتاج أكثر من أن تقدم هذا الرقم الجميل ليقول عنك ويعرف بك أكثر مما تقول عن نفسك وما تعرف بها.

فهل أسماء الناس اليوم أحرف أو أرقام؟

Mtenback@