وليد الزامل

التخطيط الإقليمي ومستقبل التنمية العمرانية

السبت - 15 أكتوبر 2022

Sat - 15 Oct 2022

كنت في حوار مع أحد الزملاء في قسم التخطيط العمراني حول أبرز التحديات العمرانية التي يمكن أن تواجه المدن السعودية مستقبلا؛ فذكرت له أهمية إيجاد خطة إقليمية تأخذ في عين الاعتبار الاستغلال الأمثل للموارد المتاحة في المناطق، وتحديد الحجم الأمثل للمدن ضمن الإقليم الواحد من الناحية السكانية والمساحة وصولا إلى تنمية متوازنة.

في الحقيقة، معظم الإشكالات الحضرية التي تواجه المدن نابعة من ضعف في سياسات التنمية الإقليمية في العقود الماضية. على سبيل المثال، أسهمت تنمية المدن الكبرى على حساب المدن الصغيرة والأرياف في هجرة السكان إلى المدن الكبرى بحثا عن الوظائف وفرص العمل والاستثمار.

وفي الجانب الآخر، تقلص حجم النمو السكاني في المدن المتوسطة والصغيرة نتيجة الهجرة وقلة الاستثمارات وفرص توليد الوظائف. ومن المثير للدهشة، أن العديد من المدن المتوسطة أو الصغيرة تتوفر بها الموارد الذاتية سواء كانت طبيعية أو سياحية أو ثقافية ولكن العديد منها يفتقد للبنية الحضرية التي تعزز من الاستغلال الأمثل لهذه الموارد وصولا لتحقيق التنمية المستدامة.

منذ عام 1970، سعت المملكة العربية السعودية إلى تطوير الخطط الخمسية بهدف تعزيز الاقتصاد السعودي وتنويع الإيرادات غير النفطية. لقد أشارت خطة التنمية الأولى (1970-1975) إلى أن الاقتصاد السعودي يعتمد بشكل رئيس على النفط ويحتاج دعما للقوى العاملة. وتمثلت أبرز التحديات التي واجهت المدن السعودية في تلك الفترة بضعف البنية التحتية وعدم تكامل الخدمات والإسكان، لذلك، سعت مستهدفات الخطط الخمسية إلى التوسع في حجم الاستثمار في الخدمات والتعليم والصحة والإسكان ولا سيما في فترة الطفرة الاقتصادية. بنيت العديد من المستشفيات الكبرى والمراكز الاقتصادية والجامعات في المدن الكبرى مثل الرياض، وجدة، والدمام.

وهكذا، أصبحت العديد من المدن الكبرى بيئات جاذبة تتمتع ببنية تحتية متكاملة وخدمات ومراكز أعمال؛ في حين شكلت مكة المكرمة والمدينة المنورة مركز جذب لمكانتهما الدينية وبلغت نسبة السكان في هذه المدن مجتمعة أكثر 50% من إجمالي سكان المملكة العربية السعودية.

كما استحوذت منطقة الرياض، ومكة المكرمة، والمنطقة الشرقية على ما يعادل 69% من إجمالي الهجرة الداخلية بين المناطق.

إن الخلل في توزيع التنمية العمرانية على مستوى الإقليم يصاحبه هجرة متنامية للسكان إلى المدن الكبرى بحثا عن تحسين الظروف الاقتصادية والمعيشية.

وعليه تصبح العديد من المدن الصغيرة والمتوسطة بيئات طاردة للسكان على الرغم من توفر الموارد الذاتية. ولعلي ألخص أبرز المبادئ الاستراتيجية لتنمية المدن الصغيرة فيما يلي:

أولا، تطوير استراتيجية محلية للمدن الصغيرة ضمن إطار خطة إقليمية متكاملة بحيث تستغل الموارد الذاتية في المدينة وتعمل على توظيفها لخدمة المجتمع المحلي، ويشمل ذلك بناء التوجه المستقبلي لاقتصاد المدينة سواء في مجال السياحة، أو الترفيه أو الصناعة.

ثانيا، تطوير بنية حضرية في المدن الصغيرة وتعزيز الوصولية لها ويشمل ذلك بنية اتصالات عالية، وشبكات النقل البري، وتوفير المطارات المحلية أو الدولية.

ثالثا، تحفيز القطاع الخاص على الاستثمار في المدن الواعدة وتوليد فرص عمل للمجتمع المحلي بشكل يساعد على استقرار السكان؛ بل وزيادة معدلات الهجرة العكسية من خلال تطوير تشريعات عمرانية مرنة وجاذبة للاستثمار.

وأخيرا، ضخ مشاريع نوعية في المدن الصغيرة وتحسين جودة الحياة فيها وبشكل يتلاءم مع طبيعة المدن وإمكاناتها ومواردها الذاتية.

waleed_zm@