سجل رقمي موحد لتنمية القدرات البشرية
الثلاثاء - 04 أكتوبر 2022
Tue - 04 Oct 2022
قيل قديما: «فهم السؤال نصف الإجابة»، وقيل حديثا: «البيانات وقود القرن الواحد والعشرين»، وكل الطرق تؤدي إلى أهمية الاستثمار الأمثل للبيانات والمعطيات في تحقيق المستهدفات والتطلعات.
على مر العصور، يدرك المختصون أن البيانات عامل رئيس لاتخاذ القرارات الصائبة وتحديد الخطوات القادمة، وهذا الأمر يعد محوريا في شتى التخصصات والقطاعات. فالطبيب يحتاج إلى التاريخ الصحي للمريض حتى يقرر العلاج الناجع، والمعلم يحتاج إلى ملف شامل بقدرات الطالب ومؤهلاته وإمكاناته حتى يعزز من نقاط قوته ويحسن من جوانب ضعفه، والباحث يحتاج إلى الدراسات الأدبية السابقة لموضوعه حتى ينطلق منها لآفاق مراده، وهكذا الأمر ينطبق على كل متخصص أو صاحب قرار يريد أن ينجح في قراراته وخطواته.
لئن كانت المنظمات والمجتمعات قديما تواجه تحديا كبيرا في تخزين البيانات وتحليلها، فهي اليوم تمتلك قدرات تقنية هائلة مكنتها من الاحتفاظ ببيانات ضخمة والاستفادة منها في دفع عجلة التنمية، بل إن ثورة تقنية المعلومات والاتصالات ساهمت بشكل فاعل في إحداث نقلة نوعية وتحولا رقميا في شتى المجالات من خلال تطوير نماذج أعمال مبتكرة لاستثمار البيانات وتحسين العمليات والإجراءات. ولنأخذ على سبيل المثال، السجل الطبي الالكتروني، أحد أبرز إسهامات التحول الرقمي في القطاع الصحي.
قديما، كان الطبيب يعتمد في تشخيصه على المعطيات التي بين يديه عند زيارة المريض، وتتحسن جودة التشخيص حال وجود ملف ورقي لتاريخه الطبي، وبطبيعة الحال هناك العديد من التحديات تواجه هذه الطريقة التقليدية، سواء كانت في جودة البيانات أو في تخزينها أو في الوصول إليها. ومع ثورة الأجهزة الشخصية وشبكة الإنترنت في بداية التسعينيات الميلادي، بدأت العديد من المنشآت الطبية في استخدام «السجل الطبي الالكتروني» (Electronic Medical Record) لحفظ بيانات المريض وتاريخه الطبي ليكون مصدرا مهما يرجع إليه الطبيب قبل أن يصدر أحكامه ويقترح دواءه، بل وتستفيد تلك المنشآت من هذه السجلات في تحسين مستوى جودة برامجها وخدماتها.
كانت هذه هي الخطوة الأولى في رحلة التحول الرقمي للسجلات الطبية، إذ تحولت من كونها ملفا ورقيا إلى أن أصبحت ملفا إلكترونيا. تلا ذلك نشأت مفهوم «السجل الصحي الإلكتروني» (Electronic Health Record) سعيا من المنشآت الطبية إلى الاستفادة من ماهو أبعد من البيانات السريرية للمريض المرصودة في كل عيادة طبية، إذ يجمع هذا السجل البيانات الطبية للمريض المدخلة من قبل كافة العيادات المتخصصة، علاوة على بيانات صحية أخرى ترد من قبل مصادر متفرقة، مثل المختبرات ومنشآت الرعاية الصحية والنفسية والاجتماعية.
ومع هذه الخدمة النوعية التي يحققها هذا السجل للأطباء والمنشآت الصحية، إلا إنه لا يتمتع بمرونة عالية؛ فالفرد الواحد قد يمتلك سجلات متعددة متناثرة لدى منشآت صحية مختلفة، ولذا في الألفين ميلادي نشأت فكرة توحيدها تحت مسمى «السجل الصحي الشخصي» (Personal Health Record) وتوحيد سماته ضمن مواصفة دولية (ISO/TR 14292). هذا السجل يمكن المرضى من الاستفادة من بياناتهم وتاريخهم الصحي عند زيارة أي منشأة صحية، كما يعطيهم الصلاحية الكاملة لإدارته وتغذيته ومنح من يرغبون في الوصول إليه.
بدأ تطبيق مفهوم هذا السجل وممارساته في دول شتى، فعلى سبيل المثال، قامت هيئة الخدمات الصحية الوطنية في المملكة المتحدة (NHS) في عام 2005 بتطبيق السجل الصحي الشخصي، وتوجيه كافة المنشآت الصحية للعمل به وفق خطط مرحلية، على أن يكون لكل مواطن سجل صحي موحد بحلول عام 2023.
