يا وزير العدل.. بكبسة زر تنتهي حياة إنسان!

الثلاثاء - 23 أغسطس 2016

Tue - 23 Aug 2016

ما تشهده المملكة مؤخرا ولله الحمد من دوران عجلة التطور في كافة المجالات أمر يسعدنا بل ويلامس غاياتنا، وكذلك ما تشهده وزارة العدل والمؤسسة القضائية من تطور تكنولوجي ونوعي يخدم الناس ويسهل عليهم حياتهم ويحفظ لهم حقوقهم بما يتفق مع الشريعة السمحة المتفقة أساسا مع روح الإنسانية الخيرة، ومؤسستنا القضائية ولله الحمد مؤسسة عريقة ومتطورة شكلا ومضمونا بما يجعلنا نزداد ثقة بها ونسعى بكل ما نملك من جهد للحفاظ عليها مستقلة ومنتجة وضابطة للحياة الإنسانية الكريمة.



لكن بعضا من المراجعة الذاتية وإعادة التقييم لا يمنع ولا يضر بل يساعد في التطوير والتحسين نحو الأفضل دائما، وهذا ما جعلني أتقدم بمقالتي هذه معنونة إلى معالي وزير العدل وبنفس الوقت واضعا ملاحظاتي أمام المجلس الأعلى للقضاء حبا وحرصا مني على خدمة ديني ووطني وقيادتي بما يرضي الله عز وجل.



وملاحظاتي أطرحها فيما يتعلق بمفهوم فكرة قاضي التنفيذ الذي لديه من الصلاحيات وبكبسة زر أن يوقف حياة إنسان كاملة بالمعنى المجازي بل الحرفي في بعض الأحيان، كبسة زر واحدة يسجن بها الإنسان وتوقف كافة حساباته ويمنع من السفر ومن القيام بأي أنشطة من دورها إبقاؤه حيا هو وعائلته أو من يعيلهم، كبسىة زر واحدة تقلب حياة إنسان رأسا على عقب، هذه الكبسة المعطاة والممنوحة صلاحيتها لقاضي التنفيذ عند إصداره حكما ما تكون منضبطة ومقبولة إن نفينا صفة الخطأ وسوء التقدير عن القاضي نفسه وصبغنا عليه العصمة وانعدام الخطأ.



لعل الفكرة في وضع هذه الكبسة أمام قاضي التنفيذ هي تنفيذ قرار الحكم الصادر بحق هذا الإنسان، وهذا أمر طبيعي أن ينفذ الحكم بعد صدوره واكتمال دورته القضائية، لكن الشرع دائما ما علمنا أن العقوبة من جنس العمل، ولا يجوز بأي حال من الأحوال أن تكون أكبر من الخطأ أو تفتح العقوبة عند تنفيذها أبواب ضرر كبير يقع على الشخص أو أهله أو أفراد عائلته أو من يرتبط به، وهذه أولى قواعد الفقه الإسلامي الحنيف أن لا ضرر ولا ضرار.



وأنا لا أتحدث عن الأحكام التي تستوجب السجن أو ما ينتج عن كبسة الزر هذه، بل أتحدث عن قضايا أخرى يرتبط تنفيذ أحكامها بجهات أخرى حكومية غير الصادر بحقه الحكم، وتكون كبسة الزر سببها أن قاضي التنفيذ لا علاقة له بمن يرتبط بالحكم وأن الذي يقدر عليه ينفذ عليه، والقدرة مرتبطة بكبسة زر.



الأصل في السلطات الثلاث المستقلة تشريعا وقضاء وتنفيذا أن هنالك جهات مستقلة بعد تشريع النظام تحكم به وهنالك جهات مستقلة بعد إصدار الحكم تنفذه بما يحقق المصلحة العامة، وإلا علم أين المصلحة العامة عندما يحكم على رجل وينفذ به بكبسة زر فتوقف حساباته وتتعطل حياته كلها، لا يستطيع حينها أن يصرف على أولاده وزوجه وأهله، ولا يستطيع أن يسدد التزاماته الأخرى وتتوسع الدائرة لنصل إلى مرحلة الإنهاء، ولا تزر وازرة وزر أخرى، ولا ضرر ولا ضرار، كلها تتنافى مع فكرة كبسة الزر القاتلة التي يستطيع أي قاض في منطقة وقرية في أنحاء المملكة كبسها، وحين تراجعهم يكون الرد الأمثل نفذ ثم ناقش والتنفيذ الآن أصبح مستحيلا بعد أن كان صعبا، ما ذنب الأبناء والأهل وأصحاب الحقوق الأخرى ليتحملوا وزر هذا الحكم وتنفيذه؟



لو أن مرحلة كبسة الزر كانت تدريجية ويلزمها عند التنفيذ بالسجن وجود لجنة تنعقد من أجلها ويكون قرارها بالإجماع لتقدر الآثار المترتبة على هذه الكبسة وتقرر كلجنة منعقدة، لا أحد معصوم من الخطأ ولا أحد معصوم من اللبس، ووجود هذه الصلاحية مرتبطة بأصبع رجل واحد مهما بلغ من علم وخبرة يتنافى مع روح التشريع الإسلامي وقضائه، وإلا ما وجدنا كبار السلف الصالح من أهل العلم والمعرفة وكبار الفقهاء كانوا يتهربون من تولي القضاء لأنهم متيقنون أنهم بشر والبشر غير معصوم عن الخطأ.



أتمنى أن يجد رأيي هذا صدى لدى معالي وزير العدل وأن يتم تشكيل لجنة له لدراسته لأنه كم حالة هدم إنساني ستنتج قبل أن تقرر هذه اللجنة رأيها، ما نريده اجتماع هيئة القضاء لدينا وإصدار قرار حازم يحمي الحقوق ويلزم التنفيذ ولا تزر وازرة وزر أخرى ولا يوقع ضرر ولا ضرار.