حامد بن سليمان العيسى

ذكرى اليوم الوطني.. مسيرة توحيد ونظام

الثلاثاء - 27 سبتمبر 2022

Tue - 27 Sep 2022

قبل (92) عاما، وتحديدا بتاريخ (23 سبتمبر 1932م) أصدر جلالة الملك المؤسس عبدالعزيز – طيب الله ثراه – أمره الملكي القاضي بإعلان توحيد المملكة العربية السعودية، وهو اليوم الذي يحتفل بذكراه أبناء هذا الوطن العزيز – بكل فخر – بأمجاد بلاده الطيبة المباركة.

تاريخ التوحيد والمملكة ليس عظيما فقط بكفاح وشجاعة قادته وأبنائه، بل إن هذا التاريخ يكتنفه محطات قانونية مهمة تعبر عن أصالة هذه البلاد وتوغلها في القدم، وهو ما سأسلط عليه الضوء في السطور القادمة، مناقشا الأنظمة الأساسية –وما يسميها البعض الأنظمة الدستورية– منذ فجر توحيد المؤسس حتى عصر خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان وسمو ولي عهده حفظهما الله.

مما لا شك فيه أن سلطة الحكم في المملكة مستمدة من الكتاب والسنة والأنظمة محكومة بذلك بحسب ما نصت عليه المادة (السابعة) من النظام الأساسي للحكم الصادر في عام (1412هـ/1992م)، ولكن هذه المادة لم تكن وليدة اللحظة إذ إن للأنظمة الأساسية في المملكة إرثا وتاريخا ومنها لقاء الإمامين وما يسمى بـ (ميثاق الدرعية) (1157هـ/1744م)، إذ يعد من اللبنات الأولى لتوجهات الدولة المعتمدة على شرع الله كمنهاج توارثه أئمة الدولة السعودية الأولى والثانية وملوك الدولة الثالثة حتى تاريخنا الحاضر.

وكان لضم الحجاز الأثر المهم في التاريخ القانوني للمملكة، فعند ذلك وجدت أولى المؤسسات الدستورية - وتحديدا في عام (1343هـ/ 1925م) - وهي (مجلس الشورى الأهلي) في مملكة الحجاز، وتلى ذلك إصدار أول وثيقة دستورية وهي (التعليمات الأساسية للمملكة الحجازية) الصادرة بـ(التصديق الملوكي) في عام (1345هـ/1926م)، وكان المؤسس آنذاك يلقب بملك الحجاز وسلطان نجد وملحقاتها، وكانت الحجاز - آنذاك - مملكة مستقلة يحكمها الملك عبدالعزيز، وقد أعدت هذه التعليمات من قبل هيئة تأسيسية من ثمانية أشخاص انتخبوا بالاقتراع السري من ممثلي مدن الحجاز وعين الملك خمسة أعضاء آخرين، وقد تضمنت التعليمات أصولا للدولة ما زالت باقية ومن ذلك أسس الشورى وإسلامية الدولة ولغتها إذ نصت المادة (الثانية) منها على أن: «الدولة العربية الحجازية دولة ملكية شورية إسلامية مستقلة...»، وأكدت أكثر من مادة من هذه التعليمات على حاكمية شرع الله والكتاب والسنة كحال النظام الأساسي للحكم؛ ومن ذلك المادة (السادسة) التي نصت على أن: «الأحكام تكون دوما في المملكة الحجازية منطبقة على كتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام وما كان عليه الصحابة والسلف الصالح». بل إن المؤسس قد قيد نفسه بذلك، كما نصت المادة (الخامسة) على أن: «... وجلالته مقيد بأحكام الشرع الشريف».

