عمر عبدالعزيز السيف

هل تكره السينما العرب؟!

الثلاثاء - 11 أكتوبر 2022

Tue - 11 Oct 2022

في كل حملة انتخابية لأي رئيس أمريكي؛ يطلق جملة وعود عن حراك ضد السعودية وقياداتها لكسب تأييد الداخل الأمريكي، فدونالد ترمب كان يؤكد أن دول الخليج يجب أن تدفع مقابل حمايتها، وأن الإسلام يكره الولايات المتحدة. أما جو بايدن، فتعهد بجعل السعودية «منبوذة»، بسبب انتهاكها حقوق الإنسان، كما يزعم.

ويؤكد الأمير بندر بن سلطان، سفير المملكة في واشنطن لسنوات طويلة أن الرؤساء الأمريكيين يهاجمون المملكة وقت الانتخابات، ثم لا يلبثون أن يصافحوها ويتعاونوا معها بعد استلام مناصبهم.

من الواضح أن هناك كراهية في الغرب ضد العرب، وربما كان من أسبابها الجماعات الإرهابية التي هددت بقتلهم (مع أن ضحاياهم من العرب والمسلمين أكثر من 98%)، وقد يكون السبب عمل بعض العرب في الشوارع الخلفية للمدن الكبرى، كباريس ولندن ونيويورك، في أسوأ المهن، مثل بيع المخدرات والبغاء.

وربما كان السبب حالة الحسد من البدوي الخليجي الذي يرفل في المال، في حين يصارع الأمريكي والأوروبي لكسب لقمة عيشه، وهو ما عبر عنه ترمب حين كان مواطنا أمريكيا في مقابلته مع أوبرا وينفري عام 1988م، حيث قال عن الكويتيين إنهم يعيشون كالملوك، فلماذا لا يدفعون لنا 25% مما يكسبونه؟!

لن يتناول المقال كل ذلك، لكنه سيركز على ملامح الصورة التي نمطت بها أفلام هوليوود الشخصية العربية، وتأثير هذا التنميط على الشعب الأمريكي، بل والشعوب الأخرى، بما في ذلك الشعوب العربية التي أسهمت أفلامها أيضا في ترسيخ هذه الصورة السلبية حتى صدقها العالم بأسره، وربما صدقناهم واتهمنا أنفسنا وثقافتنا، وبدا التنصل من الهوية العربية واضحا، على مستوى اللغة والزي وربما الدين.

لطالما كانت السينما وسيلة اتصال ومجال فني جذاب وقادر على إحداث تأثيرات اجتماعية قوية. كما أنها وسيلة للتواصل وتبادل المعلومات بين مختلف المجتمعات والأمم، وهي الطريقة الأكثر تأثيرا طوال قرن كامل تقريبا، غير أن العرب والمسلمين كانوا من أهم ضحاياها، فقد تكونت صورة نمطية كريهة عنهم، وربما تكون هذه الصور النمطية في هوليود، ابتداء نابعة من أفكار المجتمع المستقاة عن عدة مصادر: المواجهة بين الإسلام والمسيحية، والدعاية في أثناء الحروب الصليبية، وكتاب ألف ليلة وليلة، والاستشراق.

هذه المصادر المتنوعة أعطت صورا متناقضة عن العرب من الرومانسية، والعنف، واللؤم، والسحر، والبلادة، والخيانة.

فقد حيكت الأساطير عن الإسلام بأنه جاء للانتقام من المسيحية، وأن محمدا -صلى الله عليه وسلم- مجرد مسيحي مرتد. فالاستشراق، على سبيل المثال، أسهم عبر الباحثين والرحالة والأدباء الأوروبيين، منذ القرن السابع عشر، كما يقول إدوارد سعيد، في رسم صورة نمطية سلبية عن العربي بقصد تهيئة الأرضية عند الأوروبيين للعدوان على هذه الشعوب، والسيطرة على مواردها.

وجاءت جهود كثير من المستشرقين مؤسسة على الأفكار التي استقرت في العصور الوسطى عن العرب، وتوصيفاتهم النابضة بالكراهية، فهم، حسب بدر الدين هوشاتي: «الجنس الشرير» و»أعداء الله» و»البرابرة الوثنيون» و»القتلة» و»سفاكو الدماء» و»أتباع الشيطان» و»الأمم النجسة»! فمؤرخ الحملة الصليبية الأولى فوشيه دى شارتر كان يصف العرب بالوثنيين ويقول: يا له من عار على المسيحيين أن يلومنا من لا دين لهم على ديننا.  كما قال: يا له من عار إذ قام جنس خسيس مثل هذا الجنس.. جنس منحل تستعبده الشياطين بهزيمة شعب يتحلى بإيمان عظيم! ولذلك يؤكد برنارد لويس أن «الأوروبي هو الأكثر تعصبا ضد المسلم»، مع التأكيد أن مفهوم المسلم يختلط بمفهوم العربي عندهم.

