عبدالرحمن المالكي

العلم الأحمر!!

السبت - 01 أكتوبر 2022

Sat - 01 Oct 2022

خلال الأيام القليلة الماضية قامت روسيا بتوقيع اتفاقية إنسانية تجارية مع حكومة طالبان الأفغانية، تتلخص في توريد القمح والغاز الروسيين لتلك الدولة التي تصارع من أجل البقاء.

ويأتي هذا الدعم في عباءة سميت مجازا بالاتفاقية التجارية بين الروس والأفغان وفي توقيت حساس جدا ويمثل قيمة عالية لكلا الطرفين، حيث تم التوقيت لها بذكاء لاستغلال حاجة الأفغان للدعم قبيل فصل الشتاء القادم، خاصة بعد أن تركها الأمريكيون تواجه مصيرها دون الالتفات للماضي الذي وضع أمريكا على رأس الهرم، حيث كانت المنصة التي أنزل من خلالها العلم الأحمر إيذانا بانتهاء حقبة السوفييت الشيوعي.

باعتقادي أن هذه الاتفاقية لا تعد كونها ضربة استباقية استراتيجية خطط لها بعناية فائقة من قبل الروس لتوجه من خلالها رسالة لمفكري السياسة الخارجية الأمريكية فحواها أن الخنجر الذي غرس في خاصرة الاتحاد السوفيتي قد كسر نصله وأبطل سحره.

وبالعودة للسبب الرئيس الذي تم من خلاله تفكيك الاتحاد السوفيتي منذ بداية الحرب الأفغانية حتى نهايتها عام 1991م وهو ما يطلق عليه في مطبخ الاستخبارات الأمريكية بصناعة العدو، وتقوم هذه السياسة على خلق بؤرة إرهابية في محيط الدول المراد لها التفكيك والزوال كخطوة أولى ومن ثم يأتي دور التسويق الإعلامي عن وجود أعداء بالجوار وأن الولايات المتحدة الأمريكية يقع عليها دور محاربة الإرهاب لطمر هذه البؤرة وذلك لكسب التأييد والمشاركة الدولية لتفتح لنفسها خيارين الأول هو إنشاء قواعد عسكرية في الموقع الذي تريده بجوار العدو الحقيقي المستهدف، والآخر هو الخروج من المنطقة بعد إشعال فتيل الفوضى على الحدود بين الدولتين.

وتأسيسا على ما سبق فقد عمد الأمريكيون من خلال تلك السياسة على تأسيس أخطر ميليشيات إرهابية في التاريخ المعاصر والمتمثل في ما يسمى «بالقاعدة»، حيث كانت بمثابة القنبلة التي تسببت في تدمير قوة الروس وتفكيك وحدتهم، ثم وبعد نجاح الخطة الهجومية وتحقيق أهدافها تم تحويل استراتيجيتها لتكون خط الدفاع الأول في مواجهة الشرق عموما بعد انتهاء مهمتها الرئيسة.

ولأن حذاقة الروس عالية في هذا الشأن فقد دفعتهم حذاقتهم لمصافحة أعدائهم السابقين باستغلال حاجتهم الملحة خاصة بعد أن قام الأمريكيون برمي ورقتهم الأخيرة في تلك المنطقة بترك «طالبان» تستحوذ على مقاليد الحكم في البلاد لتشكيل جبهة بديلة عن القاعدة لتبقي على حظوظها في استمرارية تأثير الفوضى الأفغانية على إعادة تشكيل الاتحاد السوفييتي من جديد في محاولة لصنع نموذج مختلف من الإرهاب ولكن يتخذ شكلا نظاميا هذه المرة.

وما قيام تلك الاتفاقية الروسية الأفغانية الإ رسالة موجهة للغرب الأمريكي فحواها إغلاق ملعبهم في المنطقة لتقوم تلك الأخيرة بافتتاح ملعبين جديدين من طراز واحد متمثلا في أوكرانيا وتايوان، فهل يا ترى ستنجح هذه الخطة أم أن هناك مفاجآت يحملها الروس والصينيون؟!