هند علي الغامدي

في حب الوطن

الخميس - 22 سبتمبر 2022

Thu - 22 Sep 2022

روحي وما ملكت يداي فداه

وطني الحبيب وهل أحب سواه

تنساب تلك الكلمات الساحرة على لساني لا شعوريا كلما كنت خارج بلادي وأنا أرى كل محاسن الدنيا تتضاءل أمام محاسن بلادي، ولا أظن أن هناك من لم يسحره بيان تلك الكلمات ولحنها الآسر والصوت العذب الذي تنساب من خلاله متهادية إلى الأسماع والقلوب ولاسيما في المناسبات الوطنية وعلى رأسها اليوم الوطني، أو ربما حين يتملكه الحنين إلى الوطن، ليست تلك الكلمات فقط؛ بل كثيرة هي الكلمات والقصائد المغناة وغير المغناة في حب الوطن ومعنى الوطنية، ومع ذلك فالأكيد أنه لن يمكن في يوم من الأيام أن يصل شاعر أو ناثر إلى التعبير عن حقيقة حب الوطن، فحبه كحب الأم، قد لا تشعر به أحيانا إلا إذا ابتعدت، تظل الأم تدلل أبناءها، وتلبي رغباتهم، وتقضي حاجاتهم، تموت ليحيوا، وتذبل ليزهروا، وتنطفئ ليضيئوا، تعطي وتعطي حتى ينسى أبناؤها في غياهب التعود دفء يديها، وحرارة أنفاسها، ونبض قلبها المحب بلا شروط، وعقلها المفكر لهم ومن أجلهم، هكذا الوطن، قد تستغرقنا نعمة الوطن بكل تفاصيلها حتى نتعود عليها فلا نشعر بها إلا إذا ابتعدنا، حين ذاك، نشعر بالحنين، وتهون الدنيا في أعيننا أمام سجدة على أرضه، هذه السجدة الغالية التي سجلتها عدسات المصورين مرارا، وخلدها التاريخ مرارا.

حب الوطن أمر إنساني عام إن لم يكن غريزيا، فكل وطن شريف عند أهله؛ ماؤه وهواؤه وسماؤه وأرضه، كل شيء فيه شريف، كل الأوطان لها أغانيها وأناشيدها الوطنية التي تصدح من خلالها بتراثها وأمجادها وكنوزها ودواعي فخرها، كل الأوطان لها أعلامها وأيامها، ولئن كانت كل الأوطان شريفة عند أهلها، فكيف بوطننا؟ وطننا هو الوطن الذي حاز كل الشرف؛ شرف المكان، وأي مكان!؟ أرض الحرمين الشريفين، ومهبط الوحي، ومهوى أفئدة المسلمين من كل مكان، فيها مكة المكرمة التي قال عنها -صلى الله عليه وسلم-: «والله إنك لخير أرض الله، وأحب أرض الله إلى الله، ولولا أني أخرجت منك ما خرجت»، وفيها المدينة المنورة التي قال -صلى الله عليه وسلم- عنها: «إني حرمت المدينة كما حرم إبراهيم مكة، ودعوت لصاعهم ومدهم بمثلي ما دعا به إبراهيم لأهل مكة»، فحبهما شرف وإيمان؛ وحب أرض حوتهما شرف وإيمان أيضا، وشرف الزمان، وأي زمان!؟ منذ بعثة الرسول -صلى الله عليه وسلم- وبزوغ أنوار النبوة على أرضه، ومنذ أن أشرقت شمس الإسلام على كل الدنيا وإلى يوم الدين، وشرف الإنسان، وأي إنسان!؟ فعلى أرضها ولد ونشأ وبعث ومات أشرف من خلق الله محمد بن عبدالله المبعوث رحمة للعالمين.

ولئن كانت الأوطان كلها عزيزة على أهلها فأي عز يضاهي عز وطن دستوره كتاب الله وسنة نبيه، ولغته اللغة العربية لغة كتاب الله وحديث رسوله، وحكامه هم من حملوا على عواتقهم خدمة الحرمين الشريفين، وخدمة حجاج بيت الله، وتقديم يد العون والمساعدة للمحتاجين والضعفاء من المسلمين وغيرهم في كل مكان، وهم من جندوا حياتهم من أجل حماية الوطن وثرواته، والحفاظ على أمنه وأمن كل من عليه من المواطنين والمقيمين، وشعبه هو الشعب البار الذي جعل شعاره (وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم)، وطن حكامه وشعبه يحملون أرواحهم على أيديهم ويقدمونها فداء لدينهم ووطنهم. فأي عز وأي شرف!؟

نحتفل كل عام في الثالث والعشرين من سبتمبر بيومنا الوطني، ونعيش تفاصيله حبا وتقديرا وامتنانا وشكرا، انتماء وفخرا واعتزازا، وحمدا وشكرا للإله الذي خصنا بهذه النعمة، ودعاء بأن يرزقنا شكرها، وكما أننا موقنين في يوم الأم أن كل الأيام للأم، وأن واجب الأم وحقها علينا ممتد ما حيينا، فكذلك لابد من الوعي بأن كل الأيام للوطن، وأن الوطنية هوية لا تنفك عن صاحبها أينما كان، وكيفما كان.

ويمكن القول إن الوطنية في أبسط وصف أن يكون المواطن مصدر فخر وعز لوطنه؛ بأقواله وأفعاله، في الداخل والخارج، في المنزل والمسجد والمدرسة والعمل والشارع وأماكن البيع والشراء والنزهة، وفي الواقع الافتراضي والحقيقي، وفي كل مكان، ومع كل أحد، فالوطنية تشريف وتكليف، وكما يتشرف المواطن بالانتماء إلى وطنه فلابد أن يتشرف وطنه به؛ إذ الوطن لا يشرفه المواطن الذي لا يتحمل مسؤولياته ولا يؤدي واجباته، أو الذي يغش، أو يكذب، أو يسرق، أو يرتشي، أو يفجر في الخصومة، أو يسيء إلى الآخرين، أو يسيء إلى وطنه أو دينه أو لغته، أو يقلل من شأن وطنه بأي شكل، أو يسيء إلى أوطان الآخرين؛ فيعرض وطنه للإساءة، أو يعرض وطنه للخطر والتهديد، أو يشوه صورته، أو يفضح أسراره، أو غير ذلك من صور تتنافى مع الوطنية وبر الوطن وحبه، والوطن إن لم يتشرف بأبنائه، فأبناؤه في عداد الأبناء العاقين، والعقوق كبيرة لا يجبّها إلا التوبة منها.