علي قطب

وحيد حامد والقطار والدراما

الجمعة - 14 أكتوبر 2022

Fri - 14 Oct 2022

اختار وحيد حامد رمزا مهما في أعماله الدرامية، هو القطار، هذا الاختيار أتاح له مجموعة من المحاور تخدم فكره وعوالمه وتكويناته، فالقطار يرتبط بأماكن ثرية في الإعداد لعالم حافل بالصراع، في هذا العالم يلتقي العابر والمقيم أو المنتمي والمغترب في سياق تتخلق من خلاله أسباب الحياة الاقتصادية والاجتماعية الغريزية والروحية، تقام فيه العلاقات المتنوعة؛ كي تنمو الدراما وتتصاعد، كأن القطار خلفية لهذا العالم، وصوته إيقاع منذر بخطر المفاجأة واقتراب الوصول والرحيل، في الوقت نفسه يعد القطار مفردة تعبيرية لحركة الحياة ومرور الزمن الذي يلاحق الإنسان ويتجاوزه تاركا إياه في مكانه معلقا بين الأمس والغد، في الوقت نفسه يصل القطار بين مجتمعات الهامش والمركز حاملا هموم البسطاء وطموح البرجوازيين كما يحمل شقاء المطاردين، تلتقي فيه العواطف المؤجلة أو يأخذ بالمحرومين إلى الضواحي النائية، فربما تنقذهم الطبيعة من صخب الضغط الاجتماعي الملاحق لهم، ومن خلال الأعمال التالية يمكن رصد أهمية ودلالة هذا الرمز بالغ الدلالة لدى حامد.

في الفيلم العذب "الإنسان يعيش مرة واحدة 1981" الذي أخرجه سيمون صالح، ولم ينل حقه من التقدير أفرد حامد للقطار مساحة حضور كبيرة، حيث لعب دورا محوريا في البناء الدرامي للفيلم، فالبطل هاني (لعب دوره عادل إمام) المدرس المنقول إلى السلوم عقابا له، يقابل أمل (لعبت دورها يسرا) الطبيبة التي تعاني الفقد والاكتئاب في القطار، والمطاردة الكبرى في الفيلم بين هاني وبكري (لعب دوره علي الشريف) من جانب أمام هريدي (لعب دوره نعيم عيسى) من جانب آخر والذي يرغب في الثأر والانتقام من بكري الذي ظل هاربا منه لفترات طويلة، كأن مهمته في الحياة باتت الاختفاء فقط لا عيش حياته؛ لأنها لن تتكرر.

أما في فيلم "الهلفوت 1984" الذي أخرجه سمير سيف يلعب القطار دورا مختلفا، فلم يكتف حامد أن تكون محطة القطار مسرح الأحداث الأساسي في هذا الفيلم، بل تطور الأمر وشارك القطار في الأحداث طوال الوقت، فعسران (لعب دوره صلاح قابيل) لم يمت على يد عرفه مشاوير أو الهلفوت (لعب عادل إمام) أثناء صراعهما، بل مات بسكتة قلبية نتيجة الخوف من القطار القادم. كما شهد القطار أحداثا مهمة طوال أحداث الفيلم كعلاقة وردة (لعبت دورها إلهام شاهين) مع طلعت العجلاتي (لعب دوره أحمد فريد)، ومطاردة الشلقامي (لعب دوره حمدي سالم) لعرفة ودسوقي (لعب دوره سعيد صالح) والتي انتهت بمقتل دسوقي.

