ضحايا لا ينتهون!
الاثنين - 12 سبتمبر 2022
Mon - 12 Sep 2022
عطفا على الفيلسوف إميل سيوران، فإن الإنسان الضحية الأولى للحياة، وبدقة مبالغ فيها لدى سيوران، يؤكد أن الإنسان ضحية الولادة، ورغم أن هناك من يتهمه بالمبالغة الشديدة بالتشاؤم؛ إلا أن ثمة ما يجعل هذا المفهوم قائما ويطرح نفسه باستمرار مع استمرار الضحايا للإنسان من الولادة وحتى الموت، بل وبعد الموت؛ يترك الإنسان أثره على ضحاياه بعد موته، فما قراراته المؤذية التي تتبناها الأجيال من بعده إلا أحد إسهامات الإنسان المؤذية بمزيد من الضحايا!
ولا تبدأ القصة مطلقا بضحايا الموت والدم والإيذاء إطلاقا، بل هي في الحقيقة تنتهي بذلك، إذ من السهل إدانة القتل والدم والتشريد والإيذاء الظاهر للعيان؛ لكنها هي أعراض مرض الإنسانية، وليست إطلاقا هي المشكلة، فالمشكلة في الإنسان الجشع، الذي يبرر الإيذاء من أجل المكاسب، وليست مكاسب أن يعيش فحسب، بل مكاسب أن يموت من التخمة!
ستبقى التربية غير السوية، لها ضحايا بالجملة، فما إن تنشر تلك التربية غير السوية ضحاياها الصغار على أرض بسيطة/ المجتمع، حتى تتفاجأ بسيل عارم من التطرف في كل شيء حولك، تطرف في الدين وتطرف بخلافه، وتطرف في نكران الوطن وربما تجد مبالغة في ادعاءات أخرى!
إن المظلوم ليس ضحية وحيدة فيما يتعرض له من ظلم أو إيذاء، فإن كان الظلم الواقع عليه يجعله ضحية حقيقة و ظاهرة، فإن ضحية أخرى غير ظاهرة تتضح لنا، وهي المجتمع أولا ثم شخصية الظالم نفسه، الذي يهدده ظلمه أن يفتك به في أي لحظة لأنه زرع الظلم بيديه فماذا يتوقع أن يجني، وإن نجا فإن اللعنات تلاحقه في هذه الدنيا، حتى إذا سمعتها من فم أحدهم تكره أن تكون ظالما بسبب سيل اللعنات والشتائم والحقد الذي استوطن قلوب المظلومين فصاروا يلهجون بتمتمات الدعوات عليه!
الضحايا للقضايا الصغيرة في نظري أخطر من الضحايا للقضايا الكبيرة، فالقضايا الكبيرة مدانة بطريقة أو بأخرى، وبسبب حجمها ستنحل عاجلا أو آجلا ما لم تكن تاريخية ومعقدة، لكن ضحايا القضايا الصغرى هم الأخطر والأسوأ والأكثر إهمالا والأكثر استدامة وتبريرا، فضحايا التنمر يتزايدون في مجتمع يبرر حالة التنمر ويرى الشكوى منها والتصدي لها بالإدانة ضعف؛ وأن ممارستها قوة شخصية وقوة في مقاومة نكبات الحياة.
التسرب من المدرسة يذهب جراءه عشرات الضحايا كانوا من المفترض أن يكونوا عطفا على ذكاءهم في صغرهم في خدمة المجتمع من خلال هندسة أو طب أو إدارة أعمال ومشاريع كبرى، لكن بسبب خطأ بسيط في التعليم أو في التربية أو في الحياة صاروا ضحاياه لكل هذا، وصار من رزق حظا وأكمل تعليمه ليس إلا مجرد ناج من الضياع الدراسي السابق.
أيضا، من الضحايا على سبيل المثال لا الحصر -وإلا القائمة تطول حتى النهاية- الأطفال مجهولي الأبوين الذي يعانون من فقدان الأبوة، ثم تكتمل بإهمال التربية في المراكز، ثم تزداد في إهمال التعليم، ثم تتطور في نظرة مختلفة للمجتمع لهم؛ برغم أنهم ضحايا لا ذنب لهم فيما حدث، ليكونوا ضحايا محتملين لم يلتفت إليهم أحد!