تلى ذلك صدور نظام مجلس الشورى (1346هـ/1927م) وبعده بعام صدر نظام مجلس الشورى الآخر (1347هـ/1928م). وفي عام (1350هـ/1932م) صدر نظام مجلس الوكلاء الذي يعنى بالسياسة العامة، وكان أشبه ما يكون بمثابة مجلس الوزراء في وقتنا الحالي، وقد ترأسه الأمير فيصل بن عبدالعزيز – النائب العام لجلالة الملك آنذاك – وقد تألف هذا المجلس من وكيل المالية، والخارجية، والشورى، كما أن رئيس المجلس هو المرجع لعدد من الجهات ومنها الديوان الملكي والخارجية والمالية والشورى ورئاسة القضاء وغيرها، وكان النائب العام - بالإضافة لرئاسته لمجلس الوكلاء - وزيرا لوزارة الخارجية ووزارة الداخلية التي كانت تعرف بـ (النيابة العامة) والتي حولت بموجب نظام الوكلاء إلى وزارة الداخلية، وقد ألغي هذا النظام بصدور نظام مجلس الوزراء الأول كما سيأتي بيانه.

وفي (23 سبتمبر 1932م) أصدر جلالة الملك المؤسس أمره الملكي التاريخي كإعلان لاكتمال توحيد هذه البلاد المباركة، وتحويل اسم (المملكة الحجازية النجدية وملحقاتها) إلى اسم (المملكة العربية السعودية) ولقبه من (ملك الحجاز ونجد وملحقاتها) إلى (ملك المملكة العربية السعودية) وهو الاسم الذي كان وما زال يحمله أبناؤه البررة من بعده، ويعد هذا الأمر الملكي وثيقة قانونية وتاريخية من كافة جوانبها، وقد راعت مبدأ استقرار المعاملات والأنظمة وعدم رجعيتها؛ فمما تضمنته ما نصت عليه المادة (الثالثة) من ألا يكون لهذا التحويل أي أثر على المعاهدات والاتفاقيات الدولية وكذلك عقود الدولة مع المقاولين ونحوهم، وأكدت المادة (الرابعة) على سريان الأنظمة والتعليمات السابقة لهذا الأمر -وهنا نستذكر نظاما صدر قبل هذا التحويل ولا زالت بعض أحكامه سارية وهو نظام المحكمة التجارية الصادر في عام (1350هـ/1931م)-.

وكان الملك عبدالعزيز شديد البصيرة همه استقرار البلاد الحديثة على أساس متين، فمما نصت عليه المادة (السادسة) - من الأمر القاضي بإعلان التوحيد - توجيه مجلس الوكلاء بالشروع في إعداد نظام أساسي للمملكة ونظام لتوارث العرش ونظام لتشكيلات الحكومة ليصدر الملك أوامره فيها. تجدر الإشارة إلى أن هذا الأمر والتحويل كان أساسه ما رفع للمؤسس من برقيات من كافة رعاياه في المملكة الحجازية ونجد وملحقاتها ونزولا على رغبة الرأي العام في البلاد وحبا في توحيد أجزائها وفق ما دلت عليه صراحة ديباجة هذا الأمر التاريخي العظيم الذي يعد يومه هو اليوم الوطني لهذا البلد الأمين - بحسب المرسوم الملكي رقم (م/9) لعام (1385هـ/1965م) الصادر في عهد الملك فيصل -. وبعد هذا الأمر بعام أعلن عن مبايعة سعود بن عبدالعزيز بولاية العهد، وقد صدر آنذاك قرار مجلس الوكلاء ومجلس الشورى بمبايعته وليا للعهد، ونشر في العدد (440) من جريدة أم القرى (في 19 مايو 1933م).

وبعد هذا الأمر الملكي التاريخي -بشأن إعلان التوحيد- وفي عام (1373هـ/1953م) أصدر الملك المؤسس نظام مجلس الوزراء الأول بالمرسوم الملكي رقم (5/19/1/4288) والذي كان يرأسه - آنذاك - ولي العهد سعود، إذ نصت المادة (الأولى) من ذلك النظام على أن: «يؤلف مجلس وزراء تحت رئاسة ولدنا سعود ولي عهد المملكة...» وكان يعهد لمجلس الوزراء العديد من الشؤون ومنها الشؤون التنظيمية. وبعد صدور نظام مجلس الوزراء الأول بأشهر وفي ذات العام الهجري (1373هـ الموافق لسنة 1954م) أصدر الملك سعود نظام مجلس الوزراء الثاني وكذلك نظام شُعب مجلس الوزراء والمنظم لأمانة المجلس وشعب المجلس وإداراته ومنها شعبة الخبراء والتي تحولت لاحقا لما يسمى حاليا بـ (هيئة الخبراء بمجلس الوزراء) وكذلك إدارة ديوان المظالم التي استقلت لاحقا كقضاء مستقل - تحت ولايته المحاكم الإدارية - حتى تاريخنا الحاضر، وكان الملك آنذاك - سعود - هو من يرأس مجلس الوزراء وينوب عنه نائبه ولي عهده فيصل بن عبدالعزيز.

