أحمد الهلالي

النظافة وثقافة الآتين بعدك!

الاثنين - 22 أغسطس 2016

Mon - 22 Aug 2016

من أكبر الأخطاء، ومن أشنع الذنوب من يرمي مجتمعا كاملا بالتخلف، ويلقي عليه عبارات التشنيع على بعض التصرفات أو السلوكيات الخاطئة، ولعل موضوع النظافة أحد أبرز الأمور التي ينتفض الوعي الاجتماعي مؤخرا لانتقادها، وقد قرأنا الكثير من المقالات وشاهدنا العديد من مقاطع الفيديو الناقدة لهذا الأمر، وهي من باب الحرص على النظافة والصحة العامة وجماليات المكان، ولو تفحصنا سبب المشكلة من الأساس سنجده بالدرجة الأولى (ثقافيا) يعود إلى (التربية)، وبالدرجة الثانية (نظاميا) يعود إلى ضعف الرقابة وتطبيق القوانين، والثاني مرتبط بالأول.



الشق الثقافي في الأمر، أقصد به ثقافة (التنشئة الاجتماعية) التي نشأ عليها الكثيرون، وتلك الثقافة مستقاة من المنزل، ومن المدرسة، فبعض المنازل بها (عاملات منزليات) مهمتهن النظافة غالبا، تنظف وترتب وتهذب كل ما يتسبب به الأبناء داخل المنزل، وإن لم تتوفر (العاملة المنزلية) فالأم أو الأخت الكبرى تقوم بالمهمة، وأحيانا (الأب) وهذا نادر، ثم حين يخرج الطفل إلى المدرسة، يكون عامل النظافة قائما بالمهمة، وإذا كبر وبدأ الخروج مع الأسرة أو الأصدقاء يأتي (عامل النظافة العامة) ليحل في ذات الخانة التي شغلها السابقون، وهي خانة (الآتون بعدك)، وإذا كون أسرة سار في ذات الفلك الذي سلكه فيه والداه.



حين يعتاد الطفل على (الآتين بعده) لإزالة ما يتسبب به في المنزل أو المدرسة أو الشوارع والأماكن العامة، تتشكل في شخصه ثقافة (الاتكالية)، ليس لأنه (قليل أدب أو تربية)، بل لاطمئنان لا وعيه إلى (الآتي بعده)، فهذا الآتي هو المسؤول عن ترتيب الفوضى، وهو واجب عليه، يأخذ عليه ثناء أو أجرا، وإن سبقه الأول وبادر إلى الترتيب، فإنه يرى ذاته (متفضلا) عليه (ليس إلا).



أما الشق التنظيمي للأمر، فيكمن في ضعف آليات الرقابة وتطبيق العقوبات النظامية في حق (الطفل) سواء من الوالدين في المنزل لتعويده على الاعتماد على ذاته، أو في المدرسة، أو حتى في الأماكن العامة، ومن هنا لا يصح الحكم (بالتخلف) على المتسببين بما نراه في الأماكن العامة والشوارع من فوضى ومهملات وسلوكيات سلبية، بل تعود القضية إلى التنشئة التي اشترك فيها الخاص والعام، فتشكلت شخصية الطفل عليها وباتت لازمة لا يستطيع الفكاك منها إلا بالوعي وتطبيق الأنظمة بجدية.



لننظر إلينا كآباء وأمهات، حين نجتمع في مناسبات اجتماعية أو عائلية، نرى العجب العجاب، فهناك أسر تسيطر على أبنائها ولا يغفل أحد الوالدين عن أبنائه وزجرهم حين يتجاوزون القواعد التي يؤمنون بها، وعلى النقيض أسر مفرطة جدا لا يزجرون أبناءهم عن شيء، وإن نهرهم أحد الموجودين عن الأخطاء والسلوكيات السلبية ربما تنشأ خصومة أو جفوة ونفرة جراء هذا التدخل.



أرى أن تتحرك الأسر نحو تكليف الأبناء بغرفهم وتنظيف ما يتسببون به من فوضى مبكرا، وأن تستغني المدارس عن عمال النظافة تماما، خاصة أثناء الدوام، وألا يخرج طالب من المدرسة حتى تعود كما دخلوها في الصباح، ثم على البلديات والجهات المختصة أن تتابع بحزم، لا محاباة فيه، نشر التوعية في الأماكن العامة وتطبيق الغرامات بجدية، فقد أرقنا كثيرا موضوع (النظافة العامة) على بساطته.

[email protected]