الجغرافيا تستدعي التاريخ
الأحد - 16 أكتوبر 2022
Sun - 16 Oct 2022
أمريكا المنكفئة على نفسها من خلال الجغرافيا التي كانت وما زالت تنأى بها دائما عن مناطق الصراعات حول العالم، تواصل التدخل والتداخل مع المتغيرات والاضطرابات التي تحصل في كل مكان، فمن الصراع في أوكرانيا مرورا بأزمات الطاقة وصولا إلى الاتفاق اللبناني الإسرائيلي الأخير الذي كان برعايتها، كل ذلك يؤكد أن أمريكا اليوم هي الأقوى حتى حين!
أمريكا بعيدة عن مناطق التوتر والصراعات وهذا أحد أسباب عافيتها الدائمة وقدرتها على صناعة الأثر والتأثير في كل مكان في العالم، دون خوف أو تردد من انعكاس سلبي قد يؤثر على داخلها الذي ما زال صامدا وقادرا على التماهي مع مفاهيم أمريكا العظمى وطموحاتها الأعظم.
أوروبا كانت الساحة الأكبر لحربين عالميتين، شكلتا بمآسيها وعبرها إرثا إنسانيا ما زال يدرس ويدرّس للأجيال المتعاقبة، وفي هاتين الحربين كانت الأراضي الأمريكية في منأى عن هذه الصراعات، في نهاية الحرب الأولى كانت المشاركة الأمريكية، وذلك بعدما اتضح لساستها في ذلك الحين أن اللحظة الفارقة قد حانت لتسجيل أول حضور أمريكي حقيقي وفعال على الساحة الدولية، وبعد الانتصار الكبير عادت أمريكا إلى داخلها سالمة وإن لم تغنم، في حين أن فرنسا وبريطانيا عادتا لتأكيد نفوذهما حول العالم وتقديم نفسيهما من جديد كقوتين استعماريتين لا ينازعهما أحد، في ظل هزيمة ألمانيا ورضوخها للشروط المجحفة التي كسرت كيانها وجمدت نشاطها ردحا من الزمن.
ومع بداية الثلاثينات ظهر النازيون فجأة وبانتخابات (ديمقراطية!) وصل هذا الحزب (المتطرف) إلى سدة الحكم وبدأ هتلر يحضر العالم لحرب عالمية جديدة، الغريب أن ذلك كان أمام نظر وسمع العالم الغربي دون أن يكون له موقف حازم وصريح يحتوي هذا الحزب المتطرف وسياساته الأكثر تطرفا التي كانت تنبئ بتحولات قادمة على الساحة الأوروبية والعالمية، وهذا لغز كبير يجعلنا نتساءل لماذا ترك العالم الغربي هتلر وحزبه يصلان إلى سدة الحكم في ألمانيا؟!
أمريكا كانت خلف المحيطات تراقب تسارع الأحداث في أوروبا والعالم، وكان تشرشل رئيس وزراء بريطانيا حينئذ يتوسل الأمريكان التدخل والدخول في أتون تلك الحرب، لتغيير موازينها وحفظ العالم من هتلر وطموحاته التوسعية الجديدة، وبالفعل وكعادتهم يتذرع الساسة الأمريكيون للداخل الأمريكي بحادثة تبرر هذا التدخل، فكانت بيرل هاربر، التي تثبت الوقائع التاريخية أنها كانت معلومة للأمريكان، والدليل كما يقال إن حاملات الطائرات الثمينة قد كتبت لها النجاة، عندما قرر لها ترك الميناء قبل الهجوم الياباني بفترة وجيزة! نتيجة لذلك تدخل أمريكا الحرب الثانية مسلحة بعافية داخلية قوية، واقتصاد داخلي رأى أربابه وصناعه في تلك الحرب فرصة للتعافي من نكسات الثلاثينات وكسادها العظيم، وبمشروع طموح لصناعة القنبلة النووية في سباق مع هتلر الذي كان يعمل للغاية نفسها، وبالفعل تستطيع أمريكا مساعدة نفسها لتكسب الحرب ولتعلن نفسها كقوة عظمى لا ينازعها أحد، وبنظام عالمي جديد تكون أحد أقطابه قبل أن تصبح بعد عقود قليلة قطبه الوحيد حتى الآن.
اليوم أوروبا منقسمة على نفسها، فقيرة على مستوى الموارد الطبيعية، أسيرة للسطوة الأمريكية، وبوتين يمارس من الجهة الشرقية للقارة العجوز فوضى عارمة مثيرة للرعب، وخاصة بعد تصريحاته الأخيرة باستخدام السلاح النووي، وأمريكا كعادتها تتفرج وتنتظر اللحظة الفارقة لتقتنص الفرصة وتقتص من منافسيها، حتى لو كان الثمن مدفوعا مقدما من حلفائها الأوربيين التقليديين الذين عرتهم الأزمة الأوكرانية وأظهرتهم بمظهر التابع الضعيف.
