عبدالرحمن المالكي

زهرة الربيع الفارسي «مهسا»

السبت - 08 أكتوبر 2022

Sat - 08 Oct 2022

منذ نحو شهر حدثت واقعة يبدو أنها ستكون بداية النهاية للنظام الإيراني، وذلك بسبب ما قامت به شرطة الأخلاق بلا أخلاق من اعتقال الشابة مهسا أميني الإيرانية من أصل كردي، والبالغة من العمر 22 ربيعا، وتوقيفها وتعنيفها مما تسبب في إصاباتها إصابة بليغة في الجمجمة أدت لوفاتها في وقت لاحق، وقد لاقت تلك الحادثة صدى واسعا في الداخل الإيراني وفي بعض العواصم العالمية، ولم تخل وسائل التواصل الاجتماعي في جميع أنحاء العالم من تعاطف النساء بمختلف جنسياتهن وألوانهم، حيث قص عدد منهن شعورهن، تعبيرا عن تعاطفهن وتضامنهن مع الفتاة المغدورة، ونتيجة لذلك فقد خرج الشعب الإيراني بكل أطيافه ومكوناته المتنوعة، بمن في ذلك الأقليات الدينية والعرقية التي خرجت في مسيرات مناهضة ضد ما يسمى بشرطة الأخلاق، ثم بدأت تنتشر هذه الاحتجاجات كالنار في الهشيم حاملة في طياتها عددا من الشعارات المناوئة للطريقة التي تعامل بها النساء في إيران، ولم تلبث تلك النار كثيرا حتى أسمعت زفيرها وهي تفور.

والجدير بالملاحظة أن مقتل الشابة مهسا أميني فتح ملفات الانتهاكات لحقوق الإنسان بشكل عام وحقوق النساء بشكل خاص، حاملا معه الكثير من البؤس الذي يقاسيه الشعب الإيراني على مدى عقود خلت تحت وطأة الديكتاتورية المزدوجة لنظام الملالي والنظام الحاكم الذي تسبب في ارتفاع نسب الفقر والبطالة وانتشار الجريمة وارتفاع معدلاتها، فقد أهملت الحكومة الإيرانية كل القضايا التي تمس حياة مواطنيها وانشغلت بنشر الفتنة في بعض الدول، خاصة العربية منها، فهي تولي جل اهتمامها بالحوثيين في اليمن وحزب الله في لبنان والحشد الشعبي في العراق، واستنزفت معظم موارد الشعب في تمويل عدد من الأحزاب الراعية للإرهاب الدولي، عن طريق ما يسمى بفيلق القدس التابع للحرس الثوري، بصفته المسؤول الأول عن العمليات الإرهابية الخارجية، ناهيك عن العقوبات الدولية التي أرهقت كاهل الدولة وحجبت الكثير من مواردها بسبب العناد الإيراني وإصرار الحكومة على الاستمرار في العمليات الإرهابية، كما أن انشغالها بالمفاوضات المتعلقة بالشأن النووي منذ نحو 8 أعوام، أدى لتفاقم المشكلات الداخلية من فقر وبطالة، والتي لا تلبث أن تطل بشؤمها على الأمن القومي الإيراني بين الفينة والأخرى.

وانعكاسا لحالة الوهن التي تصيب الحكومة الإيرانية، ونظرا لعدم قدرة النظام الإيراني الحاكم على السيطرة على تلك الاحتجاجات التي عمت الداخل الإيراني، بما في ذلك العاصمة طهران؛ فقد أدى إلى ارتفاع سقف المطالبات الشعبية لتطال النظام الحاكم تحت عدد من الشعارات المرفوعة، ومنها: العار للقائد والموت للديكتاتور، المرأة، الحياة، الحرية.

ومن زاوية أخرى فإن الديكتاتورية الإيرانية تحاول الخروج من هذا النفق المظلم الذي أدخلت نفسها فيه وذلك بافتعال اشتباك حدودي مع كردستان العراق، في محاولة لتجاهل الثورة الشعبية وتوجيه أنظار العالم ولفت انتباه الاهتمام الدولي ووسائل الإعلام نحو الخارج، في محاولة يائسة لتوجيه رسالة للشعب والعالم بأنها ما زالت صامدة، ولكنها في حقيقة الأمر تبدو كمن يتوارى عن القوم من سوء ما بشر به ولسان حالها يقول أتمسكه على هون أم تدسه في التراب.

إن هذا التخبط الإداري والسياسي والعسكري الذي يقوم به النظام الإيراني في هذا التوقيت ليس إلا مسمار نعشه الأخير الذي يدق بأيدي المظلومين والمضطهدين باسم الملا والإمام، في وقت لا تزال الحكومة الإيرانية تتصرف كالمعتوه الذي يحاول معالجة شلل يده بقطعها.

وأخيرا فإن السؤال الذي يبقى عالقا في الأذهان؛ كم زهرة ستموت حتى يسقط النظام؟ حتما ستجيب عليه خصلة شعر تسببت في قتلها موقعة بدماء مهسا أميني.