سليمان محمد الشريف

التجارب مفاتيح العلاقات

الخميس - 06 أكتوبر 2022

Thu - 06 Oct 2022

أن تعرف شخصا فهذا أمر سهل وأن ترتبط بكم من البشر فهذا أسهل، ولكن من الصعب أن تعرف ما يدور في دواخلهم أو ما يملكونه من مهارات أو إمكانات دون أن تخوض معهم التجربة الكافية لتتعرف عليهم عن قرب ثم بالتالي تحكم أو تقترب من الحكم الصحيح وتتخذ القرار، وإن كان ذلك أسهل في معرفة المكتسبات الخارجية للإنسان، حيث تستطيع معرفة سلوكياته وتصرفاته التي قد تروق لك أو لا تروق سواء كانت إيجابية أو سلبية من خلال التجربة السطحية، أما باطن الشخص فيظل علمه عند الله ولكن قد تلامسه أحاسيس وفراسة بعض الناس من خلال المعايشة الصحيحة والتجربة الدقيقة التي يخوضها الشخص بنفسه مع الآخر بالتقارب الزمني سواء اليومي أو مدة زمنية متقاربة وهذا التقارب قد يولّد تفاعلا بين الطرفين أو الأطراف المتقاربة ويدخل الجميع تحت معارك الذات الإنسانية لكشف ما يدور بداخل تلك الذات أو مجموعة لذوات.

‏وعادة ما يبدو للجميع الظاهر العام للأشخاص فمنهم من يمتلك القدرة على الظهور بمظهر الملاك الطاهر وهو أقبح البشر، ومنهم من يحاول أن يستثمر الظروف؛ ليظهر ذلك الشجاع الكريم وهو في الواقع من أجبن وأسوأ الناس، ومنهم من يتحلى بثوب نظيف في مشروعه الحياتي اليومي ويضع نفسه السدة فوق قضايا مجتمعه بينما في داخله ينام الغدر وتبات الخيانة، أي الشخص السلبي الذي وظف قدراته الظاهرية بالإيجاب، وفي المقابل هناك شخص يعجز عن وصف مظهره بالصورة التي تعكس داخله النزيه النظيف فيتوه وسط صراع المظاهر الخداعة.

وعلى مستوى العمل والبحث عن الوظيفة أو الممارسة الحركية كإحدى الألعاب كمثال لا حصر تتفاوت المهارات والقدرات في إبراز الذات وسط صراع المنافسة، ومثل هؤلاء جميعا تصقلهم التجارب فمتى ما تعايشت معهم المعايشة الكافية وكنت مهتما بفحصهم تحت مجهر التجربة لهدف إنساني نبيل من الدرجة الأولى بغية المعايشة السليمة أو تحقيق الهدف من الحصول زوجة صالحة أو صديق صادق أو في البحث عن الوظيفة أو ملأ فراغ شاغر بعضو صحيح في أي مجال ثقافي - رياضي - اجتماعي، فأنت ستخرج بنتائج جيدة لكشف الكثير من أخلاقيات وجوهر الذات الإنساني.

‏وتبدو لنا حياة الإنسان اليومية بظاهرها الفكاهي متى ما رضينا مضينا يوما سطحيا بكل اقتدار يخشى فيه البعض الخوض في تجربة عميقة خوفا من العواقب، والبعض يسعى لكسب الود كيفما اتفق فيخرج بشخص وربما أشخاص ويصطدم آخر بظروف قاهرة.

وأصبح الجميع إلا القلة من القليل نفسه يبحث عن علاقة من ذات المردود الإنساني العظيم الذي قام عليه ديننا الحنيف وهدي نبينا الكريم -صلى الله عليه وسلم- وقل أن تجد تلك العلاقة.

‏ويخضع الإنسان يوميا لاختبارات صعبة مع الذات وصراع مع النفس وسط ترنح العلاقات بين صدق المودة وجاذبية المصالح، ومن خلال تجربة عميقة رأيت الغالبية يستمر على مضض المصالح الخاصة في حال تدني الذات ونزول العلاقة لمستوى الرغبات بغية تحقيق مصالح مجتمعية أو مادية، ويبقى الرحيل بهدوء والبحث عن تجارب أخرى من أصعب القرارات وسط تلك الرغبات التي تقف حائلا بين الشخص والقرار الصحيح، في المقابل يظل الاكتفاء وهو مبدأ قيم في هذا الوقت من الحياة من القرارات التي أجمع عليها القليل وهي الاكتفاء بصديق أو الاكتفاء من الجميع والانفراد.

‏وفي خضم التجارب ينصح أطباء علم النفس أن يضع الإنسان نفسه في قلب الأحداث ليتعرف على الناس بنفسه ومتى ما كان جريئا صادقا ولا يخاف ردات الأفعال أو يخضع للمجاملة والنفاق عل حساب النفس ويعتاد على المثالية المزيفة والمشاعر المصطنعة غية تحقيق أهداف خاصة فإنه سينجح في اتخاذ القرار الصحيح من تلك التجارب، ولعل أهم التجارب هي التجربة: الزوجية - الصداقة – الزمالة - كارتباط عاطفي وعملي في نفس الوقت وهذه التجارب بلا شك تتكئ على العاطفة وترتكز على الجوانب الشرعية والتربوية ومن المفترض أن يتحكم العقل البشري في القرار النهائي، وإذا ما طبق الإنسان المبدأ الشرعي والتربوي في الرحمة والمودة والحب الصادق بين الأطراف المتصلة فإنها ستكون تجربة ناجحة.

‏وفي جانب العلاقة الزوجية ربما هي أكثر العلاقات استمرارا كسنة لا يمكن التخلي عنها حفاظا على بعض المكتسبات القيمة ومنها الأبناء، وهذه العلاقة مهما كانت التجربة فيها قاسية أو غير مرضية أو ليست على المستوى المأمول أو المنتظر فهي مستمرة ما لم يكن هناك قرار غير قابل للاستمرار كوصول أحد الطرفين لمرحلة القناعة بغية الانفصال.

‏وتعد الحياة برمتها بالتجارب في شتى جوانبها، سواء كانت تجارب سعيدة أو أخرى حزينة، ومهما كانت التجربة دقيقة لن تصل لدرجة الكمال النبوي ولن تستطيع معرفة كل ما يدور داخل الشخص معرفة شاملة، نعم قد تفهمه وتعرف ما يريد في أكثر الأحيان ولكن في ظرف ما قد تعجز عن الوصول لمفتاح زاوية صعبة من ذاته، في المقابل يعد الغموض مشكلة كبيرة في وجه التجارب ولكن مع رحلة التعايش لن يصمد الشخص الغامض في وجه الظروف وسيبوح بالكثير وسط خيوط المعايشة وتحت مجهر التدقيق.

‏أخيرا في ظل الحياة السطحية فإن الحكم على باطن الإنسان أكبر خطأ يرتكبه الناس في حق بعضهم كذلك الحكم على الظاهر دون تبين، وتأتي الأحكام في كثير من المواقف وفي أغلب الأحيان على حسب الرضا عن المقابل أي بحكم المزاج واحيانا بالتعصب والميول أو لعاطفة مستوحاة يصحو على كتابتها الشخص وينام على قرأتها أو كامتداد لحياة سلفه.

نقطة أخيرة: علمتني التجارب أن الكل - إلا من هداه الله إلى اليقين - يتحدثون عن الآخرين ويتغافلون عن أنفسهم.

soliman_asharef@