شاهر النهاري

نظرية اللعبة تخلق المسارات

الاثنين - 12 سبتمبر 2022

Mon - 12 Sep 2022

قام عالم الرياضيات الأمريكي (جون ناش) والمصاب بمرض الشيزوفرانيا بتقديم نظرية اللعبة، في خمسينيات القرن الماضي، وقد نال عليها جائزة نوبل في العلوم الاقتصادية، وكانت السينما قد جسدت قصة حياته في الفيلم الرائع (عقل جميل).

وما نظرية اللعبة إلا حبكة رياضية تؤطر كيفية اتخاذ القرارات الاستراتيجية بين عدة شركاء، يجتمعون في قضية معينة، حيث يتأثر كل منهم بقرار الآخرين، مما جعل النظرية ممكنة التطبيق في العديد من العلوم الاقتصادية والاجتماعية، بالإضافة إلى علوم الأنظمة والحرب والسياسة وعلم النفس السلوكي، وعلوم الكمبيوتر.

ومن أشهر تطبيقاتها، ذلك المثال عن متهمين يتم التحقيق معهما بشكل منفصل، وهما شريكان في جريمة معينة، بحيث يطبق عليهما ضابط التحقيق نظرية اللعبة، فيقدم لهما عروضا بعقوبات سجن تزيد أو تنقص حسب نوعية اعتراف المتهم، وبنتيجة تتأثر باختيارات المتهم الآخر.

فالمحقق سيعرض على كل شخص منهما، على حدة:

أنه في حال اعترافه بالجريمة، والشهادة ضد شريكه، فإنه سيحصل على حكم مخفف بالسجن لمدة سنة واحدة، بينما يسجن شريكه عشر سنوات.

ولكن وفي حال اعترافه بالجريمة، واعترف شريكه أيضا، فسيحصل كل منهما على حكم سبع سنوات سجن.

بينما يكون الحكم سنتان لكل منهما في حال أنكرا وقوع الجريمة.

والنظرية هنا تلعب على الحالة النفسية والمشاعر الإنسانية، والعلاقة بين المتهمين، ومدى الثقة في اختيارات الشريك وإخلاصه، ما يجعل الطرفان غالبا يقعان في الفخ ويعترفان على بعضهما، رغم أن الخيارات الأخرى تطرح لهما عددا أقل من سنوات السجن.

ويمكن تطبيق نفس النظرية على حالات حياتية عديدة مثل تشارك التلاميذ في حالات غش دراسي، أو التحقيق في عمليات فساد ورشوة، وفي أي خلاف يحدث بين شريكين، سواء كانا فردان أو جهتان تتشاركان نفس العمل والترتيبات المؤدية للنتيجة الخطأ، ومحاولة كل طرف منهما الإنكار أو توريط الشريك، حتى لا يكون الطرف الملام، الذي يتحمل نتيجة الخسارة الثقيلة منفردا.

ومن تشعب أغراض هذه النظرية أنها ممكنة التطبيق على الدبلوماسية السياسية بين طرفين يتفاوضان، ويريد كل منهما أن يحوز أكبر قدر من الفوائد منفردا، ودون أن يتمكن الطرف الآخر من معرفة ما كان يخطط له، أو ما يسعى إليه في حالات تصاعد الخلافات بينهما، ووجود أطراف أخرى تؤثر على الخيارات، ووجود الشك ونوايا الخيانة، وانعدام الشفافية بين المتحاورين.

عجيب ناش هذا، فقد حدد وحسب وضبط نتائج أمور حياتية وتعاملات إنسانية كانت تحاك في الخفاء بين البشر، نتيجة أعمال يتشاركون فيها، حتى ولو على مستوى أفراد الأسرة الواحدة، وبين الأطفال، والزوجات، ولم يتركها عشوائية دون ترتيب، بل قام بجعلها أرقاما وواقعا حسابيا على الورق، ودون ترك المجال للصدف أو الخديعة جراء الثقة العمياء، التي غالبا ما تجعل صاحبها هو الخاسر.

نظرية تعددت أغراضها واحتمالاتها، وأصبحت تُدرَس أكاديميا وتؤكد عمليا قبل البدء في الترتيب لأي عمل مشترك، أو كتابة عقود، أو التأسيس لحوارات ومفاوضات شفافة معتدلة ناجعة، في عمليات زيادة وعي وحرص بين الشركاء، وانفتاح على الحلول المتوازنة، فلا يكون الشريك الغافل آخر من يعلم، ولا أقل من يجني من شراكته، بعقله الواعي وليس بمجرد ثقة غبية.

shaheralnahari@