أميرة سعد الزهراني

القيم الأخلاقية في عصر التقنية

الاثنين - 19 سبتمبر 2022

Mon - 19 Sep 2022

يشهد المجتمع الإنساني تطورا كبيرا وتغييرا جذريا في كافة مناحي الحياة، ومنه ما حققته ثورة الاتصالات الرقمية من سهولة الوصول إلى المعلومات وتبادل الأخبار حتى بات العالم كقرية كونية صغيرة مزيلة كل الحواجز بين حدود الدول وماحية بذلك الخصوصية الثقافية بين شعوب العالم، فأصبحت وسائل التواصل الاجتماعي كبوابات للمشاركة بكل سهولة، فيتسلل الشخص إليها وقتما شاء، ويفعل فيها ما يشاء، ناشرا أو مشاهدا أو متحدثا وحتى معلقا لما يراه ويسمعه، وعلى الرغم من إيجابيات الإمبراطورية الرقمية للحياة التي نعيشها متنعمين بظلالها، إلا أن لها آثارا سلبية على مجتمعاتنا من خلال تأثيرها على منظومة القيم الأخلاقية وطمسها للهوية الثقافية، وهو ما يشكل خطورة في تبنى الأجيال القادمة للقيم المخالفة للهوية والثقافة والذي أصبحنا نراه في بعض الدول المتقدمة من غياب النسق القيمي واضطراب للمجتمع حتى بات عالم متوحش مادي في علاقاته ببعضه والذي وصفه عالم النفس الأمريكي «ماسلو» بأنه «عصر انعدام المعايير وعصر الفراغ وعصر بلا جذور، يتفقد الناس فيه الأمل، ويعوزهم وجود ما يعتقدون فيه ويضحون من أجله».

ومن زاوية أخرى، تمثل القيم الأخلاقية أساس بناء الأمم، ومركزا مهما لصلاح المجتمعات، ووقايته من التدهور، لما لها من أهمية كبرى في حياة الفرد، كما تلعب دورا مهما في تكوين شخصية الفرد، ولهذا كان علماء الفلاسفة قديما مثل سقراط وأفلاطون وجون لوك يركزون على أهمية الأخلاق لتكوين حياة سعيدة، وحتى أحلامهم امتدت لإنشاء مدينة فاضلة ذات أخلاق وقيم عالية لإيمانهم بأهمية القيم الأخلاقية.

من يرى حال واقعنا مع التكنولوجيا سيدرك مدى تأثيرها علينا وبشكل عجيب وسريع في سلوكياتنا وصفاتنا، فمن يتجول مواقع التواصل الاجتماعي والتطبيقات ويتأمل ما يحدث فيها سيلاحظ بكل سهولة التدهور الأخلاقي وللأسف بين شبابنا وبناتنا، حتى كاد مجتمعنا غريبا؛ فما كان معروفا بالأمس أصبح اليوم مستغربا، وكأننا نعيش في زمن مختلف الموازين حتى أصبحنا نتفاجأ بكل من يقوم بعمل إيجابي (طالب يحمل حقيبة أخته، أب يمازح ابنه، موظف يلتزم بالأمانة أثناء تأدية عمله، ابن يستقبل الضيوف، طالبة ملتزمة بحجابها)، بالرغم من أنها عاداتنا وصفاتنا الحميدة والمتوارثة من ديننا الإسلامي، وحتى لا تختفي هذه المناظر الإيجابية شيئا فشيئا أصبحنا نتبادر بنشرها على مواقع التواصل وتكريمهم خوفا من أن تضيع مع زحمة الموضوعات التافهة.

إن هذه الثورة الرقمية أحدثت خلخلة في القيم الأخلاقية وسعت لتكوين الإنسان الرقمي ذو الهوية المسلوبة، وهذا ما يستدعي منا إعادة النظر في مسألة غرس القيم، والدعوة إلى ترسيخ القيم الأخلاقية في قلوب الشباب وعقولهم من خلال تكاتفنا جميعا ولعل أول ذلك المؤسسات التربوية والأكثر تأثيرا والتي ينبغي أن تقدم جرعة عالية من البرامج التربوية بهدف تأصيل القيم الأخلاقية وغرسها في نفوس الناشئة لتكون البوصلة الموجه لسلوك الأفراد في حسن تعاملهم مع استخدام التقنية.

كما أن للوالدين دورا مهما في غرس القيم الأخلاقية في نفوس أبنائهم من خلال ما أثبته رسولنا الكريم (كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه) فنكون أكثر قربا لأولادنا، ونسلحهم عاطفيا وفكريا لمواجهة ما هو قادم وندعم الأخلاق والقيم الفاضلة لديهم. ولا ننسى معلم الأجيال وشريك التربية والذي يعد أحد رواد غرس القيم وقدوة عظيمة يتأثر بها الطالب، بل إن غرس القيم في نفوس الطلبة مقدم على المعرفة، فوسائل المعرفة أصبحت موجودة في كل مكان وفي الكتب الورقية والالكترونية، فلابد من تكاتف الجميع للنهوض بالقيم الأخلاقية الغائبة حتى يستعيد مجتمعنا عافيته وأخلاقه.