عبدالله العولقي

أوروبا بين قدر الجغرافيا وقضايا البيئة

السبت - 08 أكتوبر 2022

Sat - 08 Oct 2022

تتميز الجغرافيا الاستراتيجية بحركة اقتصادية واسعة واهتمام دولي حولها، ولكن هذه الميزة قد تتحول إلى متاعب يطلق عليها البعض لعنة الجغرافيا، وهذا هو حال أوروبا وقدرها في جغرافيتها، وقد تكرر هذا المصطلح كثيرا في الآونة الأخيرة، لا سيما ما يتعلق بأوروبا كاملة، فهي الشرارة الأساسية لاندلاع الحربين العالميتين الأولى والثانية، ولذا تتكرر المخاوف اليوم أن يعيد التاريخ نفسه مع هذه القارة العجوز!!

فقدر أوروبا أن تتجاور مع إمبراطورية ذات جغرافيا واسعة تعد الأكبر في العالم، وعلى الرغم من بعض أوجه التقارب الديني بين روسيا والغرب إلا أن ثقافة الأرثوذكس الشرقية في موسكو تظل عائقا أمام ذهنية المسيحية الغربية، أما سياسيا فروسيا تستعد اليوم مع جارتها الصين في تهيئة العالم لواقع دولي جديد ذي تعددية قطبية، وعلى الرغم من أن أوروبا لديها الاستعداد هي أيضا للمشاركة في هذا العالم الجديد كقوة رابعة إلا أنها انضمت مع حليفتها الاستراتيجية الولايات المتحدة من أجل تضئيل فرص ذلك الاستعداد وإبقاء واشنطن في مركزية الصدارة الدولية.

هذه النظرة تقودنا إلى علاقة أوروبا مع الولايات المتحدة، فقد عمدت واشنطن بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية إلى إبقاء دول أوروبا المهمة كبريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا وإسبانيا ضمن حلفها الاستراتيجي الناتو، ويرى بعض المؤرخين أن واشنطن قد نجحت بالضغط على الأوروبيين للخروج من المستعمرات الخارجية والتي كانت تمثل موردا اقتصاديا مهما لهم من أجل إبقائهم الدائم ضمن التحالف الغربي، وبعد انتهاء حقبة الحرب الباردة، مر الناتو بمرحلة الركود الصعب، الأمر الذي أزعج الفرنسيين حينها ووصفوا الناتو بالميت سريريا، بيد أن الأمريكان وفي معرض مواجهتهم الحالية مع روسيا حرصوا على إحياء هذا التحالف من جديد، مما جعل بعض المحللين الأوروبيين يرون أن الوظيفة الحقيقية للناتو هي إبقاء أوروبا رهينة للولايات المتحدة ولا يحقق لها استقلاليتها المنشودة!!

عندما تأسس الاتحاد الأوروبي كانت الفكرة اقتصادية بحتة في المقام الأول، وكانت الآمال الأوروبية حينها أن تصبح أوروبا القوة الاقتصادية الأولى في العالم إلا أن تباينات وجهات النظر المالية بين الدول الأعضاء حالت بين ذلك الهدف المنشود، وقد توجت تلك التباينات بخروج بريطانيا من هذه المنظومة، كما أن الاختلافات تتجدد هذه الأيام حول العلاقة مع روسيا، فعلى الرغم أن الاتحاد يتبنى موقف إبقاء العقوبات ضد روسيا إلا أن بعض الأعضاء يرى أن قدر المكان والجغرافيا لا يمكن الانفصال عنه، كما أن قدر الزمان أسوأ بقرب الشتاء القادم وحاجة أوروبا للغاز الروسي.

وفي الختام، في عالم اليوم الذي أنتجته الرأسمالية الغربية المتوحشة رأينا كيف تتحول الجغرافيا إلى معضلة عسيرة، ولكن الإشكالية الأخرى عندما تتحول الأخلاق والمبادئ الحضارية إلى معاناة صعبة، هكذا هو حال أوروبا اليوم، فعندما تحدث العالم عن قضايا البيئة والمناخ، سارع الأوروبيون أخلاقيا إلى اعتماد تلك المبادئ، فأغلقوا مناجم الفحم الأحفوري وقرروا الاعتماد على الغاز الروسي، وها هي أوروبا اليوم تدفع ثمن مبادئها وتنتظر المجهول أمام شتاء قارس تتهاوى بين يديه أقدار الجغرافيا وقضايا البيئة.

@albakry1814