ترى هل سيعيد التاريخ نفسه وتدخل أمريكا العالم في أتون فوضى عارمة لتقطف كعادتها ثمار ذلك؟ الجواب نعم، لأن هذا ما تشي به الأحداث الجارية التي تؤكد أن قوة أمريكا تكمن في قوانين الجغرافيا التي تجعلها بعيدة عن مناطق التوتر، ومواردها الطبيعية الضخمة، وسياساتها القائمة على عدم استقرار هذا العالم، ونظامها الداخلي الذي مازال صامدا أمام المتغيرات التي جعلته الأكثر ثباتا في مواجهات الهزات التى تغير العالم وتعصف بدوله وشعوبه، كل ذلك وأكثر يسمح لأمريكا أن تمارس سياساتها التوسعية (عن بعد) لتنقض بعد ذلك على العالم لتشله معيدة إشكالاته المختلفة إلى السطح ليتسنى لها إعادة تشكيله من جديد.
alaseery2@
أمريكا بعيدة عن مناطق التوتر والصراعات وهذا أحد أسباب عافيتها الدائمة وقدرتها على صناعة الأثر والتأثير في كل مكان في العالم، دون خوف أو تردد من انعكاس سلبي قد يؤثر على داخلها الذي ما زال صامدا وقادرا على التماهي مع مفاهيم أمريكا العظمى وطموحاتها الأعظم.
أوروبا كانت الساحة الأكبر لحربين عالميتين، شكلتا بمآسيها وعبرها إرثا إنسانيا ما زال يدرس ويدرّس للأجيال المتعاقبة، وفي هاتين الحربين كانت الأراضي الأمريكية في منأى عن هذه الصراعات، في نهاية الحرب الأولى كانت المشاركة الأمريكية، وذلك بعدما اتضح لساستها في ذلك الحين أن اللحظة الفارقة قد حانت لتسجيل أول حضور أمريكي حقيقي وفعال على الساحة الدولية، وبعد الانتصار الكبير عادت أمريكا إلى داخلها سالمة وإن لم تغنم، في حين أن فرنسا وبريطانيا عادتا لتأكيد نفوذهما حول العالم وتقديم نفسيهما من جديد كقوتين استعماريتين لا ينازعهما أحد، في ظل هزيمة ألمانيا ورضوخها للشروط المجحفة التي كسرت كيانها وجمدت نشاطها ردحا من الزمن.
ومع بداية الثلاثينات ظهر النازيون فجأة وبانتخابات (ديمقراطية!) وصل هذا الحزب (المتطرف) إلى سدة الحكم وبدأ هتلر يحضر العالم لحرب عالمية جديدة، الغريب أن ذلك كان أمام نظر وسمع العالم الغربي دون أن يكون له موقف حازم وصريح يحتوي هذا الحزب المتطرف وسياساته الأكثر تطرفا التي كانت تنبئ بتحولات قادمة على الساحة الأوروبية والعالمية، وهذا لغز كبير يجعلنا نتساءل لماذا ترك العالم الغربي هتلر وحزبه يصلان إلى سدة الحكم في ألمانيا؟!
أمريكا كانت خلف المحيطات تراقب تسارع الأحداث في أوروبا والعالم، وكان تشرشل رئيس وزراء بريطانيا حينئذ يتوسل الأمريكان التدخل والدخول في أتون تلك الحرب، لتغيير موازينها وحفظ العالم من هتلر وطموحاته التوسعية الجديدة، وبالفعل وكعادتهم يتذرع الساسة الأمريكيون للداخل الأمريكي بحادثة تبرر هذا التدخل، فكانت بيرل هاربر، التي تثبت الوقائع التاريخية أنها كانت معلومة للأمريكان، والدليل كما يقال إن حاملات الطائرات الثمينة قد كتبت لها النجاة، عندما قرر لها ترك الميناء قبل الهجوم الياباني بفترة وجيزة! نتيجة لذلك تدخل أمريكا الحرب الثانية مسلحة بعافية داخلية قوية، واقتصاد داخلي رأى أربابه وصناعه في تلك الحرب فرصة للتعافي من نكسات الثلاثينات وكسادها العظيم، وبمشروع طموح لصناعة القنبلة النووية في سباق مع هتلر الذي كان يعمل للغاية نفسها، وبالفعل تستطيع أمريكا مساعدة نفسها لتكسب الحرب ولتعلن نفسها كقوة عظمى لا ينازعها أحد، وبنظام عالمي جديد تكون أحد أقطابه قبل أن تصبح بعد عقود قليلة قطبه الوحيد حتى الآن.
اليوم أوروبا منقسمة على نفسها، فقيرة على مستوى الموارد الطبيعية، أسيرة للسطوة الأمريكية، وبوتين يمارس من الجهة الشرقية للقارة العجوز فوضى عارمة مثيرة للرعب، وخاصة بعد تصريحاته الأخيرة باستخدام السلاح النووي، وأمريكا كعادتها تتفرج وتنتظر اللحظة الفارقة لتقتنص الفرصة وتقتص من منافسيها، حتى لو كان الثمن مدفوعا مقدما من حلفائها الأوربيين التقليديين الذين عرتهم الأزمة الأوكرانية وأظهرتهم بمظهر التابع الضعيف.
ترى هل سيعيد التاريخ نفسه وتدخل أمريكا العالم في أتون فوضى عارمة لتقطف كعادتها ثمار ذلك؟ الجواب نعم، لأن هذا ما تشي به الأحداث الجارية التي تؤكد أن قوة أمريكا تكمن في قوانين الجغرافيا التي تجعلها بعيدة عن مناطق التوتر، ومواردها الطبيعية الضخمة، وسياساتها القائمة على عدم استقرار هذا العالم، ونظامها الداخلي الذي مازال صامدا أمام المتغيرات التي جعلته الأكثر ثباتا في مواجهات الهزات التى تغير العالم وتعصف بدوله وشعوبه، كل ذلك وأكثر يسمح لأمريكا أن تمارس سياساتها التوسعية (عن بعد) لتنقض بعد ذلك على العالم لتشله معيدة إشكالاته المختلفة إلى السطح ليتسنى لها إعادة تشكيله من جديد.
alaseery2@