إن سلسلة الضحايا في المجتمع لا تنتهي، وسلسلة الضحايا في السياسة لا تنتهي، والضحايا في التعليم لا تنتهي، وكل ما يمكن أن ينتهي هو أن يتخلص الإنسان من جشعه المتواصل ليكون إنسانا أكثر منه ظالما أو مظلوما، ولا يتم له هذا إلا بالنظام والقانون وبرامج تنمية الإنسان وقبله حس إنساني مسؤول في المجتمع ينمو ويترعرع في قلب كل شخص ليرحم الناس، كما يتشدق برحمة مصطنعة باردة لا طعم لها لقطة صغيرة يربيها في منزله.
Halemalbaarrak@
ولا تبدأ القصة مطلقا بضحايا الموت والدم والإيذاء إطلاقا، بل هي في الحقيقة تنتهي بذلك، إذ من السهل إدانة القتل والدم والتشريد والإيذاء الظاهر للعيان؛ لكنها هي أعراض مرض الإنسانية، وليست إطلاقا هي المشكلة، فالمشكلة في الإنسان الجشع، الذي يبرر الإيذاء من أجل المكاسب، وليست مكاسب أن يعيش فحسب، بل مكاسب أن يموت من التخمة!
ستبقى التربية غير السوية، لها ضحايا بالجملة، فما إن تنشر تلك التربية غير السوية ضحاياها الصغار على أرض بسيطة/ المجتمع، حتى تتفاجأ بسيل عارم من التطرف في كل شيء حولك، تطرف في الدين وتطرف بخلافه، وتطرف في نكران الوطن وربما تجد مبالغة في ادعاءات أخرى!
إن المظلوم ليس ضحية وحيدة فيما يتعرض له من ظلم أو إيذاء، فإن كان الظلم الواقع عليه يجعله ضحية حقيقة و ظاهرة، فإن ضحية أخرى غير ظاهرة تتضح لنا، وهي المجتمع أولا ثم شخصية الظالم نفسه، الذي يهدده ظلمه أن يفتك به في أي لحظة لأنه زرع الظلم بيديه فماذا يتوقع أن يجني، وإن نجا فإن اللعنات تلاحقه في هذه الدنيا، حتى إذا سمعتها من فم أحدهم تكره أن تكون ظالما بسبب سيل اللعنات والشتائم والحقد الذي استوطن قلوب المظلومين فصاروا يلهجون بتمتمات الدعوات عليه!
الضحايا للقضايا الصغيرة في نظري أخطر من الضحايا للقضايا الكبيرة، فالقضايا الكبيرة مدانة بطريقة أو بأخرى، وبسبب حجمها ستنحل عاجلا أو آجلا ما لم تكن تاريخية ومعقدة، لكن ضحايا القضايا الصغرى هم الأخطر والأسوأ والأكثر إهمالا والأكثر استدامة وتبريرا، فضحايا التنمر يتزايدون في مجتمع يبرر حالة التنمر ويرى الشكوى منها والتصدي لها بالإدانة ضعف؛ وأن ممارستها قوة شخصية وقوة في مقاومة نكبات الحياة.
التسرب من المدرسة يذهب جراءه عشرات الضحايا كانوا من المفترض أن يكونوا عطفا على ذكاءهم في صغرهم في خدمة المجتمع من خلال هندسة أو طب أو إدارة أعمال ومشاريع كبرى، لكن بسبب خطأ بسيط في التعليم أو في التربية أو في الحياة صاروا ضحاياه لكل هذا، وصار من رزق حظا وأكمل تعليمه ليس إلا مجرد ناج من الضياع الدراسي السابق.
أيضا، من الضحايا على سبيل المثال لا الحصر -وإلا القائمة تطول حتى النهاية- الأطفال مجهولي الأبوين الذي يعانون من فقدان الأبوة، ثم تكتمل بإهمال التربية في المراكز، ثم تزداد في إهمال التعليم، ثم تتطور في نظرة مختلفة للمجتمع لهم؛ برغم أنهم ضحايا لا ذنب لهم فيما حدث، ليكونوا ضحايا محتملين لم يلتفت إليهم أحد!
إن سلسلة الضحايا في المجتمع لا تنتهي، وسلسلة الضحايا في السياسة لا تنتهي، والضحايا في التعليم لا تنتهي، وكل ما يمكن أن ينتهي هو أن يتخلص الإنسان من جشعه المتواصل ليكون إنسانا أكثر منه ظالما أو مظلوما، ولا يتم له هذا إلا بالنظام والقانون وبرامج تنمية الإنسان وقبله حس إنساني مسؤول في المجتمع ينمو ويترعرع في قلب كل شخص ليرحم الناس، كما يتشدق برحمة مصطنعة باردة لا طعم لها لقطة صغيرة يربيها في منزله.
Halemalbaarrak@