سالم الكتبي

أخطاء أمريكية متكررة

الأربعاء - 12 أكتوبر 2022

Wed - 12 Oct 2022

رغم كل محاولات ترميم ومعالجة الأخطاء التي وقعت فيها الإدارات الأمريكية السابقة في علاقاتها مع دول مجلس التعاون، ورغم مزاعم إدارة الرئيس بايدن بأنها تسعى إلى إثبات التزامها بالشراكة مع حلفائها في دول مجلس التعاون، فإن هذه الوعود تسقط تماما في مواجهة أول اختبار جاد، وقد حدث ذلك بالفعل عقب الاعتداءات الإجرامية التي تعرضت لها منشآت نفطية في المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات، حيث جاء رد الفعل الأمريكي مخيبا للآمال، وعلى غير المتوقع، ويجافي متطلبات الدفاع عن المصالح الاستراتيجية الأمريكية وليس الخليجية.

واقعيا فإن هناك تغيرات لا يمكن إنكارها قد طرأت على قائمة الاهتمامات الأمريكية في العقدين الأخيرين، والأمر لم يبدأ منذ تولي الرئيس بايدن منصبه كما يعتقد البعض، بل سبقه سلفه ترمب ومن قبل أوباما، الذي وقع الاتفاق النووي مع إيران عام 2015، كاشفا عن رؤية أمريكية جديدة تتجاهل فيها واشنطن وجهات نظر حلفائها حتى وإن لامست أمنهم القومي وهددت الاستقرار في منطقة يفترض أنها من أكثر المناطق حساسية ضمن حسابات المصالح الاستراتيجية الأمريكية.

بلا شك أن مخططي السياسات الأمريكية انطلقوا في حساباتهم الجديدة من زاوية واحدة فقط، وتتلخص في النظريات القائلة باقتراب نهاية عصر النفط، وولوج عصر جديد لا مكان فيه للطاقة التقليدية ومن ثم للدول المنتجة والمصدرة لها، وهذا كان الخطأ الأكثر فداحة لهؤلاء.

كانت الفوضى العارمة في المنطقة العربية عام 2011 كاشفة للتحولات الأمريكية، وانتهت إلى تعميق جدار الشك وعدم الثقة بين واشنطن وحلفائها العرب، والخليجيين على وجه الخصوص، ولم تفعل الولايات المتحدة أي جهد حقيقي مضاد لتنامي الشكوك، التي أخذت تنخر في جدار التحالف التقليدي، بل وجهت اهتمامها بشكل كامل نحو شرق آسيا، حيث التحدي الصيني المتنامي، وأقدمت على انسحابات متتالية من أفغانستان والعراق، ونفضت يديها من أزمتي سوريا وليبيا واكتفت بدور شكلي في اليمن!

وفي الأخير جاءت الأزمة الأوكرانية لتعمق الشرخ القائم في التحالف الخليجي - الأمريكي، وكان الأمر واضحا ويدق جرس الإنذار في واشنطن، التي لم تفعل شيئا سوى إطلاق تصريحات الطمأنة، التي تصطدم مع الواقع في كل تصرف أمريكي، وآخر حلقات ذلك جاء على لسان وزير الخارجية الأمريكية أنتوني بلينكن الذي قال في سياق التعليق على قرار منظمة «أوبك+» بشأن خفض إنتاج النفط أن «الإدارة الأمريكية تدرس عددا من خيارات الرد بشأن العلاقات الأمريكية - السعودية»، موضحا أن بلاده لن تفعل أي شىء من شأنه أن يضر بمصالحها وأنها تتشاور عن كثب مع جميع أصحاب المصلحة المعنيين عندما تقرر أي خطوات في هذا الشأن! لا أدرى في أي شىء كان يفكر السيد بلينكن حين تحدث عن «خيارات الرد» مختزلا قرار منظمة «أوبك+» في المملكة العربية السعودية، ومعتبرا الموضوع كله حلقة من العداء المتبادل، والأمر ليس كذلك مطلقا، ولكنها العصبية والتسرع اللذان يطغيان على الأداء السياسي الأمريكي في الآونة الأخيرة.

أعتقد أن هذا الخطاب السياسي الأمريكي يمثل امتدادا لسلسلة من الأخطاء الاستراتيجية التي تتورط فيها الإدارات الأمريكية المتعاقبة تحت ضغط التشنج السياسي والحسابات الانتخابية ضيقة الأفق، فالمملكة العربية السعودية ليست عدوا للولايات المتحدة، وبالتأكيد لم توافق على قرار خفض إنتاج النفط نكاية في صانع القرار الأمريكي، لأن مصالح الدول لا تدار -ببساطة- من هذا المنظور الضيق، والسعودية لم تتخذ القرار منفردة بل شاركتها فيه دول «أوبك+» جميعها بناء على حسابات سوقية بحتة لا علاقة لها بالاصطفاف إلى جانب روسيا كما يزعم البيت الأبيض، ولا الحسابات الخاصة بانتخابات التجديد النصفي للكونجرس الأمريكي، التي تقف وراء غضب الرئيس بايدن الشديد حيال قرار المنظمة.

لا أرى -شخصيا- سببا واحدا مقنعا يجعل المسؤولين الأمريكيين ينتظرون دعما مجانيا من «أوبك+» وأعضائها الذين تريد منهم التخلي عن حسابات السوق والدراسات المتخصصة، والتضحية بمصالح شعوبهم ويتركون أسعار النفط تتراجع تدريجيا لمجرد إرضاء رغبة واشنطن في الإبقاء على أسعار الطاقة منخفضة وتهدئة الأسواق من أجل تجاوز عقبة الانتخابات النصفية المقبلة؟!

الشواهد تقول إن إدارة بايدن تتعامل وفق منطق أقرب إلى شعار أو مبدأ «من ليس معنا فهو ضدنا»، الذي اتخذت منه الولايات المتحدة نهجا لها عقب اعتداءات 11 سبتمبر الإرهابية، ولكن شتان الفارق بين الحالتين، والأمر هذه المرة يتعلق بحسابات دول ومصالح وخطط وموازانات اقتصادية، وروسيا ليست تنظيم «القاعدة» رغم أن الأمر كله يتعلق بكونها أحد الأعضاء البارزين في تحالف «أوبك+»، وبالتأكيد لها تأثير كبير داخل المنظمة بحجم ثقلها الإنتاجي والتصديري، ولكن حدود هذا التأثير تقف منطقيا عند حد الإضرار بمصالح بقية الأعضاء، بمعنى أن المملكة العربية السعودية وغيرها من أعضاء التحالف لا يمكنهم دعم أي رغبة روسية في خفض الإنتاج في حال تعارض ذلك مع مصالحهم الوطنية، التي تقتضي الحفاظ على سعر مناسب لبرميل النفط.

الموضوعية تقتضي أن تنظر الولايات المتحدة لمعضلة أسعار النفط بقدر من المنطقية والشفافية والواقعية أيضا، وتدرك خطورة التسرع في إطلاق التصريحات التي تعيد عقارب الساعة إلى الوراء وتعمق الشرخ الذي لم تتم مداواته بعد في جدار العلاقات مع الحلفاء الخليجيين، والأهم من هذا وذلك أن تدرك قواعد اللعبة الجديدة في إدارة العلاقات الدولية، وأنها ليس في موقع يوفر لها رفاهية فقدان المزيد من الحلفاء في وقت تبدو فيه أحوج ما تكون إلى بناء تحالفات جديدة لا خسارة القائم منها بشكل نهائي.

drsalemalketbi@