زيد الفضيل

من السيدة القهوة إلى السيد الكتاب

السبت - 08 أكتوبر 2022

Sat - 08 Oct 2022

احتفت وزارة الثقافة في الأول من هذا الشهر ممثلة بإدارة الدراسات والبحوث برئاسة الدكتور رائد السفياني بالسيدة «القهوة السعودية» عبر إقامة منتدى استدامة القهوة السعودية الدولي الأول بمدينة جيزان والذي كان لي شرف المشاركة في تنظيمه باسم مركز الخليج للأبحاث الذي كلف بإدارة وتنظيم محتواه العلمي والثقافي. وكان أن شارك فيه عديد من الباحثين المتخصصين بأوراق علمية رصينة على مدار يومين، وأدار جلساته نخبة من رجال الفكر والثقافة والاقتصاد والإعلام، وخرج بتوصيات مهمة يمكن أن تسهم في زيادة زراعة وإنتاج شجرة البن الخولاني والشدوي، وتعزز من صناعة القهوة السعودية مستقبلا لتكون علامة تجارية دولية فارقة.

في هذا المنتدى العلمي وقف المشاركون على جمال طبيعة بني مالك بمحافظة الدائر، التي استقبلنا أهلها بالترحاب، وتوجونا بأكاليل الفل والنباتات العطرية الفواحة التي تزرع في أرضهم، وكانت روحهم الرقيقة هي أكثر ما جللنا خلال تجوالنا واستمتاعنا بسماع المغارد والزوامل وغيرها من الأهازيج التراثية المصاحبة لبذر وزراعة شجرة البن، تلك النبتة القرمزية التي أسهم عديد من المنتدين في زراعة شتلاتها، بل وأسهموا في مشاركة الأهالي رقصاتهم ابتهاجا وسرورا بها.

على أن أكثر ما أعجبني في هذه الرحلة ما رأيته في نفوس الأهالي صغارا وكبارا من تشبث بأرضهم، وإصرار على زراعتها، وإيمان بعمق تاريخ مكانهم الذي أوضح بعض معالمه أحمد جبران المالكي في كلمته الترحيبية، بل وكان واضحا عليهم رغبتهم الحثيثة في التفاعل الإيجابي مع معطيات العصر، وسعيهم لأن تكون منطقتهم وجهة سياحية دولية، لكن ينقصهم المال والتشريعات اللازمة من الجهات الحكومية المعنية، وهو ما أرجو أن تشكل له غرفة مشتركة تجمع بين وزارة البيئة والزراعة والمياه، ووزارة السياحة، ووزارة الثقافة، ووزارة الاستثمار، مع الشركة السعودية للقهوة، وهيئة تطوير وتعمير المناطق الجبلية بجازان.

في هذا السياق لا يغيب عن ذكري إعجابي بالمهندس ظافر الفهاد رئيس هيئة تطوير وتعمير المناطق الجبلية الذي ينتمي مكانا لمدينة الخبر بالمنطقة الشرقية، وعمل في مناصب عالية بشركة أرامكو، وكان ممثلها في اليابان وكوريا وغيرها من العواصم الفضائية، ثم وحين تم تكليفه بمهمته المشار إليها آثر إلا أن يستقر كليا بجبال بني مالك وفيفاء على بساطة المكان مقارنة بما كان فيه طوال عقود سالفة، وذلك من المهنية التي يجب أن يشاد بها.

يرافقه في الشأن ذاته راضي الفريدي المنتمي للقصيم والقادم من شركة سابك وهو أحد المشاركين في المنتدى ممثلا لمركز استدامة، والذي قام بتأسيس قرية وشيل السياحية التي استضافتنا في رحلتنا، وبات همه وشغله الشاغل أن يساعد الأهالي على تطوير مزارعهم بما يحقق لهم الاستدامة بروح طيبة متفاعلة إلى درجة أني اعتقدت أنه ينتمي إليهم شكلا ومعنى، فلله در هذه النماذج التي يجب أن تروى حكايتها لتكون قدوة لمن أراد سبيلا.

وشكرا للدكتور رائد وفريق عمله بوزارة الثقافة لجهودهم وتعاونهم لإنجاح هذا المنتدى وخروجه بحلته القشيبة التي أبهرت المشاركين الدوليين.

تلك كانت حكاية السيدة القهوة، لننتقل بعدها إلى السيد الكتاب في معرض الرياض الدولي الذي أبهر الجميع في دورته الحالية بحسن تنظيمه واستعادة تخطيطه وتعدد فعالياته وأنشطته المتنوعة والثرية، وحتما فقد بذل القائمون ومستشاريهم جهدا كبيرا لا أملك إلا أن أشكرهم عليه ممثلين بهيئة الأدب والنشر والترجمة برئاسة الدكتور محمد علوان وفريق عمله وشركائهم على ذلك.

أشير إلى أني تعرفت في ثنايا المعرض على تجربة فريدة من تجارب البحث العلمي، لباحث سلب لبابه الشغف قبل أي شيء، وذلك هو جوهر أي نجاح وتميز، إذ وبالرغم من تخصص مشاري النشمي الشرعي لكنه أبدع في اكتشاف رسوم صخرية دقيقة في فنها للإبل بمنطقة حائل، قام بتوثيقها في كتابه الذي قدم له العالم والآثاري الكبير البروفيسور سليمان الذييب، ثم قاده شغفه مرة أخرى للتأمل طوال سبع سنوات وإجراء البحث الاستقصائي وسؤال المختصين حول مغارة مفتوحة من جهتيها بأحد المواضع بجبل أجا، ليصل إلى أن ما تأمله وبحث عنه طوال سبع سنين كان مرصدا فلكيا يعود للحقبة البابلية القديمة، وكتب في ذلك دراسة أرجو أن ترى النور قريبا.

أخيرا.. لعلي أهمس في أذن رئيس هيئة الأدب وفريق عمله المثابر بحاجتنا مستقبلا كمثقفين مدعوين أو مستقرين إلى إيوان نجتمع فيه خلال فترة المعرض لنتعرف أكثر على ضيوفنا من خارج الدولة، ويكون عنوانا لمن يأتي إلينا. أهمس بذلك مع إشادتي بكل الجهد المبذول شكلا ومضمونا، وحتما بالثقافة نرتقي.

zash113@