وقد تسربت الآراء والكراهية الدينية إلى الفلكلور والأدب، فقد جعل الشاعر الإيطالي دانتي إليغييري في الكوميديا الإلهية النبي -صلى الله عليه وسلم-، وعلي بن أبي طالب، -رضي الله عنه-، في قاع الجحيم، واستبعد ابن رشد، وابن سينا، وصلاح الدين الأيوبي من ملكوت السماوات لجهلهم بالمسيحية! أما ألف ليلة وليلة فكانت ساحرة، مؤكدة لتهمة الشبق الجنسي، لكنها أعطت بعدا رومانسيا للصورة العربية.

ويقابل هذه الصورة المشوهة نتف من الصور التي تتكلم عن فروسية العرب، وعدلهم، وكرم ضيافتهم. وقابل مصطلح الموروفوبيا في إسبانيا (كراهية المسلمين) مصطلح الموروفيليا (محبة المسلمين) التي انتشرت في أدب القرن السادس عشر في إسبانيا، وتنامت وازدهرت في أدب القرن التاسع عشر هناك.

ولكن الصورة النمطية السيئة عند الأوروبيين ورثتها هوليوود وتأثرت بها وأثرت فيها، فصورت النساء العربيات في هوليوود على أنهن راقصات شرقيات، أو حريم يكرسن أنفسهن لمتعة الرجال.

بدأت الصورة السلبية للعرب في نهاية القرن التاسع عشر حين عرض الفيلم الصامت «فاطمة» 1897، FATIMA’S COOCHEE-COOCHEE DANCE وفيلم رقص فاطمة 1907. كذلك عام 1917 فتاة موهوبة، وعام 1926 سيدة الحريم. ثم لم تلبث السينما حتى نمطت ووجهت الصورة، واستمر تصوير العربي على أنه همجي ومتخلف وعنيف في الكثير من الأفلام، مثل إمار الخادم 1914، وأغنية حب 1923، ومقهى في القاهرة، وعروس الصحراء 1928، وعمل متعة 1931، واستمر التنميط خلال أكثر من قرن. وبلا شك هناك أفلام قليلة جدا أظهرت العرب بشكل غير شرير. حتى حين تناولت ديزني شخصية علاء الدين وياسمين، جعلت العالم العربي مكانا للصحارى والجمال والوحشية التعسفية والهمجية.

وانتقلت الصورة من السينما إلى برامج الأطفال، حسب سارة بوسكويت، فشخصية باتمان من شبكة فوكس صورت العرب مسلحين بالسيوف والبنادق، ويخططون للسيطرة على الأرض. ثم تسللت الصورة السينمائية إلى الحياة؛ فقبل سنوات، باعت متاجر Spencer Gift أقنعة الهالوين «العربية» ذات السمات الجسدية الغريبة، جنبا إلى جنب مع أقنعة العفاريت والشياطين ومصاصي الدماء! وغالبا ما تحتوي الكتب المصورة على أشرار عرب؛ فقد تقاتل طرزان مع زعيم عربي يخطف جين، وسوبرمان يمنع إرهابيين عربا يختطفون حاملة نووية أمريكية، ويقاتل فانتاستيك فور شيخ نفط بشع. يقول المحلل الإعلامي اللبناني الأمريكي جاك شاهين: «لا يوجد بطل عربي أبدا يمكن أن يهتف الأطفال باسمه».

هذه الصورة النمطية انتقلت إلى ألعاب الكمبيوتر، حيث كثيرا ما يكون انتصار الطفل بقتل الكثير من العرب.

وتؤكد الأبحاث التربوية أن المعلمين في المدارس الأمريكية لا يفعلون ما يكفي لتصحيح الصورة التي رسختها السينما، وهم غير مدركين للضرر المحتمل جراء ذلك، بل هم -في الغالب- يحملون النظرة ذاتها، مما سبب شعور الطلاب العرب بالخجل والدونية في نظام تعليم مؤسس على التعددية وقبول الآخر.

