ريما رباح

الإعلام تأثير.. لا تكسير!

الأحد - 16 أكتوبر 2022

Sun - 16 Oct 2022

بين دائرتين ‏كلما زاد الإعلام ميلا عن الحقيقة زاد المتلقي رفضا وابتعادا.. وبالتالي خسر التأثير في الرأي العام وتراجعت شركات الدعاية والإعلان وتوجب ضخ المزيد من الدعم المالي وهذه هي الدائرة السلبية، وفي المقابل كلما أثبت الإعلام مصداقيته ونجاعته كسب ثقة وولاء الجمهور وبالتالي قطف الثمرة المرجوة وأصبح ممولا ذاتيا ومؤثرا مجتمعيا وهذه هي الدائرة الإيجابية.. السؤال الآن (أين تقع بعض منابر الإعلام يا ترى؟).

‏الإعلام والرياضة

‏الإعلام رسالته البحث عن الحقيقة وإبلاغ الجمهور ودعم التماسك المجتمعي، والرياضة رسالتها تهذيب الأخلاق وتعزيز روح التعاون والروابط الاجتماعية؛ فالهدف المشترك بينهما هو رفع منسوب الوعي والقيم والصحة والسعادة المجتمعية، ولا يغيب عن المتابع البسيط حجم الدعم الملياري الذي تقدمه الدولة حفظها المولى لكلا القطاعين هنا، لقناعتها بأن المجتمعات النابضة بالوعي والحيوية مجتمعات متحضرة وسعيدة.

‏الإعلام مسؤولية

إذا كانت وسائل الإعلام مسؤولة عن تحسين ثقة الناس بالإعلام من خلال الالتزام بمبدأ عدم التحيز والصدق (فهل هذا يحدث دائما؟).

‏الإجابة (كلا).. فمما لا تخطئه العين والأذن أن كثيرا من البرامج المهتمة بالشأن الرياضي كمثال أصبحت قائمة على إذكاء الخلاف وتوسيع الفجوة بين المشاهدين لصالح مكاسب آنية ضاربة بمسؤولياتها المثلى عرض الحائط..

ولعلنا نستحضر من العالم الحادثة المؤسفة التي شهدتها دولة إندونيسيا بوفاة ما يقارب مئتي مشجع غضبا في ملعب كرة قدم لخسارة فريقهم، والتي تترجم عمليا عواقب الشحن الإعلامي باستغلال الوسائل الإعلامية وفي مقدمتها البرامج الرياضية في التلفزيون التي حملت إيقاد مرجل التعصب وتوجيه الشارع الرياضي بالانحياز لأقطاب الاحتقان والتشنج والعدائية.. إذن فأيما خلل يخل بالحيادية والمصداقية هو بمثابة وأد لكل خطط نشر التسامح والتصالح والوعي الإيجابي والحث على الترابط المجتمعي ويحتاج إلى علاج فعال.

‏ثقة المشاهد

‏اليوم المشاهد أصبح أكثر فطنة من أي وقت مضى في اختيار مصادر المعلومات والأخبار فغدا حريصا جدا في تقييمه لدقة وحيادية ومصداقية منصات الإعلام التي يشاهدها.

‏واقع البرامج الرياضية يقول إذا ما أجريت استطلاعات رأي موثوقة متضمنة كل الفئات مع رصد موقف المتعلمين والمختصين على مستوى الوطن ومقارنتها باستطلاعات سابقة؛ فإن المراقب سيتبين تراجعا كبيرا في التقييمات والاحتمال الأكبر أن يجد (ثقة المجتمع) في أدنى مستوياتها على الإطلاق!

‏انهيار الثقة لا تنحصر عواقبه في إهدار الميزانيات وهو ليس شأنا يسيرا، بل تتعداه إلى التسبب بأضرار عميقة في سلوكيات الفرد وصحته الجسدية والنفسية وتعامله مع المحيط الذي يعيش فيه وسعادة المجتمع ككل، وللأسف المشهد مليء بالبرامج التي فضلت عدد المشاهدات على مسؤوليتها الإعلامية.

‏باختصار إذا ما شاءت الأرقام التكلم عن جميع الخاسرين فلن يمكنها إلا وضع (البرامج الرياضية) على رأس القائمة؛ فحالة السخط من البرامج التي تميل حيث الميول متخندقة في بؤرة التعصب مذكية للحنق الجماهيري.. هي (جرس إنذار يصم الآذان)!

‏البرامج الحوارية

‏مصباح إضاءة على القضايا التي تهم الجمهور، واختيار الضيوف محور حيوي يتطلب عناية فائقة هنا؛ فالضيف يجب أن يكون ذا شخصية تتمتع بسمات مميزة تجذب المشاهد وتقدم إضافة تتماهى مع توجه القناة والاستراتيجية الإعلامية العامة.

‏المتابعة والإصلاح.. المعادلة طرفان.. الإعلام والمجتمع.. والأصل أن يبحث الناس عن الحقيقة في قنوات الإعلام.. يبدأ الخلل إذا انحرفت البرامج عن الحيادية وأثارت التعصب والكراهية، والحالة الأقسى إذا استضافت بعض الشخصيات المرفوضة مجتمعيا، فهذا يلقي بظلاله القاتمة، خاصة حين يمر الوقت ويرتفع صوت الناس بالشجب والتنديد ولا تبادر إدارة القناة إلى التصحيح ببيان توضيحي ولا باعتذار، وكأن شيئا لم يكن!

‏الخطأ الاستراتيجي الفادح هذا يتطلب القيام بالمساءلة من خلال حزمة إجراءات إدارية وقانونية ومساءلة فريق البرنامج والتنبيه بغرض تصحيح المسار وبشكل مباشر.

‏تعليق الجرس في الإعلام (عدم الثقة أسهل من وجود الثقة).. حادثة مهمة واحدة تهدم الثقة في مصدر الخبر وإلى الأبد!

‏خط أحمر مزدوج

‏عند هذا التقاطع يبرز سؤالان مهمان.. أولهما هل يمكن أن يبقى المشاهد متابعا للبرامج أيا كانت اجتماعية أو رياضية إذا كانت تذكي التعصب وتبث سمومه وتكيل التهكم والسخرية على فئات مجتمعية بطريقة ثابتة؟ وثانيهما ماذا نتوقع من المواطن حين تستضيف قناة تلفزيونية ضيوفا عليهم الكثير من علامات الاستفهام لمواقفهم السابقة المثبتة ضد الوطن والمجتمع ومكوناته ثم تستمر في عملها بشكل روتيني ودونما أي اعتذار؟

‏السعوديون يتزينون بعاطفة وطنية لا مثيل لها في العالم.. فهل ثمة ضمان هنا بألا تنحرف البوصلة وألا يفقد المجتمع الثقة في منظومة الإعلام ككل؟! بالتأكيد والتوكيد.. (الأمر عظيم)!!

‏قوة المرساة

لا يمكن أبدا - وتحت أي مسوغ أو ذريعة - أن يسمح لأحد بإذكاء التعصب والتهاون مع أعداء الوطن واعتباره موضوعا عاديا وطبيعيا.. هذا الأمر مرفوض تماما وقطعيا.

‏إذن فأين موقع الإعلام؟ إذا كانت الرسالة هي «الحقيقة» والمسؤولية هي «الوعي».. فإن إحداثياته هي «مصلحة المجتمع».. نعم.. نتطلع إلى الإعلام (المؤثر) وليس (المكسر)!

RimaRabah@