ما بين العيادة والوكالة إدارة منضبطة!
الاثنين - 26 سبتمبر 2022
Mon - 26 Sep 2022
سأخبركم اليوم بقصتين قصيرتين حدثتا في إجازة الأسبوع الماضي، لعل في هامشهما فائدة إدارية، القصة الأولى حدثت لي، والثانية لسيارتي، تدور أحداثهما حول سلوك الإدارة الواعية وطريقة تعاملها مع الموظفين ومع العملاء، وقد بنيت عليهما استنتاجات عامة قد تبدو إلى حد ما جائرة، لكنها تلامس الواقع ولو في أطرافه، وأنا على يقين من أنكم ستتفقون معي -ولو جزئيا- بعد سماعكم للقصتين، وتتلمسون لي العذر فيما أقول.
كان لي موعد مراجعة في إحدى المجمعات الطبية، وترددت في الذهاب إليه بسبب إجازة اليوم الوطني، وتلمست للمجمع فرحة أطبائه وموظفيه ومشاركتهم الاحتفالات في هذه الإجازة، وحاولت إلغاء الموعد من خلال الموقع الالكتروني للمجمع، فلم تفلح جهودي خاصة أنني قد أكدته في وقت سابق، ولحاجتي لهذا الموعد قررت الذهاب والتأكد بنفسي من شكوك الإجازة أو حضور الموعد والاستفادة من خدمات المجمع، وكنت في الحالتين -أعني إجازة المجمع أو حضور الموعد- سأكون سعيدا وفرحا، ولو على حساب أوجاعي العارضة وآلامي العابرة.
ذهبت إلى المجمع الطبي، فوجدته يعمل كالمعتاد ولله الحمد، وأكبرت في إدارته هذا الحس الوطني الرفيع، وهذا العمل الجاد، إلا أن طبيبتي كعادتها لم تكن موجودة، وكان هذا هو الموعد الثالث الذي لا أجدها فيه، فذهبت للمدير المناوب، وسألته أين طبيبي الأجنبي فلان؟ وقلت: أرجوك أعده لي فهو على الأقل ملتزم بعمله ومحترم لمراجعيه، فسألني عن موعدي، وأخبرته عما في نفسي، وكان مهذبا ولبقا، واعتذر لي، وعرض علي تحديد موعد جديد في أقرب وقت ممكن، وشكرته على دماثة خلقه وحسن تعامله، ثم انصرفت وفي نفسي الكثير من التساؤلات.
أليس الطبيب كائنا بشريا، وموظفا عاما يخطئ ويصيب؟ والأطباء عموما منهم الصالحون ومنهم دون ذلك! بلى، إذن المشكلة ليست في الطبيب وحده، وليست قصورا في الأنظمة والتشريعات، وإنما في غياب الإدارة الجادة والمنضبطة بتطبيق الأنظمة على موظفيها تطبيقا حازما، وفي عدم إجراء الأنظمة مجراها الصحيح، صدقوني لو كانت إدارة المجمع حاضرة بما تملكه اليوم من نظم معلوماتية إدارية وأدوات مراقبة عصرية ما تغيبت طبيبتي عن موعدي، ولا تغيب طبيب عن مرضاه أو تأخر دواء على محتاجيه.
لا أدري لماذا غالبا ما نجد الطبيب الأجنبي منضبطا في عمله، محترما لمواعيده، حريصا على مرضاه وعلى مشاعرهم، ودائما ما نجده حاضرا في عيادته لمقابلتهم وتخفيف أوجاعهم وآلامهم، وباثا في نفوسهم روح الطمأنينة وأمل الشفاء، بعكس ما هو عليه الطبيب المحلي، وأرجو أن أكون مخطئا في هذا الاستنتاج، فاستنتاجاتي اليوم إنما هي نتاج تجارب شخصية لا يمكن تعميمها على الكل، فهناك أطباء محليون يضرب بهم المثل في الالتزام والانضباط، وترفع لهم القبعة احتراما وتقديرا.
