خالد عمر حشوان

رحلة المعاناة من وإلى المدارس

السبت - 15 أكتوبر 2022

Sat - 15 Oct 2022

هي رحلة معاناة يومية يقوم بها الآباء وبعض الأمهات، الذين يحرصون على إيصال أبنائهم وبناتهم للمدارس صباحا ومن ثم إعادتهم منها بعد الظهر بمركباتهم الخاصة، والتي تستغرق وقتا أكثر من اللازم، كل حسب المسافة التي يقطعها في كل مرحلة، وما يؤلمنا جميعا في هذه الرحلة هي الفوضى العارمة لدى بعض السائقين بمختلف أعمارهم، حتى لا نظلم الشباب بسبب عدم الالتزام بالمسارات الخاصة أو الدخول الخاطئ أو عكس الاتجاه أو تعطيل مسار المركبات في المخارج الفرعية، خاصة تحت الجسور، والوقوف الخاطئ.

أما ما أغضبني بشدة هي حالات متكررة جعلتني أفكر مليا في نوعية هؤلاء البشر، بسبب وقوف بعض السائقين على الجانب الأيسر وليس الأيمن من المسار لإنزال الطلاب أو الطالبات للشارع المقابل، وخطورة تعريض المركبة للاصطدام وتعريض كل من فيها من أرواح للخطر من أجل تخطي الأطفال للشارع المقابل على الأقدام، والوصول لبوابة المدرسة لاختصار الوقت، هذا إضافة إلى عدم وجود خط سير موحد للمركبات أمام المدارس لإنزال الطلاب والطالبات، وتنظيم الحركة المرورية أمام المدرسة تحت إشراف إدارة المدرسة، ولإحقاق الحق فقد شاهدت إحدى المدارس التي تميزت بهذا التنظيم بشكل أكثر من رائع وعلى أعلى مستوى من وسائل السلامة المستخدمة، وكان يقف على هذا الموضوع مديرها شخصيا كل صباح من الساعة السادسة مع نخبة مميزة من المعلمين النشطاء الذين ينظمون الحركة المرورية أمام بوابة المدرسة، وهي حالات فردية ومبادرة مشكورة تجعلنا نقف احتراما وإجلالا لهذا المدير المميز وفريق عمله الفعال، ونتمنى الاستفادة من هذه التجربة في جميع المدارس.

ناهيك عن التكدس المروري وحركة السير التي تشهدها مدينة جدة هذه الأيام بسبب الأحياء العشوائية المزالة والمشاريع التي تليها، والذي يستنزف الكثير من طاقة الآباء والأمهات في أداء أعمالهم، والطلاب والطالبات في الاستيعاب والتحصيل الدراسي اليومي والاختبارات الدورية، وما تسببه هذه الرحلة من تأخير لبعض الطلاب عن الحصص الأولى، أو الآباء والأمهات في الوصول لأعمالهم في الوقت المحدد والحرج الكبير الذي يجدونه مع رؤسائهم من هذا التأخير.

وهناك مؤثرات أخرى بنسب مختلفة أسهمت في جعل هذه الرحلة مليئة بالمعاناة، مثل الكثافة السكانية التي زادت أخيرا في بعض الأحياء، وزيادة عدد السائقين والسائقات شهريا وغيرها من الأسباب المختلفة التي تجعلنا في أمس الحاجة إلى احترام وتقدير بعضنا بعضا في القيادة واحترام المسارات وعدم التجاوز غير القانوني والمحافظة على الأرواح، خاصة الأطفال الذين هم أمانة في أعناقنا جميعا، والممتلكات الخاصة والعامة، وتعليم الأبناء في هذه الرحلة كيفية احترام الأنظمة والقوانين والترتيب والتنظيم والتخطيط الزمني في الذهاب للمدرسة والعودة منها، وطريقة الدخول للمدارس وتعويدهم على الحضور مبكرا لتلافي الازدحام والارتباك، وعدم العيش في حالة من الضغط النفسي المؤثر في عملية استيعاب الدروس اليومية.

كما أن هذه الرحلة، خاصة الفترة الصباحية، تكون فرصة جيدة للحديث مع الأطفال وغرس القيم العادات الحسنة في نفوسهم، ومجالا خصبا للنقاش في أمور كثيرة تفيدهم مستقبلا وتصنع منهم جيلا صالحا يفيد نفسه وشعبه ووطنه وأهله من واقع الحرص على التربية الصالحة والالتزام واحترام النفس قبل الآخرين، كما قال المصطفى عليه أفضل الصلاة والسلام في حديث عبدالله بن عمر رضي الله عنهما «كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته، والأمير راع، والرجل راع على أهل بيته، والمرأة راعية على بيت زوجها وولده، فكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته».

رسالتي لكل الآباء والأمهات الذين يشاركون في هذه الفوضى المدرسية ويتسببون في ازدحام الطرقات وتأخير الآخرين وتعطيل مصالحهم وتعريض أطفالهم وأطفال غيرهم للمخاطر والإصابات، ويرغبون في تعليم أبنائهم وبناء أجيال ناجحة للمستقبل، كيف يمكن لذلك التناقض الواضح أمام الأبناء وهذه الفوضى أن تنشئ أجيالا ملتزمة وصالحة للمستقبل؟ وقد أكد الله ذلك في كتابه الكريم في قوله تعالى «أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون».

ولا أنسى إبداع الشاعر أبوالأسود الدؤلي في قصيدته التي قال فيها:

يا أيها الرجل المعلم غيره

هلا لنفسك كان ذا التعليم

تصف الدواء لذي السقام وذي الضنا

كيما يصح به وأنت سقيم

وتراك تصلح بالرشاد عقولنا

أبدا وأنت من الرشاد عديم

فابدأ بنفسك فانهها عن غيها

فإذا انتهت عنه فأنت حكيم

فهناك يقبل ما تقول ويهتدي

بالقول منك وينفع التعليم

لا تنه عن خلق وتأتي مثله

عار عليك إذا فعلت عظيم