وفي عام (1377هـ/1958م) صدر نظام مجلس الوزراء الثالث والذي كان يرأسه ولي العهد فيصل - واستمر رئيسا للمجلس حتى وفاته - ومما تضمنته المادة (الثامنة عشرة) منه أنه «يرسم السياسة الداخلية والخارجية والمالية والاقتصادية والتعليمية والدفاعية وجميع الشؤون العامة للدولة ويشرف على تنفيذها ويملك السلطة التنفيذية والسلطة الإدارية...» وكذلك لا تصدر الأنظمة والمعاهدات إلا بمراسيم بعد موافقة مجلس الوزراء، وهو ما يتفق تقريبا مع نظام مجلس الوزراء الحالي، بيد أن مجلس الوزراء الحالي هو جزء من السلطة التنظيمية بجانب مجلس الشورى. ومما تجدر الإشارة إليه أن الملك فيصل عند توليه للحكم في عام (1384هـ/1964م) قد عدل نظام مجلس الوزراء الثالث بالنص صراحة على أن مجلس الوزراء يرأسه الملك وهو ما يتفق تقريبا مع نظام مجلس الوزراء الحالي الذي يرأسه الملك رئيس مجلس الوزراء.

وأخيرا، بعد هذه المراحل والتطورات التاريخية المختلفة، صدرت – في عهد الملك فهد – سلسلة من الأنظمة الأساسية الأخرى ناسخة ما قبلها، ففي عام (1412هـ/1992م) صدر النظام الأساسي للحكم ونظام مجلس الشورى ونظام المناطق (المقاطعات)، وفي عام (1414هـ/ 1993م) صدر نظام مجلس الوزراء ناسخا نظام مجلس الوزراء - الثالث - السابق له، وفي عهد الملك عبدالله وتحديدا في عام (1427هـ/2006م) صدر نظام هيئة البيعة الذي يعنى بآليات توارث الحكم واختيار ولي العهد وغيرها من المسائل المتعلقة بالحكم وضمان استمراريته، وبذلك تعتبر هذه الأنظمة (النظام الأساسي للحكم، ونظام مجلس الوزراء، ونظام مجلس الشورى، ونظام المناطق (المقاطعات)، ونظام هيئة البيعة) هي ما يسميها البعض بالأنظمة الأساسية للدولة في وقتنا المعاصر، وتسمى فقها كذلك بالأنظمة الدستورية للدولة.

ختاما، إن كل ناظر في تاريخ المملكة وتطوراتها يلمس بشكل واضح سعي الأسرة الحاكمة إلى استقرار وثبات هذا الوطن العظيم، ويرى ذلك حتى في المجال القانوني وغيره من المجالات التي كانت عمادها ومنطلقها الشرع الحنيف دون أن يكون تأسيس أنظمتها من كيانات أو انتداب خارجي بل أن هذا التأسيس تم بأيدي أبنائها المخلصين وبإرادة قادتها البارعين. ولا يسعنا -في ذكرى اليوم الوطني (92)- إلا الدعاء للملك المؤسس الذي سار على تأسيس الدولة وأسسها القانونية الضاربة في جذور التاريخ وسؤال الله أن يغفر له ولأبنائه البررة ملوك هذه البلاد، وأن يحفظ الله ملكنا خادم الحرمين الشريفين سلمان بن عبدالعزيز وولي عهده الأمين الأمير محمد بن سلمان اللذين سارا على ما سار عليه من قبلهم ملوك هذه البلاد من عدل وإخلاص لها ولشعبها، وعلينا أبناء هذه الدولة الفخر بدولة تاريخية قوية وبقادتها الأفذاذ وبمجدها التليد وأن نحمد الله ونستذكر قوله تعالى: (واذكروا نعمت الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا)

aleisaHamed@