شاهر النهاري

صورة عمران ودموع الخذلان

الأربعاء - 24 أغسطس 2016

Wed - 24 Aug 2016

لم تكن مذيعة شبكة «سي إن إن CNN» الأمريكية منفردة بمشاعر الحسرة، ومدامع القهر، التي كانت تغالبها وهي تنقل بصوتها للعالم خبر انتشال الطفل السوري (عمران)، من تحت الأنقاض، حيث ناحت مثلها وقبلها وبعدها ملايين الأعين، وتوجعت صفوة المشاعر، التي ما تزال حية نابضة على مدى الكرة الأرضية.



وعلى الجانب المظلم من العالم تباكت أعين بعض التماسيح وهي تقضم عظام الجماجم؛ وتعامت ملايين الأعين المجرمة المشاركة في الظلم ولو عن طريق الصمت، فلم تحاول حتى أن تتمعن في تفاصيل ومعاني تلك الصورة، المعبرة عن بشاعة وتخلف وكرب وذل ما يحدث في سوريا.



تلك الصورة الصادمة للطفل (عمران)، حطمتنا حزنا عليه وهو يقبع منفردا مستسلما في مقعد سيارة إسعاف بعد تعرض منزله بحي (القاطرجي)، لغارات جوية نفذتها مقاتلات النظام السوري، بحال شقاء يصعب تخيله وتوصيفه؛ وصدمة خوف واستسلام وجمود مشاعر ودهشة أعمق من كل توصيف.



طفل غض غير مستوعب لأبعاد حرب تدور رحاها فوق رأسه طوال أيام عمره البائس، ليعتقد أن هذا هو الطبيعي، فبعد أن كان بمنزله، وسط أسرته، يجد نفسه فجأة أمام منظر من العبثية والإزعاج، والمرارة يشيب لها أقرانه، فيختصر في لحظات عصيبة فضائع ويلات الحرب، وظلم البشرية، ودمويتهم، وتوحشهم وصفاقتهم.



صورة لا يعادلها من البشاعة إلا صورة الطفل السوري (إيلان)، الذي هلك على شاطئ تركي بعد محاولته الهروب بحرا إلى أوروبا مع خوف وليل وموج.



صورة عمران وهو لا يبكي ولا يصرخ ويكتفي بالنظر إلى عدسات مصوريه، ويمسح وجهه بين الحين والآخر بحركة عصبية مريرة تلقائية أشعلت المشاعر في مواقع التواصل، وفي شتى قنوات الإعلام، وفي أروقة الأمم المتحدة، ومنظمات حقوق الإنسان، وحماية الطفولة؛ وكل يبكي ويغني على ليلاه، والطفل متسمر في جلسته التاريخية، مغطى الوجه بالدماء الجافة، ومكسو الجسد ببقع الغازات والحمم والغبار، وبجذوة طفولة محترقة.



جسده الضئيل كان مثخنا بعدد كبير من الكدمات والخدوش، والجروح، وثلاث شظايا استقرت برأسه، وأخرى بالغة في يده.



وحسرة نحاول تفهم بعض معاني نظرته الخالدة للعالم، بمن فيهم من كان يُجلِسُهُ في مقعد الإسعاف، ومن كان يلتقط له الصور، ومن كان يحاول تفحص جروحه الظاهرة، وينفض عنه بعض الغبار، وهو مطرق في التفكير مغالب للشرود، فلم يكن هاجسه مرتكزا على يقين معطيات يدركها بسنواته الغضة، ولكنه بلا شك يتساءل عن هذا الكون الناري الشيطاني، الذي ولد فيه، وعاش أيامه تحت براثن قسوته ونيره، وظلامه وخوفه، لينتزع من جوفه الصغير كل المشاعر الغضة قاطبة!.



ماذا يريد أساطين العالم منه، ولماذا لم يجدوا أين يتطاحنون إلا تحت سمائه وفوق أرضه، متنافسين لسرعة دفنه تحت حارق الغازات والركام!.



ما هي جنايته العظمى، التي لم يدرك حدودها، ولم يتمكن من الاعتذار عنها، ولا طلب الغفران من الجميع وطلب الصفح.



عينه كانت برعشتها ناطقة، وكم من عظيم الاحتقار كانت تكيله لهذا العالم المرير الخسيس.



فمه مغلق، ولكنه كان يريد أن يتفل على كل وجه شارك في الحروب على بيته وحياته ووطنه، سواء بحضوره الفعلي، أو بالنيابة عن شيطان.

[email protected]