القصة الثانية لا تخصني أنا، بل تخص سيارتي، فسيارتي ليست بأحسن حال مني، فهي تشكو أوجاعا أكثر مما أشكو، فذهبت بها في نفس اليوم إلى صيانة الوكالة، وهناك استقبلوها أيما استقبال، وأحسنوا وفادتها، وبالغوا في ضيافتها، ولكنني بعد مناقشات ودية عريضة اختلفت مع أحد الموظفين حول الأسعار المبالغ فيها إذا ما قورنت بأسعار مراكز الصيانة الأخرى، وقبل أن أدخل بيتي جاءني اتصال من المركز الرئيس للشركة يسألني عن أسباب انصرافي دون أن أحظى بخدمات الوكالة.
لا أخفيكم أنني دهشت بهذا الاتصال كل الدهشة، وسعدت به كل السعادة، لماذا؟ لأن الشركة الرئيسة كانت حاضرة معنا (عن بعد) عبر كاميرات المراقبة، وكانت تتابع كل صغيرة وكبيرة، وتسمع كل ما نقول، واتصالها إنما جاء من باب حرصها على العميل وتلبية رغباته، ولولا زحمة الطرقات لعدت إلى الوكالة فورا، ولدفعت لها من الأموال فوق ما تطلب، لأن الإدارة المسؤولة كانت منضبطة وحازمة، وكانت مستثمرة للتقنية بشكلها الأمثل، وموظفة لها بما يخدم أغراضها التسويقية وأهدافها الخدماتية.
الحمد لله أنني لست مريضا، ولكنني اعتدت على زيارة الطبيب دوريا، ولو جاءني اتصال من العيادة قبيل موعدي يفيد بغياب الطبيبة لربما أثنيت على إدارة المجمع وشكرت لها اهتمامها بمشاعر المراجعين، بقي أن أقول: الفرق بين ما حدث لي في العيادة وما حدث لسيارتي في الوكالة تمثل في غياب الإدارة المنضبطة والجادة في الأولى وحضورها في الثانية، وهو فرق جوهري بلا شك، وكان عزائي وعزاء سيارتي أننا عدنا إلى البيت كما خرجنا منه، لا لنا ولا علينا، والحمد لله من قبل ومن بعد!
drbmaz@
كان لي موعد مراجعة في إحدى المجمعات الطبية، وترددت في الذهاب إليه بسبب إجازة اليوم الوطني، وتلمست للمجمع فرحة أطبائه وموظفيه ومشاركتهم الاحتفالات في هذه الإجازة، وحاولت إلغاء الموعد من خلال الموقع الالكتروني للمجمع، فلم تفلح جهودي خاصة أنني قد أكدته في وقت سابق، ولحاجتي لهذا الموعد قررت الذهاب والتأكد بنفسي من شكوك الإجازة أو حضور الموعد والاستفادة من خدمات المجمع، وكنت في الحالتين -أعني إجازة المجمع أو حضور الموعد- سأكون سعيدا وفرحا، ولو على حساب أوجاعي العارضة وآلامي العابرة.
ذهبت إلى المجمع الطبي، فوجدته يعمل كالمعتاد ولله الحمد، وأكبرت في إدارته هذا الحس الوطني الرفيع، وهذا العمل الجاد، إلا أن طبيبتي كعادتها لم تكن موجودة، وكان هذا هو الموعد الثالث الذي لا أجدها فيه، فذهبت للمدير المناوب، وسألته أين طبيبي الأجنبي فلان؟ وقلت: أرجوك أعده لي فهو على الأقل ملتزم بعمله ومحترم لمراجعيه، فسألني عن موعدي، وأخبرته عما في نفسي، وكان مهذبا ولبقا، واعتذر لي، وعرض علي تحديد موعد جديد في أقرب وقت ممكن، وشكرته على دماثة خلقه وحسن تعامله، ثم انصرفت وفي نفسي الكثير من التساؤلات.