وفي مسلسل "سفر الأحلام 1986" الذي أخرجه نفس مخرج الهلفوت، نجد البطل أنيس (لعب دوره محمود مرسي) والذي كان يعمل بمصلحة السكة الحديد، وتشبع بنسق حركة القطارات من حيث الدقة والالتزام والسعي إلى هدف، كما أنه لا يغير مساره لأجل أحد، ويجب الإشارة هنا أن هذا الدور في تكوينه يتقاطع بشكل ملحوظ مع دور محمود مرسي في مسلسل رحلة السيد أبو العلا البشري (تاريخ العرض 1986) لكاتبه أسامة أنور عكاشة، وإن اختار أسامة وظيفة بطله قبل الخروج إلى المعاش متعلقة بالري والزراعة والأرض. بالإضافة لما سبق شهد القطار أحداثا مهمة منها لقاء حازم (لعب دوره صلاح السعدني) مع نجوى (لعبت دورها نجوى فؤاد)، ولا يمكن نسيان اللقطة الكوميدية الخاصة بخميس (لعب دوره نجاح الموجي) يجري على قضبان القطار ذاهبا من بلدته إلى القاهرة؛ لأنه لا يملك مالا لاستقلال القطار.

أما فيلم "البريء 1986" الذي يحمل طابعا تعبيريا قاسيا لمخرجه الجريء عاطف الطيب ظهر القطار في مشهدين مهمين، الأول لحظة استقلال مجموعة المعتقلين له وعدم ركوب المجموعة كاملة للقطار وتحركه وتعرضهم للسحل من قبله، أما الثاني فكان لأحمد سبع الليل (لعب دوره أحمد زكي) ونوارة (لعبت دورها إلهام شاهين) في رحلتهما للنزول إلى القاهرة، وأسهم في إبراز سمات إضافية للمجند سبع الليل في عيون نوارة حين تشاجر لأجلها مع راكب (لعب دوره عبده الوزير) كان يضايقها بالقطار.

في فيلم "أنا وأنت وساعات السفر 1988" الذي أخرجه محمد نبيه كانت أغلب الأحداث داخل القطار، ففكرة الفيلم قائمة على صدفة تجمع حبيبين قديمين (لعب دورهما يحيى الفخراني ونيللي) في القطار الذاهب للأسكندرية، إن القطار هنا موظف بدلالة عاطفية نفسية، فحركة القطار أثناء زمن السفر رمزا لاستعادة الزمن القديم الضائع بين البطلين. جدير بالذكر أن هذا الفيلم في الأساس كان مسلسلا إذاعيا، لعب أدوار البطولة فيه محمود مرسي ومحسنة توفيق.

أما في فيلم "المنسي 1993" الذي ظهر ضمن سلسلة التعاون اللافت بين وحيد حامد وشريف عرفة ويعد مثالا لكيفية العمل على فيلم تدور أحداثه الأساسية في يوم واحد. كان للقطار نصيب الأسد فيه، فالبطل يوسف المنسي (لعب دوره عادل إمام) يلعب دور محولجي قطارات أثناء وردية الليل وخلال عمله تلجأ إليه غادة (لعبت دورها يسرا) التي يطاردها رب عملها أسعد ياقوت (لعب دوره كرم مطاوع) لأجل تقديمها كهدية لرجل الأعمال حسان حسان (لعب دوره بيير سيوفي) لترضيته حتى يشتري شركة خاسرة يملكها أسعد. إن هذا الفيلم يمثل حالة خروج الشخصية المحورية عن التطور وتحقيق الأحلام، فالقطار يمضي وهو كامن في مكانه، إن البطل منسي اسما وصفة على مستوى الزمان والمكان، يتحرك العالم من حوله وهو لا يستطيع الحركة رغم كونه أحد الأدوات المحركة للعالم.

يعد فيلم "النوم في العسل 1996" آخر تعاون ثلاثي جمع بين وحيد حامد وشريف عرفة وعادل إمام وقد ظهر القطار في تسلسل المشهد الافتتاحي، وكان حضوره دالا وقويا رغم عدم تجاوزه لثوان معدودة، حين قام العريس كريم (لعب دوره ياسر جلال) بالوقوف على شريط القطار واستقباله فاتحا ذراعيه رغبة في الانتحار نتيجة لعجزه عن ممارسة الجنس ليلة زفافه. إن القطار هنا يمثل حركة الحياة التي تدهس وتسحق كل من لا يقدر على عيشها وممارستها، إنها عقاب العاجز الذي يذهب إليها بإرادته؛ لأن حياته تحت هذا الضغط بلا معنى أو قيمة ولا تأثير له فيها.