عبدالله مشرف المالكي

هل نحن مواطنون جيدون؟

الثلاثاء - 18 أكتوبر 2022

Tue - 18 Oct 2022

في كل مرة أتصدى فيها للكتابة أجدني منجرفا للكتابة حول الوطن، آماله وتطلعاته، رؤاه وخططه، مشاريعه وبرامجه، ماضيه وحاضره ومستقبله، ولمّا كان الوطن ليس – فقط – الأرض وحدودها، ولا الدولة ومؤسساتها، وإنمّا بالأساس الإنسان المنتمي لكلّ هذا، كان لا بد من وقفة للحديث عن المواطنة، وهل نحن مواطنون مثاليون لبلاد تبذل أقصى المستطاع لإسعاد شعبها؟!

يقولون إن مفهوم المواطنة ولد في اليونان القديمة، وأنّه ترسّخ بفضل مناهج التعليم التي صممت خصيصا، لتنشئة أجيال من الرجال الواعين إلى أدوارهم في المجتمع. وكان من القواعد الأولية التي أصلتها المدارس اليونانية في نفوس طلابها "إذا صلح المواطن، صلح الوطن‘"، وهذا ما ترجم في صيغة التزامات وواجبات على الأفراد، دون بخس لحقوقهم وامتيازاتهم.

للأسف اندثر فكر اليونانيين، فلم تعد المؤسسات التربوية تعني بتعليم النشء معنى المواطنة، أو "كيف يصبحون مواطنين صالحين؟" فخرجت أجيال تطالب بما لها، قبل أن تؤدي ما عليها!

للمواطنة الحقّة مظاهر يمكن تمييزها، وإدراكها بالعين المجردة، فلا أحسب أن شخصًا يدّعي أنّه مواطن صالح يجهل –مثلا– تاريخ بلده وجغرافيته، أو لا يحفظ نشيده الوطني، أو يمتنع عن ترديده متى توّجب ذلك، أو لا يعتز براية وعلم دولته، أو لا يشجع فرق بلاده في المنافسات العلمية والرياضية والفنية والأدبية.

هذا فضلًا عن الكف عن السلوكيات السلبية الضارة بموطنه ومجتمعه مثل الانخراط في تخريب البيئة، أو الخروج عن القانون، أو التهرب من دفع الضرائب.

إن قوام المواطنة الصالحة لدينا يتمثل في المسؤولية التي يجب أن يتحلّى بها الإنسان كونه ممثلًا لأمّة كبيرة، ولشريعة عظيمة، ولبلاد هي قبلة العالمين.

المواطن الجيّد –في رأيي– لا بد أنّ يكون نزيهًا، مستقيمًا في أخلاقه، مسؤولًا عن تصرفاته، يعامل الآخرين بالطريقة التي يحب أن يعاملوه بها، يظهر تعاطفه لأهله وأفراد مجتمعه في الملمّات وإن خالفهم الرأي في بعض القضايا، يبذل من جهده ووقته وماله لعون أشقائه وبلدته ووطنه الكبير.

المواطن الجيّد يحب العدالة، ولا يسعى لتجاوز القوانين لتحقيق مصالح شخصية، أو للسطو على حقوق الآخرين، وهو الذي يدافع عن حقّ غيره كما لو أنه حقه الشخصيّ، دعمًا لقيم الإنصاف والمساواة ودولة القانون.

إذا أردت أن تكون مواطنًا صالحًا يشعر أنّه يؤدي ما عليه تجاه بلاده، فكن منتجًا. أسهم بما لديك من قدرات وإمكانيات في دفع العجلة إلى الأمام، لا تحقّرن من شأن نفسك، ولا تقلل من جدوى ما تقدمه لغيرك.

وإذ كنّا نتحدث عن المواطنة في مفهومها العام، فهذا لا يعني أننا ندعو إلى أن يتجاهل الناس بلداتهم الصغيرة، ففي الحقيقة اهتمام الإنسان بتطوير محيطه الأقرب، ينعكس إيجابًا على الوطن بشكل أفضل، مما لو اهتممنا جميعًا بالقضايا الكبرى مهملين دوائرنا الأولى!

فكّر دائمًا كيف تجعل المكان الذي تعيش فيه أكثر تطورًا، كيف يصبح بيئة جاذبة لا طاردة لأبنائه، ابحث عن حلول للمشكلات المزعجة، وكوّن فرق عمل مع أقرانك والمؤثرين في مجتمعك.

كن داعمًا للأنشطة المحلية في بيئتك، تسوّق من المتاجر الأهلية، شارك في الأحداث المجتمعية، انضم إلى الأندية المحليّة، أسهم في زراعة حديقة، اترك هاتفك والأجهزة التكنولوجية الحديثة، وانخرط في الحياة الحقيقية لجيرانك.

يؤمن الساسة حول العالم أن الاطلاع والمعرفة اليومية تجعل الإنسان مواطنًا أفضل، كما أشار إلى ذلك "جون آدمز" الرئيس الثاني للولايات المتحدة الأمريكية، وأنت كذلك يمكن أن تزيد من وعيك بالأحداث الجارية، ومتغيرات العالم بمتابعة نشرات الأخبار، وقراءة التحليلات السياسية والاقتصادية، والاطلاع على السير الذاتية للنابغين من أبناء وطنك.

وإذا كنت تسعى لتحيا في وطنٍ يلائم متطلباتك، فابدأ بنفسك، فقد قال الفيلسوف الصيني كونفوشيوس ذات مرة "لكي نرتب العالم، يجب أولاً أن نرتب الأمة، ولترتيب الأمة، يجب أولاً ترتيب الأسرة؛ ولترتيب الأسرة؛ يجب علينا أولاً أن نصلح حياتنا الشخصية؛ وليس ذلك إلا بأن نصلح قلوبنا".

إن مفهوم المواطنة ليس بدعة غربية كي ننفر منه، وإنما هو من أصول شريعتنا الإسلامية، فإذا كانت المواطنة تعني حبّ الوطن فقد سبقنا إلى ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذي نقلت عنه كتب السيرة حنينه إلى موطنه مكة بعد أكره على مغادرتها.

وإذا كانت المواطنة تعني ميثاق الحقوق والواجبات، فقد وضّح القرآن الكريم في غير موضع حقوق الأفراد على بلدانهم، وواجباتهم نحوها.

وقد قال العلماء أن الوطن وعاء المواطنة، فمن عاش في بلدٍ، آمنًا مطمئنًا، يجد قوته، ويحصل على حقوقه في الرعاية، توّجب عليه أن ينصح لهذا الموطن، وأنّ يسعى لخدمته، وأن يحفظ أمنه واستقراره.

ما أحوجنا في هذه المرحلة الحرجة من حياة مملكتنا الحبيبة، أن نعيد تعريف حب الوطن، وأن نحوله من مجرد عاطفة جيّاشة في الصدور، إلى أفعال منجزة في كلّ الميادين.