وفي تقرير بعنوان «100 عام من التنميط المعادي للعرب والمسلمين» لمازن بقمصية، مدير العلاقات الإعلامية للجنة الأمريكية العربية لمكافحة التمييز؛ يحدد ما تسميه الجالية العربية الأمريكية «متلازمة الثلاثة»، حيث يصور العرب في التلفزيون والأفلام على أنهم مفجرون، أو راقصون، أو مليارديرات فاسدون.

أما حقبة ما بعد 11 سبتمبر؛ فهي مختلفة، فقد انتقلت صورة العربي من السيئ إلى الأسوأ، كما يقول الباحثون، فيقابل الأمريكي المنقذ الذي يذهب لتحرير الأبرياء العربي الشرير الذي يمارس الإرهاب أو يحث عليه.

يقول جاك شاهين: «إن تصوير التلفزيون والسينما للعرب هو ما كون الصورة النمطية الأمريكية عن العرب». كما كتب «إن العرب ظهروا باستمرار في الثقافة الشعبية الأمريكية بوصفهم مليارديرات، ومفجرين، وراقصين شرقيين، فالعرب المسلمون متعصبون يؤمنون بإله مختلف، ولا يقدرون الحياة البشرية بقدر ما نقدرها نحن، وهم عازمون على تدميرنا (الغرب) بإرهابهم».

وقد أثرت هذه الصورة التي رسمتها السينما الأمريكية في العديد من الشعوب؛ فالكنديون يؤمنون بهذه الصورة النمطية، وربما زادوا بأن العربي كذاب، وغير جدير بالثقة، حسب دراسة ريم بهدي «All Arabs Are Liars». أما السينما الهندية؛ فقد صورت العرب في مرحلة مبكرة نسبيا، وكانت الصورة مستوحاة من السينما الغربية، على الرغم من قرب المسافة جغرافيا مع العالم العربي، إضافة إلى حالة التماس والتداخل بين الثقافتين؛ فالسينما الهندية غيرت في مضامين قصة علاء الدين ما يشوه العربي، ويظهره خائنا عنيفا، ويبين أن المرأة العربية ضعيفة، تتقوى بالرجل. كما أظهرت الصورة العربي الذي يحتاج أن يوضح له الغربي كل شيء، ويشرح له جميع التفصيلات. وفي المقابل، حاولت السينما الهندية أن تستكشف بعض الشخصيات العربية، كحاتم الطائي (مثل في أربعة أفلام) ومجنون ليلى.

أما في اليابان؛ فقد صور العرب بأنهم مهاجرون غير شرعيين يعيشون في مساكن ضيقة، ويحملون اسمي «محمد وعلي». واليابان بعيدة عن العرب، ومدة معرفتهم بهم قصيرة؛ لكنهم كانوا يكررون هذين الاسمين، ليشيروا مجازا إلى أن المجتمع المسلم كتلة واحدة لا تعرف التنوع ولا تتقبله! يرحل محمد، ويحل محله مهاجر مسلم آخر غير شرعي اسمه علي!

بعد 11 سبتمبر؛ تأثرت السينما اليابانية بالصورة النمطية عن العربي؛ ففي عام 2008 أثار أنمي يحمل اسم «JoJo’s Bizarre Adventure» بعض الجدل، بث الأنمي مشهدا يقرأ فيه الشرير القرآن بينما يأمر بموت البطل وأصدقائه. اعتذرت الشركة بعد الكثير من الاعتراضات. وعلى الرغم من تأثر السينما الآسيوية بالسينما الغربية، لكنها ظلت أكثر احتراما.

تغيرت صورة العربي والمسلم في كوريا، وبدأت السينما تصورهم أنهم سياسيون ورجال أعمال، وأصبحوا محل اهتمام واحترام في الجامعات والمطاعم ومراكز التسوق، مع أن مسلمي كوريا تخلوا عن إسلامهم من قرون وقت حكم الملك سيجونغ العظيم في القرن الخامس عشر، بدأ العديد من المسلمين في كوريا حينها يفقدون معتقداتهم الإسلامية من أجل التقاليد الكونفوشيوسية أو البوذية، وتضاءل عدد المسلمين بشكل حاد في القرن التاسع عشر، دون أن يختفي تماما. ومع تزايد الجالية المسلمة في كوريا تحسن تعامل السينما الكورية مع المسلمين أكثر.