وبالمثل، دشنت وزارة الصحة في المملكة العربية السعودية العمل على «الملف الصحي الموحد» في عام 2015 ليكون مستودعا لحفظ كافة بيانات المريض الشخصية ومعلوماته الطبية، مثل: الفحوصات، والتشخيصات، والعلاج، وتقارير المتابعة، وغيرها من القرارات الطبية المهمة.
وبالمثل، برزت أهمية السجل الالكتروني ودوره الفاعل في مجال التعليم من خلال توثيق إنجازات المتعلمين في سجلات الكترونية موحدة. فعلى سبيل المثال، يقدم مشروع (1EdTech) منصة موحدة للطلبة في أكثر من 600 مدرسة في الولايات المتحدة الأمريكية تسهم في الاحتفاظ بتاريخهم التعليمي بغية المتابعة والتطوير والاستفادة منها في التنقل الأمثل بين تلك المدارس. وعلى المستوى المحلي، يوفر نظام نور سجلا الكترونيا للطلبة في المدارس السعودية منذ عام 2011 للاحتفاظ ببياناتهم الشخصية والدراسية، وتقديم العديد من الخدمات التعليمية الرقمية.
وفي المملكة المتحدة، عملت وزارة التعليم على تطوير سجلات الطلبة التعليمية وتوسيع أثرها، إذ أطلقت في عام 2012 «سجل التعلم الشخصي» (Personal Learning Record) ليكون مستودعا موحدا لتوثيق مؤهلات الفرد العلمية ومهاراته الوظيفية. هذا التوثيق يتم بشكل آلي، بالتنسيق مع الجهات الموثوقة ذات العلاقة، كما يمكن لصاحب السجل المراجعة و طلب التحديث عند الحاجة.
وبالنظر إلى ما حققته المملكة من تقدم ملحوظ في تطوير البنية التحتية والخدمات الرقمية، كما ظهر جليا في النسخة الأخيرة من مؤشر الأمم المتحدة لتطور الحكومة الالكترونية، نوقن بأن لدينا القدرة الكافية لبناء سجل رقمي موحد لكل مواطن ليكون مرجعا شاملا وموثوقا لمؤهلاته ومهاراته وسماته وقدراته، هذا السجل سيكون فتحا في تنمية القدرات البشرية من خلال تحليل بيانات تلك القدرات، ووضع التوصيات الفاعلة لتطويرها، ومتابعة الأداء والتقدم، والمساهمة بمجموعها في تطوير البيئة والخدمات التعليمية والتدريبية. كما يسهم هذا السجل في تعزيز الاستفادة المثلى من القدرات البشرية الوطنية من خلال توظيفها في المكان الصحيح نحو تحقيق المستهدفات والتطلعات المؤسسية والوطنية.
على مر العصور، يدرك المختصون أن البيانات عامل رئيس لاتخاذ القرارات الصائبة وتحديد الخطوات القادمة، وهذا الأمر يعد محوريا في شتى التخصصات والقطاعات. فالطبيب يحتاج إلى التاريخ الصحي للمريض حتى يقرر العلاج الناجع، والمعلم يحتاج إلى ملف شامل بقدرات الطالب ومؤهلاته وإمكاناته حتى يعزز من نقاط قوته ويحسن من جوانب ضعفه، والباحث يحتاج إلى الدراسات الأدبية السابقة لموضوعه حتى ينطلق منها لآفاق مراده، وهكذا الأمر ينطبق على كل متخصص أو صاحب قرار يريد أن ينجح في قراراته وخطواته.
لئن كانت المنظمات والمجتمعات قديما تواجه تحديا كبيرا في تخزين البيانات وتحليلها، فهي اليوم تمتلك قدرات تقنية هائلة مكنتها من الاحتفاظ ببيانات ضخمة والاستفادة منها في دفع عجلة التنمية، بل إن ثورة تقنية المعلومات والاتصالات ساهمت بشكل فاعل في إحداث نقلة نوعية وتحولا رقميا في شتى المجالات من خلال تطوير نماذج أعمال مبتكرة لاستثمار البيانات وتحسين العمليات والإجراءات. ولنأخذ على سبيل المثال، السجل الطبي الالكتروني، أحد أبرز إسهامات التحول الرقمي في القطاع الصحي.
قديما، كان الطبيب يعتمد في تشخيصه على المعطيات التي بين يديه عند زيارة المريض، وتتحسن جودة التشخيص حال وجود ملف ورقي لتاريخه الطبي، وبطبيعة الحال هناك العديد من التحديات تواجه هذه الطريقة التقليدية، سواء كانت في جودة البيانات أو في تخزينها أو في الوصول إليها. ومع ثورة الأجهزة الشخصية وشبكة الإنترنت في بداية التسعينيات الميلادي، بدأت العديد من المنشآت الطبية في استخدام «السجل الطبي الالكتروني» (Electronic Medical Record) لحفظ بيانات المريض وتاريخه الطبي ليكون مصدرا مهما يرجع إليه الطبيب قبل أن يصدر أحكامه ويقترح دواءه، بل وتستفيد تلك المنشآت من هذه السجلات في تحسين مستوى جودة برامجها وخدماتها.
