شاكر أبوطالب

إعلامنا لا يمكن الاتصال به الآن!

الأحد - 18 سبتمبر 2022

Sun - 18 Sep 2022

ننعم بقيادة عريقة في الحكم والحكمة، ونملك وطنا استثنائيا، ولدينا رؤية وطنية غير مسبوقة، أهدافها ملهمة لصناعة المستقبل كما ينبغي أن يكون، وغاياتها ضمان حياة أفضل للمجتمعات البشرية على كوكب الأرض.

قيادتنا الرشيدة كشفت الستار عن مبادرات خضراء متنوعة وشاملة، وأطلقت مشاريع مستدامة ومبتكرة، استنادا إلى المكانة المرموقة في السياسة والاقتصاد والطاقة، وموقع يمتاز بجغرافيته الفريدة وتاريخه العريق، وريادة في المنطقتين العربية والإسلامية، إضافة إلى مزايا أخرى عديدة على صعيد الثروات الطبيعية، والقدرات البشرية، والتنوع الثري على مستوى الآثار والتراث والثقافة والفنون.

رغم كل ما سبق ذكره، لا نزال على صعيد الأداء الإعلامي نخاطب أنفسنا وأنفسنا فقط، وبالتالي لن يسمعنا الآخر، ولا تزال مؤسساتنا الإعلامية الحكومية والخاصة تقتات على الخطاب ذاته منذ القرن الميلادي الماضي، ليس هذا فقط، بل نستخدم حتى الأساليب نفسها المنتمية إلى عالم أصبح تاريخا وذكريات.

ولا تزال وسائل إعلامنا مستمرة في إصرارها على حصر إنتاجها بصورة ضعيفة الصلة بأحدث الممارسات العالمية، وحصر توجيه هذا الإنتاج التقليدي إلى الجمهور السعودي فقط، أو الجمهور العربي كأقصى تقدير، وبذلك نساعد الآخر أيا كان إلى الاطمئنان إلى توقعاته وقناعاته وتصوراته الذهنية عن السعودية وطنا وقيادة ومجتمعا.

حتى المحاولات الفردية لاستثمار المنصات الإعلامية والاتصالية المستحدثة؛ لم تسلم هي الأخرى من استنساخ المحتوى نفسه وإخراجه بأسلوب معاصر على صعيد الشكل والمظهر، بسبب الشروط الإجبارية التي فرضتها طبيعة التقنية، فباتت الخسارة مضاعفة، لنفقد فرصة أخرى ليس للتحول إلى المستقبل وحسب، بل حتى لمحاولة اللحاق بالحاضر المتسارع تبدلا وتطورا.

وبالنظر إلى الممارسات الاتصالية والإعلامية في أمريكا الشمالية وأوروبا الغربية، وتحديدا المؤسسات المعتنقة لعقيدة اليسار، تجدهم يصنعون بكل جد واجتهاد أشكالا متعددة ومضامين متنوعة بالإنجليزية، سواء أكانت الإنجليزية لغتهم الأم أو لم تكن كذلك، لأن الدافع وبكل بساطة في أن الإنجليزية لغة عالمية تصل إلى معظم المجتمعات البشرية، وعلى أقل تقدير يفهمها أكثر من 1.8 مليار نسمة.

فالإنجليزية لغة الإعلام العالمي والتواصل الدولي، وهي أيضا لغة المراكز والمؤتمرات الاستراتيجية، ومعاهد الدراسات السياسية، واللغة السائدة في المعرفة والعلم والبحث والابتكار والتقنية، واللغة الأعلى في الاقتصاد والصناعة وبيئات الأعمال، وكذلك في السياحة والترفيه والفنون والرياضات وغيرها.

فعندما حضر اليسار مبكرا في صناعة القوة الناعمة واستثمر فيها كثيرا ولا يزال، استحوذ على مؤسسات قائمة وناجحة، وابتكر تقنيات ومنصات جديدة ليطل منها على المجتمعات البشرية، كان يعلم جيدا أن أدوات هذه الصناعة ستكون يوما ما أسلحة تفوق في المعارك السياسية والحروب الاقتصادية المقبلة.

كما أدرك اليسار جيدا أنه في بعض الحالات سيستند إلى عراقة بعض المؤسسات الإعلامية وسمعتها وانتشارها حتى يضمن الحد الأدنى من شروط النجاح في الوصول إلى جمهوره المستهدف، من أجل التبشير بأفكاره، وتسويق منتجاته، وتبرير مواقفه، وتقديم أولوياته، حتى تسود رؤيته الفضاء العام في العالم.

قليل من مؤسساتنا الإعلامية تنبهت إلى الفجوة الضخمة في التواصل مع الآخر، فأسرعت في عقد شراكات إعلامية استراتيجية مع مؤسسات غربية عريقة في الممارسة واسعة الانتشار، وبدلا من تصميم خط فكري وإنتاجي باللغة الإنجليزية للتخاطب مع الآخر غير العربي، اكتفت بشراء حقوق الاستفادة من الهوية أو الاسم الإعلامي، وترجمة الفكرة أو المحتوى من الإنجليزية إلى العربية لا غير!!

ورغم استمرار الحملات السياسية والإعلامية التي تهاجم وطننا، وتواصل جهودها صبحا ومساء لتشويه سمعة قيادتنا، وبناء صورة ذهنية سلبية عن السعودية من خلال صناعة المحتوى وتنويع إنتاجه وتكرار توزيعه، كل هذا الهجوم المسعور لم يحرك ساكنا في مؤسساتنا الإعلامية، فحتى اللحظة لم تبادر بالتأسيس لمحتوى باللغة الإنجليزية فضلا عن الصينية أو الإسبانية أو الفرنسية، ولم تفكر حتى في الاستحواذ على صحف ورقية أو الكترونية أو منصات إعلامية قائمة، خاصة مع التراجع الكبير لاقتصاديات الإعلام، وتحديدا الصحافة.

في الحالة هذه، فإن الآخر سيستمر في شن حربه الإعلامية، وسيواصل بث المحتوى السلبي الذي يلبي رغباته وغاياته، وتشكيل الصورة الذهنية التي يريد عن المملكة، وليس بعيدا أو مستغربا أن ينجح في تحقيق مبتغاه، فالإعلام السعودي ليس له سوى لسان واحد، لا يفهمه 93% من سكان العالم!

shakerabutaleb@