متى تتوقف التدخلات الإيرانية المتكررة في العراق؟
الأربعاء - 05 أكتوبر 2022
Wed - 05 Oct 2022
لا جديد في أن يقوم الحرس الثوري الإيراني بتوجيه ضربات عسكرية في شمال العراق، باستخدام صواريخ أو طائرات مسيرة أو مقاتلات تقليدية أو غير ذلك، فهذه الممارسات متكررة وتتجاوز مسألة انتهاك سيادة الدولة العراقية، إلى تهديد أمن ومصالح دول أخرى، حيث يتصرف الحرس الثوري الإيراني في العراق، باعتباره «تابعا» لإيران وليس دولة مستقلة ذات سيادة، وليس هذا فقط بل دولة إقليمية كبرى ولها وزن وتأثير جيوسياسي وجيواستراتيجي لا يغيب على أحد، والنقاش في هذا الإطار ليس بحاجة إلى تأكيد مني كباحث، ولا اعتراف من الجانب الإيراني أو غيره.
هذه الاستباحة الفوضوية الإيرانية لأراضي الدولة العراقية، لا يماثلها سوى استابحة دول أخرى للبلد العربي ذاته، فتركيا تفعل ما تقوم به إيران، والأمر واحد في الحالتين، والغرض كذلك واحد، وربما كان من بين الأهداف القلائل التي تتلاقى فيها مصالح طهران وأنقرة، إلى جانب الرغبة المشتركة في تقاسم المصالح في سوريا، وحصد ثمار التمدد الاستراتيجي في الجسد العربي طيلة الأعوام الماضية.
أحد أهم أسباب الاستباحة الإيرانية للسيادة العراقية لا تكمن فقط في عدم قدرة العراقيين على توحيد الصف وإعلاء مصالح بلادهم ومنحها أولوية قصوى على ماعداها من حسابات ومصالح شخصية وحزبية وطائفية، ولكنها تتمثل أيضا في المرحلة الراهنة التي تمر بها العلاقات الدولية، حيث السيولة والترهل يمثلان سمة أساسية للنظام العالمي القائم، حتى أصبحت الفوضى وغياب مجرد اللوم والإدانات الكلامية شعار لمرحلة غابت فيها الأمم المتحدة بمؤسساتها المعنية بالأمن والسلم الدوليين، وفي مقدمتها مجلس الأمن الدولي، تماما عن أداء المهام المنوطة بها، بل حتى العجز عن مجرد عقد اجتماعات ولو صورية لإثبات المواقف وفرز السياسات.
قد يقول قائل إن ضعف الأمم المتحدة ليس طارئا ولا عابرا، وأن إيران تتدخل عسكريا وتفرض نفوذها في العراق منذ نحو عقدين، وهذا صحيح في واقع الحال، ولكن كانت هناك دائما فرصة لإصدار ولو موقف كلامي يعبر عن موقف المجتمع الدولي تجاه هذه الانتهاكات والتجاوزات، حتى ولو كان هناك إدراك مسبق بشأن عدم القدرة على منعها والتصدي لها، ولكن مثل هذه المواقف كانت تبقى الأمل في أن تتحول يوما ما إلى إلتزامات وإلزامات تترجم أهداف العمل المؤسسي الدولي الجماعي.
الحديث عن العراق هنا ليس لأنه بلد عربي فقط، وهذا حقه علينا تماما كعرب وخليجيين، ولكن لأن السلوك الإيراني لا يستهدف بالأساس تحقيق مزاعم الحرس الثوري، ولكنه ينطوي على «رسائل» لدول وأطراف أخرى، وغالبا ما يختار توقيته بعناية فائقة لإبلاغ هذه «الرسائل»، ناهيك عن استعراض القوة الإيرانية وإبلاغ أطراف إقليمية أخرى بحدود قدرة إيران على الإيلام كما يعتقد قادة النظام الإيراني، وهذه الأهداف في مجملها لا ينبغي أن يكون مسرحها بلد آخر، ولا ينبغي أن تصدر من دولة لا تكف عن الحديث عن السلام والحوار والاستقرار الإقليمي، ثم تتصرف بشكل لا يخلو من «بلطجة» تستهين بكل القوانين والأعراف والمواثيق الدولية.
التعامل مع العراق كبلد ذي سيادة يملي على الجانب الإيراني دعم قدراته والحرص على سيادته، لا التدخل المتواصل في شؤونه وفرض الإملاءات عليه، والتهديد المستمر بشن الهجمات، لأن العراق المستباح لن يكون سوى شوكة في خاصرة إيران وغيرها ليس لأن هذا البلد العريق يريد ذلك، ولكن أوضاعه الأمنية والسياسية ستوفر الفرصة للمتربصين والمتآمرين للقيام بهذا الدور انطلاقا من أراضيه، التي يحتاج إلى دعم إقليمي ودولي لبسط سيطرته عليها بشكل كامل.
ورغم أنني أدرك تماما حقيقة نوايا إيران تجاه العراق والعراقيين، وأن حسابات طهران ترى في إبقاء العراق ضعيفا مخترقا حتمية استراتيجية للنظام الإيراني الحالي، ولا أتوقع مطلقا أن يتراجع عن سلوكه وممارساته سواء تجاه العراق أو غيره من دول الجوار، ولكنني أراهن دائما على موروث العراقيين التاريخي والثقافي وأن هناك دائما في هذا البلد العريق حضاريا من يرفض رؤية الجار، ويأبى أن يبقى العراق أسيرا لفكرة تسكن عقل نظام لا يفكر سوى في الفوضى والمؤامرات.