كانت هذه هي الخطوة الأولى في رحلة التحول الرقمي للسجلات الطبية، إذ تحولت من كونها ملفا ورقيا إلى أن أصبحت ملفا إلكترونيا. تلا ذلك نشأت مفهوم «السجل الصحي الإلكتروني» (Electronic Health Record) سعيا من المنشآت الطبية إلى الاستفادة من ماهو أبعد من البيانات السريرية للمريض المرصودة في كل عيادة طبية، إذ يجمع هذا السجل البيانات الطبية للمريض المدخلة من قبل كافة العيادات المتخصصة، علاوة على بيانات صحية أخرى ترد من قبل مصادر متفرقة، مثل المختبرات ومنشآت الرعاية الصحية والنفسية والاجتماعية.
ومع هذه الخدمة النوعية التي يحققها هذا السجل للأطباء والمنشآت الصحية، إلا إنه لا يتمتع بمرونة عالية؛ فالفرد الواحد قد يمتلك سجلات متعددة متناثرة لدى منشآت صحية مختلفة، ولذا في الألفين ميلادي نشأت فكرة توحيدها تحت مسمى «السجل الصحي الشخصي» (Personal Health Record) وتوحيد سماته ضمن مواصفة دولية (ISO/TR 14292). هذا السجل يمكن المرضى من الاستفادة من بياناتهم وتاريخهم الصحي عند زيارة أي منشأة صحية، كما يعطيهم الصلاحية الكاملة لإدارته وتغذيته ومنح من يرغبون في الوصول إليه.
بدأ تطبيق مفهوم هذا السجل وممارساته في دول شتى، فعلى سبيل المثال، قامت هيئة الخدمات الصحية الوطنية في المملكة المتحدة (NHS) في عام 2005 بتطبيق السجل الصحي الشخصي، وتوجيه كافة المنشآت الصحية للعمل به وفق خطط مرحلية، على أن يكون لكل مواطن سجل صحي موحد بحلول عام 2023.
وبالمثل، دشنت وزارة الصحة في المملكة العربية السعودية العمل على «الملف الصحي الموحد» في عام 2015 ليكون مستودعا لحفظ كافة بيانات المريض الشخصية ومعلوماته الطبية، مثل: الفحوصات، والتشخيصات، والعلاج، وتقارير المتابعة، وغيرها من القرارات الطبية المهمة.
وبالمثل، برزت أهمية السجل الالكتروني ودوره الفاعل في مجال التعليم من خلال توثيق إنجازات المتعلمين في سجلات الكترونية موحدة. فعلى سبيل المثال، يقدم مشروع (1EdTech) منصة موحدة للطلبة في أكثر من 600 مدرسة في الولايات المتحدة الأمريكية تسهم في الاحتفاظ بتاريخهم التعليمي بغية المتابعة والتطوير والاستفادة منها في التنقل الأمثل بين تلك المدارس. وعلى المستوى المحلي، يوفر نظام نور سجلا الكترونيا للطلبة في المدارس السعودية منذ عام 2011 للاحتفاظ ببياناتهم الشخصية والدراسية، وتقديم العديد من الخدمات التعليمية الرقمية.
وفي المملكة المتحدة، عملت وزارة التعليم على تطوير سجلات الطلبة التعليمية وتوسيع أثرها، إذ أطلقت في عام 2012 «سجل التعلم الشخصي» (Personal Learning Record) ليكون مستودعا موحدا لتوثيق مؤهلات الفرد العلمية ومهاراته الوظيفية. هذا التوثيق يتم بشكل آلي، بالتنسيق مع الجهات الموثوقة ذات العلاقة، كما يمكن لصاحب السجل المراجعة و طلب التحديث عند الحاجة.
وبالنظر إلى ما حققته المملكة من تقدم ملحوظ في تطوير البنية التحتية والخدمات الرقمية، كما ظهر جليا في النسخة الأخيرة من مؤشر الأمم المتحدة لتطور الحكومة الالكترونية، نوقن بأن لدينا القدرة الكافية لبناء سجل رقمي موحد لكل مواطن ليكون مرجعا شاملا وموثوقا لمؤهلاته ومهاراته وسماته وقدراته، هذا السجل سيكون فتحا في تنمية القدرات البشرية من خلال تحليل بيانات تلك القدرات، ووضع التوصيات الفاعلة لتطويرها، ومتابعة الأداء والتقدم، والمساهمة بمجموعها في تطوير البيئة والخدمات التعليمية والتدريبية. كما يسهم هذا السجل في تعزيز الاستفادة المثلى من القدرات البشرية الوطنية من خلال توظيفها في المكان الصحيح نحو تحقيق المستهدفات والتطلعات المؤسسية والوطنية.