عبدالله قاسم العنزي

الحماية الجنائية للوثائق الحكومية

الأحد - 09 أكتوبر 2022

Sun - 09 Oct 2022

لا شك أن تقدم المجتمعات مرتبط بتقدم مؤسساتها، وثروة المؤسسة لا ترتبط بالطاقة البشرية والموارد المالية فحسب، بل تكمن في ثروتها الوثائقية التي تعد ذاكرة لنشاطها ومصدرا لأفكارها وقراراتها، وحيث إن قدرة الإنسان العقلية لا تستطيع استيعاب كل ما يسمعه أو يراه أو يقرأه، فكان لابد من تخزين البيانات وحفظ المعلومات واسترجاعها في الوقت المناسب عن طريق الوثائق.

وإن الوثائق على اختلاف أنواعها وطبيعتها ورقية أو الكترونية أمنية أو إدارية أو تاريخية أو علمية أو أكاديمية عائدة إلى دوائر لدولة أو أي من السلطات التشريعية أو التنفيذية أو القضائية بما في ذلك الوثائق الخاصة بالشخصيات العامة والجهات والهيئات غير المرتبطة بوزارة تحظى بأهمية كبيرة بل أصبحت تلك الوثائق ثروة وطنية لا غنى عنها وأصبحت هذه الوثائق المملوكة للدولة سلاحا ذا حدين تتجلى من خلالها قوة الدول أو ضعفها أو غناها أو فقرها أو تطورها أو ركودها وفيها تكتم الدولة أسرارها.

لذا أعلنت النيابة العامة الأسبوع الماضي عن السجن 20 عاما وغرامات بـ400 ألف لتشكيل إجرامي مكون من 4 مواطنين زوّروا محررات رسمية منسوبة لإحدى سفارات السعودية، ومما لا شك فيه أن أهم أدوات الحماية التي يمكن للدولة أن تضفي الحماية من خلالها على أي محرر رسمي ذي اهتمام هي الحماية القانونية التي نجد سندها في النظام إذ تُبين النصوص النظامية بتنظيم المسألة محل الحماية، وتحدد الجزاء القانوني المترتب على كل من يخل بالواجب القانوني نظرا لخطورة المساس بها بأية طريقة لحساسيتها والآثار الوخيمة التي قد يخلفها ذلك المساس من عواقب قد لا يُحمد عقباها في بعض الأحيان.

لذلك عالج المنظم السعودي الحماية القانونية للوثائق في نظام الوثائق والمحفوظات الصادر بالمرسوم الملكي رقم م/54 بتاريخ 23 / 10 / 1409هـ حيث عرّف المنظم السعودي الوثائق في المادة من النظام أنها «هي الأوعية التي تحتوي على معلومات تتعلق بأعمال ومصالح الدولة، سواء نتجت هذه الأوعية عن عمل من أعمال أجهزتها أو عن سواها، ما دام أن الأمر يقتضي حفظها للحاجة إليها أو لقيمتها» وهذا يشمل الحفاظ بجميع أشكال أوعية حفظ المعلومات الورقية والرقمية والالكترونية وأي وعاء جديد يستحدث لاحقا وتشمل الوثائق والمراسلات والسجلات والمستندات والخرائط والرسوم البيانية والمخططات وكل ما يحتوي حق مثبت لجهة معينة أن الوثاق في واقع الأمر ليست من جنس معين إذ تتعدد وتتنوع كنتاج طبيعي لتعدد نشاط الدولة ولا يمكن حصرها في نطاق أو شكل واحد.

حيث قسم المنظم السعودي الوثائق إلى ثلاثة أقسام وهي الوثائق والمحفوظات الإدارية، وتنظم وفقا للائحة موحدة تعد بالاشتراك مع الديوان العام للخدمة المدنية، الوثائق والمحفوظات المالية، وتنظم وفقا للائحة موحدة تعد بالاشتراك مع وزارة المالية والاقتصاد الوطني وديوان المراقبة العامة، الوثائق والمحفوظات التخصصية وتنظم وفقا للوائح متعددة تعد كل لائحة منها بالاشتراك مع الجهة، أو الجهات ذات العلاقة.

وتحدد اللوائح الأنواع التي تدخل تحت كل فئة.

وهنا وثائق يجوز الاطلاع عليها ووثائق منع النظام الاطلاع عليها أو نشرها أو تداولها مثل الوثائق السرية وعقوبة المساس بأي شكل من الأشكال للوثائق السرية أو تزويرها أو استخدامها أو تداولها ونشرها بالسجن مدة لا تزيد على عشرين سنة أو بغرامة لا تزيد على مليون ريال أو بهما معا كما نصت عليه المادة الـ4 من نظام عقوبات نشر الوثائق والمعلومات السرية وإفشائها الصادر بالمرسوم الملكي رقم (م / 35) بتاريخ 8 / 5 / 1432هـ.

وتعد جريمة إفشاء معلومات وثائق الدولة من أخطر وأهم الجرائم الواقعة على أمن الدولة وذلك لمساسها المباشر بمعلومات أمن الدولة وأن المصلحة المعتبرة من وراء تجريم فعل الإفشاء تتجلى في حماية المعلومات والوثائق السرية دون غيرها من معلومات ووثائق الدولة بعدم اطلاع الغير عليها إذ إن انتهاك حرمة السرية والكشف عن مضمون الوثائق الحكومية السرية للجمهور دون موافقة الدولة على ذلك يرتقي بفعل الإفشاء إلى الأفعال المجرمة ويبرر للدولة أخذ مرتكبه للعقاب للآثار السيئة التي قد يتركها ذلك النيل من الوثائق وهي من الأولويات التي يجب أن تضطلع الدولة بحمايتها.

expert_55@