لا يحتاج الأمر إلى التطرق للموقف العربي الجماعي الغارق في أزمات لا حصر لها، ولكن من الضروري القول بأن العراق يبدو أحوج ما يكون إلى دعم عربي قوي لتجاوز هذه المرحلة الصعبة في تاريخه، كما يحتاج العراق أيضا إلى صحوة ضمير لأبنائه المخلصين للتخلي عن حسابات الخارج والداخل والعمل لمصلحة شعبهم الذي يستحق كل التضحيات بعد طول عناء.
drsalemalketbi@
هذه الاستباحة الفوضوية الإيرانية لأراضي الدولة العراقية، لا يماثلها سوى استابحة دول أخرى للبلد العربي ذاته، فتركيا تفعل ما تقوم به إيران، والأمر واحد في الحالتين، والغرض كذلك واحد، وربما كان من بين الأهداف القلائل التي تتلاقى فيها مصالح طهران وأنقرة، إلى جانب الرغبة المشتركة في تقاسم المصالح في سوريا، وحصد ثمار التمدد الاستراتيجي في الجسد العربي طيلة الأعوام الماضية.
أحد أهم أسباب الاستباحة الإيرانية للسيادة العراقية لا تكمن فقط في عدم قدرة العراقيين على توحيد الصف وإعلاء مصالح بلادهم ومنحها أولوية قصوى على ماعداها من حسابات ومصالح شخصية وحزبية وطائفية، ولكنها تتمثل أيضا في المرحلة الراهنة التي تمر بها العلاقات الدولية، حيث السيولة والترهل يمثلان سمة أساسية للنظام العالمي القائم، حتى أصبحت الفوضى وغياب مجرد اللوم والإدانات الكلامية شعار لمرحلة غابت فيها الأمم المتحدة بمؤسساتها المعنية بالأمن والسلم الدوليين، وفي مقدمتها مجلس الأمن الدولي، تماما عن أداء المهام المنوطة بها، بل حتى العجز عن مجرد عقد اجتماعات ولو صورية لإثبات المواقف وفرز السياسات.
قد يقول قائل إن ضعف الأمم المتحدة ليس طارئا ولا عابرا، وأن إيران تتدخل عسكريا وتفرض نفوذها في العراق منذ نحو عقدين، وهذا صحيح في واقع الحال، ولكن كانت هناك دائما فرصة لإصدار ولو موقف كلامي يعبر عن موقف المجتمع الدولي تجاه هذه الانتهاكات والتجاوزات، حتى ولو كان هناك إدراك مسبق بشأن عدم القدرة على منعها والتصدي لها، ولكن مثل هذه المواقف كانت تبقى الأمل في أن تتحول يوما ما إلى إلتزامات وإلزامات تترجم أهداف العمل المؤسسي الدولي الجماعي.
الحديث عن العراق هنا ليس لأنه بلد عربي فقط، وهذا حقه علينا تماما كعرب وخليجيين، ولكن لأن السلوك الإيراني لا يستهدف بالأساس تحقيق مزاعم الحرس الثوري، ولكنه ينطوي على «رسائل» لدول وأطراف أخرى، وغالبا ما يختار توقيته بعناية فائقة لإبلاغ هذه «الرسائل»، ناهيك عن استعراض القوة الإيرانية وإبلاغ أطراف إقليمية أخرى بحدود قدرة إيران على الإيلام كما يعتقد قادة النظام الإيراني، وهذه الأهداف في مجملها لا ينبغي أن يكون مسرحها بلد آخر، ولا ينبغي أن تصدر من دولة لا تكف عن الحديث عن السلام والحوار والاستقرار الإقليمي، ثم تتصرف بشكل لا يخلو من «بلطجة» تستهين بكل القوانين والأعراف والمواثيق الدولية.
التعامل مع العراق كبلد ذي سيادة يملي على الجانب الإيراني دعم قدراته والحرص على سيادته، لا التدخل المتواصل في شؤونه وفرض الإملاءات عليه، والتهديد المستمر بشن الهجمات، لأن العراق المستباح لن يكون سوى شوكة في خاصرة إيران وغيرها ليس لأن هذا البلد العريق يريد ذلك، ولكن أوضاعه الأمنية والسياسية ستوفر الفرصة للمتربصين والمتآمرين للقيام بهذا الدور انطلاقا من أراضيه، التي يحتاج إلى دعم إقليمي ودولي لبسط سيطرته عليها بشكل كامل.
ورغم أنني أدرك تماما حقيقة نوايا إيران تجاه العراق والعراقيين، وأن حسابات طهران ترى في إبقاء العراق ضعيفا مخترقا حتمية استراتيجية للنظام الإيراني الحالي، ولا أتوقع مطلقا أن يتراجع عن سلوكه وممارساته سواء تجاه العراق أو غيره من دول الجوار، ولكنني أراهن دائما على موروث العراقيين التاريخي والثقافي وأن هناك دائما في هذا البلد العريق حضاريا من يرفض رؤية الجار، ويأبى أن يبقى العراق أسيرا لفكرة تسكن عقل نظام لا يفكر سوى في الفوضى والمؤامرات.
لا يحتاج الأمر إلى التطرق للموقف العربي الجماعي الغارق في أزمات لا حصر لها، ولكن من الضروري القول بأن العراق يبدو أحوج ما يكون إلى دعم عربي قوي لتجاوز هذه المرحلة الصعبة في تاريخه، كما يحتاج العراق أيضا إلى صحوة ضمير لأبنائه المخلصين للتخلي عن حسابات الخارج والداخل والعمل لمصلحة شعبهم الذي يستحق كل التضحيات بعد طول عناء.
drsalemalketbi@