أما السينما الصينية، فلم أجد بحوثا تبين كيف صور العرب هناك، ولكنها متأثرة بلا شك -كجميع بلدان العالم- بالصورة التي رسمتها هوليوود، فعندما ذبح 50 شخصا في مسجدين في نيوزيلاندا، أعرب العديد من الصينيين عن دعمهم لمطلق النار! بعد 11 سبتمبر؛ وضع العرب والمسلمون في قوالب هوليود النمطية التي أصبحت عالمية، وتزايدت النظرة إليهم في الصين بأنهم غريبون وغير متحضرين وعنيفون وجشعون وبلا أخلاق.

أما العالم الإسلامي؛ فلا تصور السينما التركية العرب على أنهم أمة أو شعب واحد، وليست الصورة سلبية أو إيجابية، ولكنها لا تخلو من صور الصحراء وفتيات الرقص والجِمال والشيشة، ولا تعكس الأفلام التركية التحضر والعمارة الحديثة والتخطيط الحضري والتطورات التكنولوجية الحديثة في الدول العربية.

يقول الباحثون «إن هناك أنماطا من الشخصيات العربية في السينما التركية:

السياق الديني الذي يقدم الأبطال العرب المسلمين وقت ظهور الإسلام، مقابل الأشرار الوثنيين؛ ويقدم السياق التاريخي العربي خائنا للعثمانيين لصالح الإنجليز؛ وكذلك رجل الأعمال الثري بالنفط وتاجر السلاح، وهؤلاء عديمو الأخلاق، مدمنون على الكحول، شهوانيون، مجرمون، محتالون؛ وقد يصور العربي مظلوما، وهو الشخصية التي ظهرت بعد الغزو الأمريكي للعراق.

كما تأثرت السينما التركية بتصوير السينما الغربية للعرب على أنهم غنيون بالنفط وفاسدون! مع العلم أن (33.2%) من الأتراك لديهم موقف إيجابي تجاه العرب، ونسبة (39.1%) لديهم موقف سلبي!

كانت هناك فرصة للسينما العربية لتصحيح النظرة، غير أن السينما المصرية -على سبيل المثال- رسخت الكثير من التهم؛ فالعربي/الخليجي الغني باحث عن الملذات في الحانات، ومتعطش للجنس، إضافة إلى صورة الإرهابي الذي يتزيا باللباس الخليجي ليفجر ويقتل، بل أكدت الصورة السلبية (بإقحام) الرقص الشرقي في معظم الأفلام بشكل مبتذل.

لقد رسخت السينما النظرة الاستشراقية التي عبر عنها إدوارد سعيد إلى العرب والمسلمين بأنهم ليسوا مواطنين، ولكنهم مشكلة يجب حلها أو تقليل خطرها.

أزعم أن الحرب الهوليودية على العرب والمسلمين لا تقل خطرا وضررا عن الحروب العسكرية التي دمرت الشرق الأوسط؛ فإضافة إلى ما واجهه العرب والمسلمون هناك من ضغط نفسي؛ فقد أدى هذا التنميط إلى أن ينظر إلينا ويتعامل معنا على هذا الأساس، فالعربي إرهابي ومتخلف وهمجي حتى يثبت العكس، وأشد من هذه المشكلة خطرا أن نظرة العرب إلى أنفسهم أصبحت دونية، ويتبدى ذلك في تنصلهم من هويتهم، وتدمير هوية مجتمع تعني قتله.

لقد استخدمت أمريكا السينما -سياسيا وثقافيا- لزرع قيمها، حتى غدت مركز الهيمنة الثقافية عالميا، وصورت أرضها موطنا للحرية والديموقراطية والقوة إزاء الاستبداد والشر، مثلما صورت الأمريكي قويا متسلحا بالتكنولوجيا والمعرفة وهو يواجه الأشرار دون أن يهزم! وهي مع الأسف، استغلت هذه القوة لتشوه من تكرهه من الشعوب والأديان بشكل عنصري، وتنزع الإنسانية من أمة كاملة، وتشوه تاريخها وثقافتها ودينها.

حين تعامل زملاءك في العمل على أنهم سيئون، يريدون سلبك مزاياك الوظيفية؛ فثق أن أقلهم ثقة بنفسه سيمسح حذاءك لترضى، ومعظمهم سيعاملونك كما تملي عليهم تربيتهم، ولكنك ستجد منهم من سيكون عند مستوى سوء ظنك.

وأخيرا، ربما بدأ بريق الشاشة الفضية يبهت، لكن الأنماط التي زرعتها لن تغير بسهولة.