أليس الطبيب كائنا بشريا، وموظفا عاما يخطئ ويصيب؟ والأطباء عموما منهم الصالحون ومنهم دون ذلك! بلى، إذن المشكلة ليست في الطبيب وحده، وليست قصورا في الأنظمة والتشريعات، وإنما في غياب الإدارة الجادة والمنضبطة بتطبيق الأنظمة على موظفيها تطبيقا حازما، وفي عدم إجراء الأنظمة مجراها الصحيح، صدقوني لو كانت إدارة المجمع حاضرة بما تملكه اليوم من نظم معلوماتية إدارية وأدوات مراقبة عصرية ما تغيبت طبيبتي عن موعدي، ولا تغيب طبيب عن مرضاه أو تأخر دواء على محتاجيه.
لا أدري لماذا غالبا ما نجد الطبيب الأجنبي منضبطا في عمله، محترما لمواعيده، حريصا على مرضاه وعلى مشاعرهم، ودائما ما نجده حاضرا في عيادته لمقابلتهم وتخفيف أوجاعهم وآلامهم، وباثا في نفوسهم روح الطمأنينة وأمل الشفاء، بعكس ما هو عليه الطبيب المحلي، وأرجو أن أكون مخطئا في هذا الاستنتاج، فاستنتاجاتي اليوم إنما هي نتاج تجارب شخصية لا يمكن تعميمها على الكل، فهناك أطباء محليون يضرب بهم المثل في الالتزام والانضباط، وترفع لهم القبعة احتراما وتقديرا.
القصة الثانية لا تخصني أنا، بل تخص سيارتي، فسيارتي ليست بأحسن حال مني، فهي تشكو أوجاعا أكثر مما أشكو، فذهبت بها في نفس اليوم إلى صيانة الوكالة، وهناك استقبلوها أيما استقبال، وأحسنوا وفادتها، وبالغوا في ضيافتها، ولكنني بعد مناقشات ودية عريضة اختلفت مع أحد الموظفين حول الأسعار المبالغ فيها إذا ما قورنت بأسعار مراكز الصيانة الأخرى، وقبل أن أدخل بيتي جاءني اتصال من المركز الرئيس للشركة يسألني عن أسباب انصرافي دون أن أحظى بخدمات الوكالة.
لا أخفيكم أنني دهشت بهذا الاتصال كل الدهشة، وسعدت به كل السعادة، لماذا؟ لأن الشركة الرئيسة كانت حاضرة معنا (عن بعد) عبر كاميرات المراقبة، وكانت تتابع كل صغيرة وكبيرة، وتسمع كل ما نقول، واتصالها إنما جاء من باب حرصها على العميل وتلبية رغباته، ولولا زحمة الطرقات لعدت إلى الوكالة فورا، ولدفعت لها من الأموال فوق ما تطلب، لأن الإدارة المسؤولة كانت منضبطة وحازمة، وكانت مستثمرة للتقنية بشكلها الأمثل، وموظفة لها بما يخدم أغراضها التسويقية وأهدافها الخدماتية.
الحمد لله أنني لست مريضا، ولكنني اعتدت على زيارة الطبيب دوريا، ولو جاءني اتصال من العيادة قبيل موعدي يفيد بغياب الطبيبة لربما أثنيت على إدارة المجمع وشكرت لها اهتمامها بمشاعر المراجعين، بقي أن أقول: الفرق بين ما حدث لي في العيادة وما حدث لسيارتي في الوكالة تمثل في غياب الإدارة المنضبطة والجادة في الأولى وحضورها في الثانية، وهو فرق جوهري بلا شك، وكان عزائي وعزاء سيارتي أننا عدنا إلى البيت كما خرجنا منه، لا لنا ولا علينا، والحمد لله من قبل ومن بعد!
drbmaz@